دعوة لـ "ردم" ثقوب القانون ونبذ التطرف
6-11-2018

د. إلهــام سيــف الدولــة حمــدان
* أستاذ العلوم اللغوية بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر

"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" ( الإسراء 85) ولم يُشر المولى عز وجل إلى كُنه هذه الروح أو ملَّتها أو صفتها أو ديانتها؛ وما إذا كانت بوذية، أم زرادشتية، أم كونفوشيوسية، أم يهودية، أم مسيحية، أم إسلامية، وهل هي سنيَّة أم شيعية، كاثوليكية، أرثوذوكسية؟! ولم يقرأ هؤلاء القتلة ــ الذين أزهقوا الأرواح في حوادث الإرهاب المقيت في بلادنا وسفكوا الدماء الطاهرة ــ آيات الله البيِّنات التي تتحدث عن الروح التي خُلقت بأمر ربها ! ولم يعبدوا رب هذا البيت العظيم وخالق الأرواح؛ بل عاثوا في الأرض فسادًا بعبادتهم للشيطان الذي ركب نفوسهم؛ فأصبحوا عميان البصر والبصيرة؛ ويعملون على خداع قطاعات الشباب عصب الأمة وعمادها؛ وإقناعهم بفلسفة الدم المُراق، في سبيل الله ـ لنيل جنات النعيم والتمتع بأحضان الحور العين والكواعب الأترابا! فأي إله تعبدون أيها الخونة المارقون والخارجين على كل الأعراف والقوانين السماوية والوضعية والحياة السويَّة ؟ إنني أحترم أعدائي الذين يعلنون عداءهم جهرًا؛ ونتكفل بهم وبدرء أخطارهم حين المواجهة الفكرية أو المسلحة! وأخشى كل الخشية ممن يعيشون بيننا في الجحور والأوكار كالأفاعي المتربصة ينفثون بأفكارهم وتوجهاتهم السم الزعاف، ويقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق؛ بأسلحةٍ هي من أموالنا وأموال الصدقات ممن يأملون التجارة الرابحة مع الله؛ والذين يُخدعون بصناديق النذور وأوهام الزكاة في "الزوايا" و"المساجد" الموجودة أسفل كل عقار في كل شارع وحارة على طول خريطة مصرنا المحروسة! إنني أهيب بالسادة المسئولين أن يبدءوا بـ "ردم" ثقوب القانون الذي يقضي بإعفاء كل مالك عقار من الضرائب والعوائد إذا كان بأسفله "زاوية للصلاة" ولا تتعدى مساحتها عشرة أمتار، في حين أن العقار يرتفع لأكثر من اثني عشر طابقًا، وبكل طابق أربع وحدات سكنية، يحصل عن كل وحدة ما يزيد على مليوني جنيه! وما يزيد الطين بلَّة هو وضع صناديق جمع التبرعات بحجَّة "الزكاة" و"إعمار الزاوية" بالكهرباء والتكييفات والسجاد الفاخر، وشراء الميكروفونات التي تصرخ ليل نهار عند كل صلاة بخلاف منابر الجمعة التي يقفز عليها دون رقيب أو حسيب ؛ عناصر الجهلاء من جماعات التخريب وبث السموم الناقعات في النفوس  لمجرد إثبات الوجود، مع عدم مراعاة المرضى وكبار السن بعد عناء ساعات العمل، والطلاب الذين يعكفون على تحصيل دروسهم. أولم يقرأ هؤلاء الأدعياء الآية الكريمة : "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا (الإسراء 110) . ومع كل هذا، فكل صاحب عقار لا يتكلف مليمًا واحدًا من جيبه العامر بنقود الغلابة الذين يأملون بتبرعاتهم - حسنة النية - في رضا الله عز وجل . وثبت بالدليل القاطع أن هذه الأموال التي تُجمع في صناديق "الزكاة الوهمية" تذهب إلى شراء السيارات الفارهة والأسلحة التي يُقتل بها الأبرياء وتراق الدماء برصاصاتها الغادرة على أسفلت الشوارع والميادين والمساجد والكنائس باسم الدين الحنيف، ويصرخ القاتل فى أثناء ارتكاب جريمته الكبرى : الله أكبر! وهنا، يجب أن نتوقف كثيرًا لنسأل أنفسنا : ما الذي جعل المعتدي، صاحب هذا الفكر المتطرف والعدائي لكل فصائل المجتمع؛ أن يصل إلى هذه الدرجة من القناعة بشرعية ما يقوم به من عدوان؟ مع الأسف .. جميعنا يعرف الإجابة، ولا نستطيع مواجهة أنفسنا بها ! ولكن "على الصاحي أن يقوم بتنبيه الغفلان" - كما يقول المثل الشعبي- فنقول : سيستمر اعتناق هذه الأفكار العدائية المتطرفة، ما دمنا تركنا فوق المنابر من يطالبون بفرض ارتداء "بخنق" على تلميذات "الابتدائي"، لنرى بأعيننا الزهرات الصغيرات وهن مختنقات في أزياء عجيبة، تمنع عنهن تنفس أكسير الحياة، ويغرس في نفوسهن أن أجسادهن عورة يجب أن تختفي عن الأنظار، ولا يعلم هؤلاء المغيبون أن هذا الإجراء القهري يثير في نفوسهن الأسئلة الحيرى: لماذا؟ ويبدأن في البحث مبكرًا عن أسرار هذا المنع .. فتكون النتجية العكسية تمامًا! فضلا عما تبثُّه الشائعات المُغرضة والممنهجة على صفحات التواصل الاجتماعي. وما ننشده الآن- حماية لحياتنا- هو إيقاف جمع التبرعات بتلك الزوايا المشبوهة لقفل صنبور التمويل، وضمان تجفيف منابع الإرهاب، مع ضرورة تقنين الإيداعات بغرض الزكاة والتجديد للمساجد عن طريق البنوك التابعة للدولة، لتقوم بدورها في الصرف على المساجد الكبرى بالأحياء، ولهذا كانت التسمية للمساجد الكبرى بالمسجد "الجامع" الذي يجمع ويجتمع به من يريد الصلاة بعيدًا عن هذه الأوكار والدكاكين التي تفرز أجيالاً من مغيبَّي العقل والفكر، وهي بعيدة كل البُعد عن المحتوى الراقي للدين الصحيح. ولا بد من التجريم بقانون لمن يقومون بجمع هذه التبرعات الوهمية، ومراقبة المسئولين الذين ينفثون سمومهم في عقول النشء للحد من تأثيرهم السلبي فى نفوسهم وعقلهم. ولهذا ينبغي أن نتمثل مغزى كلمة الرئيس في منتدى الشباب هذا العام، تعليقًا على حادث الإرهاب الأخير؛ بأن أي ضحايا لأي عمل إرهابي، فنحن نحزن على ضحاياه من المصريين دون تمييز ديني؛ فكل إنسان حرٌ في أن يعبد، أو ألا يعبُد، ليؤكد ضروة تجديد و إصلاح الفكر والخطاب الديني طريقا لنبذ الإرهاب والتطرف.


رابط دائم: