هل التحديات كبيرة أمام ليبيا ؟
28-8-2011

ليزلي كامبل

ربما كان ذلك لأن إقصاء القذافي سيأتي في أعقاب شهور من سقوط زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، أو ربما الإرهاق الناتج عن الحروب في أفغانستان والعراق، لكن الثورة الليبية تبدو عرضة لمعيار أعلى من النجاح أكثر من الانتفاضة التي سبقتها. يقول المثل الدارج الذي جاء في سياق أحد التعليقات على الثوار الليبيين: «نحن لا نعلم هؤلاء الأشخاص أو ما يحمل لنا المستقبل، ومن ثم لا يمكن أن نترك أنفسنا نؤيدهم ونؤيد أهدافهم أو إنجازاتهم بحماسة شديدة».

لكن الاعتقاد بأن المستقبل سيكون أسوأ من الحاضر صيغة مشوهة من الواقعية. وبدا وكأن عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل قد أدى إلى الحنين إلى الماضي، على الرغم من أن الوضع الحالي في ليبيا يتضمن ديكتاتورا مهووسا نهب موارد بلاده، ورعى الإرهاب العالمي وتحرش وسجن وقتل خصومه السياسيين. من المؤكد أنه سيكون من غير المنصف أن نطالب الليبيين الشجعان بتخفيف قلقنا قبل مطالبتهم بحقوق الإنسان الأساسية.

صحيح أن أعضاء المجلس الوطني الانتقالي الليبي غير معروفين إلى حد بعيد، إلا أن قصتهم لافتة للنظر. الكثيرون منهم محامون وأكاديميون تصادف أنهم كانوا في محكمة بنغازي في يوم بداية الانتفاضة، وقد أجبروا على قيادة الثورة عندما اندلع القتال وغادرت قوات القذافي الأمنية المدينة سريعا. وعلى الرغم من انتقاد البعض لطريقة اتخاذ القرار الغامضة، وحديثهم عن أن أعضاءه لديهم انتماءات قبلية، فإن المجلس نال المصداقية المناسبة لتحريك جهود الميليشيات المنظمة وإدارة النظام العام في شرق ليبيا والتخطيط لمستقبل ما بعد القذافي. وتتضمن القرارات الأخيرة ترشيح مدنيين لرئاسة وزارتي الدفاع والداخلية وطرح خارطة طريق ديمقراطية تتضمن انتخابات لجمعية تأسيسية (البرلمان الوطني)، ووضع مسودة دستور جديد بمدخلات وطنية وإجراء انتخابات لحكومة تمثيلية. وقد توسع المجلس نتيجة إضافة العديد من النواب من المدن الصغيرة والكبيرة التي تحررت. وقد تعهد الأعضاء بعدم السعي إلى المناصب بعد الفترة الانتقالية.

يدرك المجلس تماما أنه ينبغي توفير الأمن في المناطق المحررة حديثا وتجنب الغوغائية والانتقام اللذين كانا من السمات السائدة خلال الأيام الأولى التي تلت سقوط نظام صدام حسين في العراق. وفي ظل قيادة المجلس الانتقالي انتعشت مدينة بنغازي كعاصمة تنبض بالحياة والنقاشات العامة وحرية الكلمة؛ ففي كل مساء تتجمع حشود من المواطنين على شاطئ الكورنيش الساحر للاستماع إلى الخطب والنقاشات بشأن مستقبلهم. وقد جندت منظمة الكشافة المسلمة الوطنية مئات من المتطوعين الشباب لتوزيع سلال الغذاء. وتشكلت العشرات من منظمات المجتمع المدني التي أقيمت لخدمة قضايا مثل البيئة وحقوق المرأة وخدمات الجنود الجرحى. ورفرفت أعلام الدول الداعمة - فرنسا وإيطاليا وتركيا والولايات المتحدة ودول أخرى - أمام مبنى المحكمة في احتفاء بالمساعدات التي قدمتها هذه الدول ورغبة ليبيا في الانضمام إلى المجتمع الدولي. لكن ذلك لا يعني أن الانتقال الليبي سيكون سريعا وسهلا، فهناك خطاب إسلامي متنام في بنغازي دفع المجلس إلى إنشاء لجنة لمواجهة تأثير الإسلاميين وبث الأفكار الليبرالية في النقاشات العامة. أضف إلى ذلك أن ليبيا المتجانسة إلى حد بعيد، والتي تضم أقلية بربرية، تقوم على نظام قبلي قوي، ومن الشائع في أي بيئة بعد الحرب أن يسعى الأفراد إلى استتباب الأمن داخل الأسرة والقبيلة والعشيرة. وربما يكون الوقت والأمن والتقدم الاقتصادي فقط كفيلا بدفع المواطنين إلى تشكيل تحالفات تتجاوز العلاقات الإقليمية والأسرة.

لكن هناك مؤشرات على أن الانتقال الليبي ربما يكون أكثر لطفا مما هو متوقع. فعلى عكس المتظاهرين في تونس ومصر، الذين أخذوا على حين غرة عندما تنحى قادتهم سريعا، فيما قضى الليبيون شهورا في عملية التخطيط. ومع تعلم الدروس من العراق، يتوقع أن يتجنب المجلس عملية اجتثاث بعث ليبية والسعي وراء الحقيقة وتدشين عملية مصالحة على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا. وقد كان الاجتماع بالمعارضين للمساعدة في تشكيل الحكومة وتنمية الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وتنظيم الانتخابات، خطوة مدهشة في دولة عاشت في عزلة منذ زمن بعيد. إن المجتمع الدولي لديه التزام ورغبة في الاستجابة، خاصة في الأيام الأولى عندما تكون المساعدة مطلوبة بشكل كبير وسيتذكرها الجميع طويلا.

لا ينبغي علينا أن نقيس الثورة الليبية بمعيار لا يمكن الوصول إليه. هذه الانتفاضة العفوية والتضحية الشخصية الهائلة، والطموحات الديمقراطية في نهاية نظام وحشي ينبغي الاحتفاء بها لا التدقيق في أدق تفاصيلها. ينبغي علينا رفض الدعوة إلى الحكم على التقدم في كل خطوة أو ما هو أسوأ في كل دورة إخبارية والاعتراف بأنه لا يزال أمام ليبيا الديمقراطية الجديدة سنوات عديدة حتى تقوم كدولة.

(*) نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية


رابط دائم: