معرض "إيدكس" واستكمال سباق الأمم
2-12-2018

لواء / محمد عبد الواحد
* خبير الأمن القومى والشئون الإفريقية
تسير الدولة المصرية بخطى سريعة نحو التقدم حتى تعوض ما فاتها من أشواط فى سباق الأمم، فتسعى دائما إلى الحضور سياسيا واقتصاديا على الساحتين الدولية والإقليمية، ولا تلتزم بالانكفاء على مشكلاتها الداخلية فقط، بل تحاول الوجود فى مجالها الحيوى والطبيعى وتتفاعل معه بسرعة لاستكمال مسيرة التنمية، لأن كلمة الانكفاء على المشكلات الداخلية ثقيلة ولا تليق بدولة فى حجم مصر، بل تتعارض ومصالحها، ونجحت بالفعل الدولة المصرية أخيراً فى إعادة تفعيل مجالات حيوية لأمنها القومى.
وقد عقد، خلال السنوات القليلة السابقة، الكثير من المؤتمرات والمعارض الدولية والإقليمية بحسبان أن إقامة تلك المعارض والمؤتمرات هى قمة الرشد للسير فى الطريق الصحيح والتفاعل والاحتكاك مع الآخر، والتعرف على أحدث التكنولوجيا العصرية، وكسب الخبرات المختلفة من الذين سبقونا فى هذه المجالات، خاصة عمليات التسويق، سواء لأفكارهم أو لمنتجاتهم، وبالتالى سوف يكون لدينا رصيد من الخبرات المتراكمة فنلحق بسباق الأمم من حيث انتهى الآخرين.
إن انطلاق المعرض الدولى للصناعات الدفاعية والعسكرية فى القاهرة "إيدكس"، ولمدة ثلاثة أيام، خلال الفترة من ٣ إلى ٥ ديسمبر الجاري، وما يمثله من تفاعلات مع الآخر على مدى مردودات إيجابية، يعكس وعى الدولة المصرية وقدرتها على الاستفادة من تبادل الخبرات المختلفة، خاصة للعاملين فى مجال أنظمة التسليح والصناعات الدفاعية والعسكرية، والوقوف على آخر التطورات العلمية والتكنولوجية فى هذا المجال، لاسيما أن دولا كثيرة يعتمد دخلها القومى على تلك الصناعات، بحسبانها موردا اقتصاديا مهماً.
تمثل استضافة هذا النوع من المعارض نقلة نوعية لمصر ودول نطاقها الإقليمى، لاسيما مشاركة أكثر من 373 شركة عالمية عارضة يمثلون 41 دولة تقريبا، فضلا عن حضور عدد من  الزوار العسكريين الذين يمثلون وفوداً رسمية لوزراء دفاع، ورؤساء أركان، ووزراء إنتاج حربى من مختلف الدول، وممثلين لشركات عالمية كبرى تعمل فى مجال الصناعات العسكرية، وحريصة على أن تعرض أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، ويمكن للدولة المصرية تحقيق استفادة قصوى من خلال ما يلى:
1- تسويق مصر لمنتجاتها الدفاعية والعسكرية (أسلحة خفيفة، وجميع أنواع الذخائر، ومختلف الأعيرة النارية، والدبابات، والمدفعية، وسيارات مدرعة ... إلخ) وهو فرصة كبيرة ومهمة لكى يرى العالم والمختصون قدرات مصر الإنتاجية فى مجال التسليح.
2- عقد صفقات وعقود تسليح، فضلا عن إبرام عقود تصنيع مشتركة لبعض الأسلحة.
3- عقد صفقات خاصة بنقل التكنولوجيا وتوظيفها داخل صناعتنا الدفاعية والعسكرية فى خطوة تعد الأهم، وهى توطين التكنولوجيا واستيعابها ضمن مؤسسات التصنيع والإنتاج العسكرية المصرية.
4- التعرف على أحدث التكنولوجيا العالمية فى المجالات الدفاعية والعسكرية، وبحث أفضل الصفقات التى تناسب الدولة المصرية لتعزيز وتطوير منظومتها العسكرية والأمنية، لاسيما أن حضور أكثر من ٣٧٣ شركة عالمية، ضمن فاعليات المؤتمر فى القاهرة، يعد فرصة جيدة للتواصل بين الجهات المصرية وهذه الشركات، بدلا من إرسال الوفود واللجان المختصة الى الخارج والتجول فى أنحاء العالم للبحث والتعرف على ما هو جديد ومناسب فى سد احتياجاتنا من التسليح.
5- تسويق مصر لخبراتها الفريدة فى مجال مكافحة الإرهاب، خاصة وأنها تكافح إرهاب دولي غير تقليدى يمكِّنها من عمل شراكة لإنشاء مصنع للأسلحة الخفيفة والمعدات الخاصة بمكافحة الإرهاب بحسبانها الدولة الوحيدة فى العالم التى تعلم احتياجات قوات مكافحة الإرهاب من العتاد والسلاح، وذلك من واقع خبراتها فى هذا المجال على مدى العقود السابقة، خاصة العملية الشاملة فى سيناء. (يوجد بالفعل جناح بالمعرض لمعدات الأمن ومكافحة الإرهاب).
6- يعد إقامة معارض دولية بهذا الحجم وهذا العدد فرصة جيدة للدولة للترويج عن ثرواتها السياحية ونشر هذا النوع من السياحة الذى يعرف بسياحة المؤتمرات، فى ضوء مشاركة أكثر من عشرة آلاف مشارك من جنسيات مختلفة سيقومون بزيارة عدد من الأماكن السياحية فى مصر.
7- إن مشاركة هذه الأعداد الضخمة من الجنسيات المختلفة فى مكان واحد وتوقيت واحد لها دلالة قوية ورسالة للعالم توكد أن مصر آمنة وقادرة على تنظيم وإدارة مثل هذا النوع من المعارض الدولية.
تولى الدولة المصرية اهتماما بالغا لإنجاح هذا المعرض وتقدم له دعما كبيرا ليكون حدثا عالميا يضاهى المعارض العالمية المماثلة. فهو فى الحقيقة ملتقى لتبادل الخبرات التكنولوجية بين المشاركين من الهيئات والأنظمة المختصة بالتسليح والصناعات الدفاعية من مختلف أنحاء العالم، يعرض خلاله أحدث التطورات والتقنيات العالمية لأنظمة التسليح البرى والجوى والبحري، كما يستعرض أعمال التحديث والتطوير التى تقوم بها القوات المسلحة المصرية لتطوير مركز السوق المصرى فى تجارة الأسلحة الدفاعية والتكنولوجيا الأمنية. وقد كلفت الدولة المصرية إحدى كبريات الشركات العالمية المختصة فى مجال تنظيم المعارض والمؤتمرات العسكرية "شركة كلاريون"، وقد قامت الشركة المذكورة بإطلاق خطتين لتسويق المعرض عالميا وإقليميا، من خلال الدعاية فى كبرى المعارض العسكرية من جهة، والتسويق للمعرض داخليا عن طريق الحملات الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعى وإعلانات الطرق التى تهدف لتعريف المواطنين بالمعرض من جهة أخرى.
لا شك فى أن التهديدات التى تتعرض لها الدولة المصرية تتغير بشكل سريع، وبالتالى توثر بشكل مباشر وغير مباشر فى أمنها القومى، وأن الصناعات الدفاعية العسكرية أمر غاية فى الأهمية يعزز من قوة الدولة فى محيطها الإقليمى والدولى ويعد شكلاً من أشكال الردع لكل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن، كما يعد أمراً حيويا لحماية أمنها القومى من مختلف التهديدات، سواء من الفاعلين الدوليين من الدول، أو الفاعلين من غير الدول (الجماعات الإرهابية).
تعكس استضافة مصر لمؤتمرات ومعارض علمية وتكنولوجية إيمانها بالحضارات المختلفة لأن الحضارات تتأثر بعضها بعضا، دون أن يفنى بعضها بعضا أو يقضى عليه، لأنها جميعا حلقات فى سلسلة متصلة تندمج معالمها مادامت متفقة مع تطور الإنسانية وتجددها.
 

رابط دائم: