من يبدأ الحرب هذا الخريف: إسرائيل ام سورية؟!
13-8-2011

سليم نصار
* كاتب وصحافي لبناني

تتناقل الاندية السياسية والإعلامية في بيروت خبر اندلاع حرب مفاجئة في المنطقة. بينما يتحدث الصحافيون عن حتمية وقوعها استناداً الى مصادر مختلفة. ما هي حقيقة هذه المصادر، ومن هي الجهة التي ستبدأ الحرب؟ المصدر الاول كان الكاتب ام جي روزنبرغ الذي نشر مقالة تحت عنوان: اسرائيل تهاجم ايران في الخريف!

واستند في توقعاته الى ما قاله روبرت باير في برنامج «موجز الخلفيات» الذي تبثه قناة «لوس انجليس». وفي هذا البرنامج المعروف ذكر باير ان اسرائيل ستضرب مفاعلات ايران النووية خلال الخريف المقبل.

وفي تقديره ان اسرائيل ستورط الولايات المتحدة في حرب ثانية بعد حرب العراق، معرضة بذلك مصالحها الحيوية وقواتها العسكرية لخطر اعتداءات متواصلة. ويعتبر باير الذي ارتكز روزنبرغ الى استنتاجاته، من أبرز عناصر وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في منطقة الشرق الاوسط. وقد نشر منذ مدة كتاباً بعنوان: «سيريانا»، احدث ضجة في العالم العربي بسبب تناوله مجريات الاحداث من زاوية المطلع على خفايا المنطقة وأسرار زعمائها. ولهذا السبب تحولت فصول الكتاب الى فيلم مثير عهد الى الممثل جورج كلوني بأداء دور البطولة فيه. وقد نال جائزة الاوسكار على ذلك الدور المشوق.

المصدر الآخر الذي اعتمده روزنبرغ كان مستنداً الى معلومات صحيفة «معاريف» التي نقلت وقائع الخلاف السياسي الذي انفجر في اسرائيل بين الحكومة من جهة وقادة اجهزة الاستخبارات من جهة اخرى. وقالت الصحيفة على لسان مخبرها بن كاسبت ان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع ايهود باراك عقدا جلسة مصارحة مع رؤساء الاجهزة الامنية من اجل توضيح الحاجة الى ضرب المفاعلات النووية الايرانية. وكان بين الحضور: مئير داغان، رئيس «الموساد»، وغابي اشكنازي، رئيس اركان الجيش، ويوفال ديسكن، رئيس منظمة «شين بيت»، وآموس يدلن، رئيس الاستخبارات العسكرية.

افتتح وزير الدفاع جلسة النقاش بعبارة محرجة قال فيها: إما الآن... وإما تأجيل هذه العملية الى الأبد. وتصدى له رئيس «الموساد» ليرد على لجاجته برسم صورة قاتمة عن احتمالات ردود فعل ايران وحلفائها في سورية ولبنان وغزة.

ثم تناول داغان الموضوع من وجهة نظر الولايات المتحدة، مؤكداً ان أي هجوم يستهدف مفاعلات ايران النووية، سيعرض المصالح الحيوية الاميركية لخطر الانتقام. وهذا ما حذر منه الرئيس باراك اوباما اثناء استقباله نتانياهو في زيارته الاولى لواشنطن.

وعاد الوزير باراك ليدافع عن موقف الحكومة، مذكراً العسكريين بأن الوضع الحالي مع ايران لا يختلف عن وضع اسرائيل عام 1981 مع العراق. يومها اتخذ مناحيم بيغن قراره بضرب المفاعل النووي العراقي. وعارضه في حينه شمعون بيريز وعازار وايزمان اللذان اعربا عن تخوفهما من تهديد صدام حسين بقصف تل ابيب.

ثم توقف باراك قليلاً ليقارن بين الماضي والحاضر ويسأل مئير داغان: لو ان بيغن اخذ بمنطق بيريز ووايزمان لكنّا سنواجه اليوم عراقاً مدججاً بالسلاح النووي!

وقاطعه اشكنازي مبيناً له ان ايران استفادت من تجربة العراق لتوزع تجاربها على عشرة مفاعلات مبنية في اماكن خفية متباعدة. ومعنى هذا ان تحديد اهداف القصف سيكون صعباً وربما خاطئاً. اضافة الى هذا، فإن عام 2011 يختلف عن عام 1981، الامر الذي يقود الى اندلاع حرب اقليمية مع مئات الصواريخ المعدّة للانطلاق من جنوب لبنان وغزة.

المهم ان النقاش الحاد لم يقنع العسكريين بأهمية تسديد ضربة استباقية وقائية لإيران. وكانت النتيجة ان صرفوا من الخدمة وسط حملات اعلامية شارك فيها الرأي العام الاسرائيلي.

وبعد مرور فترة قصيرة على ذلك الاجتماع الفاشل، وقف مئير داغان على منبر جامعة تل أبيب ليدافع عن وجهة نظره ويتهم نتانياهو بالجنون. ورد عليه رئيس الوزراء بعبارة حملت كل اتهامات التخوين والجبن، واصفاً كلامه بـ «نباح كلب مسعور»!

ولكن القرار السياسي لا يصبح مؤثراً وفاعلاً الا اذا دعمه القرار العسكري التنفيذي. وهذا ما توافر لخطة ضرب المفاعل النووي العراقي.

وبما ان العسكريين الجدد لم يوافقوا ايضاً على شن الحرب على ايران، فقد لجأ رئيس «الموساد» المعيّن حديثاً تامير فردو، الى خيار سلفه داغان. اي خيار تصفية علماء الذرة الايرانيين والإقدام على اغتيالهم. وربما توقع داغان وخلفه من وراء هذا الخيار، تأخير انتاج القنبلة النووية الى حين نضوج ثورة المعارضة بحيث تنجح في الاستيلاء على الحكم وإلغاء المشروع الذري.

آخر ضحايا هذه النظرية كان العالم رضائي درويش الذي أرداه درّاج بخمس رصاصات، ثم توارى عن الانظار في العتمة مع رفيقه. وقد نفذت عملية الاغتيال في منطقة تقع خارج طهران.

آخر السنة الماضية قتل عملاء «الموساد» في ايران عالمين من علماء الذرة هما الدكتور فريدون عباسي ومسعود علي محمدي. وتعترف حكومة احمدي نجاد بأن هذه العمليات بدأت عام 2007 مع مقتل الدكتور اردشير هوسنبور الذي كان يعمل في مفاعل اصفهان.

ولم تكن حرب التصفيات الجسدية لعلماء الذرة في ايران، هي الوسيلة الوحيدة التي استخدمتها «الموساد» بالتعاون مع «سي آي ايه»، لوقف المشروع النووي. فقد زار نتانياهو موسكو بهدف اقناع قادة روسيا بأهمية تراجعهم عن المشاركة في انتاج القنبلة الايرانية. فإلى جانب تأثيراتها الامنية في الهجرة المعاكسة من اسرائيل بسبب تهديدات الرئيس احمدي نجاد، فإن توازن القوى يحرم الدولة العبرية من هيمنتها العسكرية.

وقد عبرت واشنطن عن مخاوفها من نتائج امتلاك ايران القنبلة النووية، ومن احتمال انتشار هذا السلاح في دول المنطقة، بدءاً بمصر... مروراً بالسعودية، وليس انتهاء بدولة الامارات المتحدة.

يوم الاربعاء الماضي، اعلن الرئيس محمود احمدي نجاد ان بلاده اصبحت دولة نووية. واتهم شبكات التجسس الاجنبية بمحاولة زعزعة الامن الداخلي. وقال ان اهم انجازات حكومته خلال السنوات الماضية يتمثل في جعل ايران دولة نووية.

الديبلوماسيون في طهران فسروا اعلان نجاد بأنه محاولة سياسية لتخفيف الضغوط الخارجية على بلاده. ذلك انه اراد تطمين الدول الغربية الى ان ايران اصبحت دولة نووية تحاكي اليابان من حيث تقدمها في مجال الذرة. ولكنها مثل اليابان تملك مقومات صنع القنبلة من دون ان تصنعها بعد. اما على مستوى الامن، فقد بعث الى «الموساد» برسالة سياسية واضحة مفادها ان المفاعلات لم تعد بحاجة الى الخبراء الذين تتعقبونهم وتغتالونهم.

يبقى الجانب المتعلق بروسيا التي اعلنت انها اوقفت تعاونها النووي مع ايران. ويقال في هذا السياق، ان موسكو وعدت واشنطن بسحب خبرائها من المفاعلات الايرانية مقابل مساعدتها على وقف نشاط معارضي الشيشان داخل روسيا، قبل انتخابات الرئاسة.

منذ عام 2007 يحاول المراسلون في طهران اكتشاف المصادر الخفية التي تزود «الموساد» بالمعلومات الصحيحة حول خبراء الذرة وأماكن وجودهم. وتزعم الصحف الاسرائيلية ان منظمة «سافاك» في عهد الشاه كانت مرتعاً خصباً لـ «الموساد»، الامر الذي ترك بعض العناصر التي تعمل في الخفاء تحت مظلة الجمهورية الاسلامية.

اضافة الى هذا، فإن الجنرال الايراني علي رضا اصغري، الذي فر الى الغرب، قدم معلومات غزيرة حول هذه العناصر. كما قدم لمستشار الامن القومي ستيف هادلي (في عهد جورج بوش) أدلة قاطعة تتعلق ببناء مفاعل نووي في منطقة دير الزور السورية. وبما انه كان مكلفاً بدور المراقبة من جانب دولته ايران، فقد اعطى الاميركيين كامل تفاصيل المشروع الذي اشرف عليه خبراء من كوريا الشمالية، ومولته طهران بمبلغ بليوني دولار.

وعلى الفور بدأت الاقمار الاصطناعية الاميركية بتصوير الموقع. ولما تأكدت واشنطن من صحة المعلومات اعطت الضوء الاخضر لاسرائيل التي ارسلت طائراتها الحربية لتدميره. وبقي الأمر سراً لمدة طويلة، الى ان صدر كتاب ميخائيل زوهر ونسيم مشعال، ليكشف اسرار تلك المغامرة العسكرية تحت عنوان: «الموساد... عمليات كبرى». وزعم الكاتبان ان الاسم الشفرة لتلك العملية التي نفذتها طائرات «اف – 15»، كان «بستان الفاكهة».

بقي السؤال المتعلق بقنبلة ايران الذرية، وما اذا كان ما اعلنه الرئيس نجاد حول بلوغ بلاده مستوى الدول النووية، كافياً لرفع الحظر الاميركي عن قرار ضرب مفاعلات ايران؟!

يقول المراقبون ان نتانياهو قد يقدم على هذه المغامرة من اجل نسف الجهود الدولية الرامية الى اعتراف العالم بدولة فلسطين اثناء الاجتماع السنوي للامم المتحدة في أيلول (سبتمبر) المقبل. ولكنه في الوقت ذاته سيبقي خيار مهاجمة ايران مفتوحاً مع الحفاظ على الغموض في شأن توقيت التنفيذ. علماً ان اهتمامه بإعلان دولة فلسطين يفوق كثيراً اهتمامه بامتلاك ايران قنبلة نووية. والسبب ان الاعتراف الدولي بفلسطين – لا فرق أكان من طريق مجلس الامن ام الجمعية العامة – يشكل بداية نهاية مشروع المستوطنات التي اقيمت اصلاً لمنع قيام دولة فلسطينية متماسكة وقادرة على البقاء. وفي كتابه «مكان بين الامم»، يقسم نتانياهو بأنه لن يسمح لحزبه او لأي حزب اسرائيلي آخر بقيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة لاستيعاب المقيمين واللاجئين، لأن هذه الدولة المحشورة بين الاردن وبلاده، ستتمدد باتجاه دولة اليهود.

تقول الصحف الفرنسية والبريطانية والالمانية، ان نظام الاسد ربما يكون المستفيد الاول من اندلاع حرب في المنطقة. وقد اعرب الرئيس بشار عن اسفه امام شخصيات لبنانية، لأن جنوده لم يشاركوا في انتصار «حزب الله» عام 2006. ولكن حاجته الى الحرب اليوم تفوق حاجته الى السلام قبل خمس سنوات.

بعض المحللين يناقض هذا التوجه على اعتبار ان نصف الجيش السوري مستنفر لتنفيذ عمليات ضبط الامن ومنع التمرد داخل اكثر من خمسين مدينة وبلدة وقرية. وعليه يرى العسكريون ان من الخطأ فتح جبهة خارجية اذا كانت الجبهة الداخلية معادية او مضطربة.

المراسلون داخل سورية يتطلعون الى محاولة الانقاذ من زاوية مختلفة. ذلك ان المعالجة السياسية في نظرهم لن تثمر إلا اذا اقدم النظام على مغامرة جريئة توقف التململ الداخلي، وتحض الدول العربية على دعم سورية في حال هاجمت اسرائيل بهدف استرداد الجولان.

صحيح ان سورية قد تتعرض لضربة انتقامية موجعة توجهها اسرائيل الى منشآتها الحيوية... ولكن الصحيح ايضاً ان الضربات الداخلية المتوقعة ستكون اقسى على وحدة البلاد وتماسكها الوطني... خصوصاً ان «حزب الله» سيجد في هذا المخرج فرصة ذهبية للتخلص من تبعات المحكمة الدولية!
 

---------------------------------

(*) نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية


رابط دائم: