زيارة الرئيس "السيسي" للسودان: تعزيز التحالف الإستراتيجي وتدشين التكامل الاقتصادي
30-10-2018

د. منى سليمان
* باحثة فى العلوم السياسية.
اختتم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فى 25 أكتوبر 2018 زيارة للسودان استغرقت يومًا واحدًا، وعقد لقاء قمة مع نظيره السوداني عمر البشير لبحث تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين في جميع المجالات، فضلا عن مناقشة العديد من القضايا الإفريقية والعربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. كما عقدت ثلاثة اجتماعات حضرها "السيسي- البشير"، وهي  القمة الثنائية، واجتماع اللجنة العليا المشتركة الثانية، واللجنة الوزارية التي شهدت توقيع 12 اتفاقاً للتعاون المشترك بين البلدين. ولذا، تعد هذه الزيارة استثنائية، وستمثل نقلة نوعية في تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين. 
نتائج إستثنائية: 
زيارة الرئيس السيسى للخرطوم هي السادسة له منذ توليه منصبه في يونيو 2014، ويعد لقائه مع البشير هو اللقاء الرابع والعشرين بينهما فى عدد من المحافل الدولية، أبرزها اللقاء السنوى فى منظمة الوحدة الإفريقية، واللقاءات الدولية المختلفة التى عُقد آخرها على هامش مؤتمر إفريقيا والصين فى العاصمة الصينية بكين، وهو عدد من اللقاءات يعد قياسياً لم يتسن عقده لأي رئيسين آخرين، مما يؤكد حرص القيادة السياسية علي استمرار التواصل والتنسيق مع السودان، ويعكس إدراك القيادة السياسية المصرية بعمق وأهمية العلاقات بين الدولتين. واتضح ذلك من خلال نتائج زيارة السيسي السادسة للخرطوم، التى تتلخص فى:
* تنسيق سياسي: أكد الرئيسان السيسي – البشير حرصهما على استمرار التشاور والتنسيق فيما بينهما للارتقاء بالعلاقات الثنائية في كل المجالات، وجدد السيسي دعم مصر الكامل لجهود البشير لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، والتي أسفرت عن إنهاء الحرب الأهلية بجنوب السودان، فضلا عن مساعيها للتوصل لتسوية في إفريقيا الوسطى، وأكدا حرصهما على استمرار التشاور بين البلدين فيما يخص القضايا الإقليمية والدولية، لاسيما أن مصر ستتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي خلال عام 2019، وأعلنا أن إجتماع اللجنة العليا المشتركة الثالثة التي يحضرها الرئيسان ستعقد في القاهرة عام 2020. (تعقد كل عامين وقد عقدت المرة الأولى بالقاهرة فى عام 2016 بمبادرة من الرئيس السيسي، حيث يستعرض الرئيسين تطور التعاون الثنائي فى مختلف المجالات).
* تكامل اقتصادي: كشف الرئيس البشير عن قراره برفع الحظر عن استيراد المنتجات الزراعية والحيوانية المصرية، وأعلن عزمه مضاعفة التبادل التجاري بين الدولتين لمليار ونصف مليار جنيه، ورحب بضخ استثمارات زراعية مصرية في السودان. وهو ما سيوفر لمصر الموارد المائية والأراضى الخصبة للزراعة. كما شهدا الرئيسان اجتماع اللجنة العليا المشتركة، وتم توقيع عشر اتفاقيات تغطى 6 مجالات للتعاون الاقتصادى والسياسى والبنية الأساسية والنقل والتعليم والإعلام والزراعة، أهمها .. مشروع الربط الكهربائى بين البلدين الذى يصل شبكة الكهرباء الإفريقية بشبكتى مصر وأوروبا عبر شمال إفريقيا والبحر المتوسط، ومشروع ربط سكك حديد مصر بسكك حديد السودان، بما يساعد على ربط جنوب إفريقيا بشمالها،  بحيث يصبح للقارة الإفريقية امتدادها المُطل على البحر المتوسط. كما بحثت الدولتان إنشاء منطقة صناعية مصرية بالسودان على مساحة مليونى متر مربع بالقرب من الخرطوم، وإعادة تأهيل عدد من المشروعات الزراعية المشتركة لتحقيق متطلبات الأمن الغذائى للبلدين.
* وحدة الأمن القومي: أكد الرئيس السيسي أن "أمن السودان جزء لا يتجزأ من أمن مصر"، ويعد هذا التصريح الأول من رئيس مصري تجاه دولة السودان، مما يعكس أهمية توحيد الرؤى الأمنية في البلدين لتحقيق الاستقرار الداخلي فيهما، عبر مكافحة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وكذلك مكافحة شبكات التهريب بمختلف صورها، واستمرار التنسيق الأمني الخارجي في عدة ملفات ومنها .. الملف الليبي الذي يمثل تهديداً لأمن الدولتين، لاسيما في ظل استمرار سيطرة الميليشيات على إقليم فزان بجنوب ليبيا، وتأمين الحدود البرية والنهرية الممتدة بينهما، وتعزيز الأمن علي الدول المشاطئة بالبحر الأحمر. 
* تعزيز التعاون العسكري: تعقد اللجنة العسكرية المشتركة المصرية - السودانية اجتماعاتها بصفة دورية، ويحضره رئيسا أركان حرب القوات المسلحة السودانية والمصرية. وعقد الاجتماع الخامس والأخير لها في أغسطس 2018 بالخرطوم. كما يتم إيفاد ضباط سودانيين لحضور دورات تأهيل المراقبين العسكريين التي تعقد بالقاهرة باستمرار. ويدرس البلدان حاليا التعاون في مجال التصنيع الحربي، حيث تم طرح تبادل زيارات لوفود فنية في البلدين، للاطلاع المتبادل على قدرات التصنيع الحربي بالبلدين، وتحديد مطالب التعاون في مجالات الإنتاج والمنتجات والتصنيع المشترك، ومجالات البحوث والتطوير. هذا فضلا عن ضرورة تعزيز التعاون البحري العسكري بين القاهرة والخرطوم، لحفظ أمن البحر الأحمر، من خلال التنسيق المشترك، وذلك بما يحفظ مصالح البلدين، لافتا إلى أهمية تنفيذ تدريبات بحرية مشتركة، وتبادل معلومات الإنذار البحري.
 
أبعاد استراتيجية: 
علي مدى السنوات الأربع الماضية، تمكنت مصر والسودان بفضل إدراك القيادة السياسية للدولتين من تأسيس علاقات اقتصادية سياسية عسكرية قوية تعِّلي المصالح الاستراتيجية المتبادلة بينهما، بغية التصدي لأي تدخلات خارجية إقليمية أو دولية للإضرار بالأمن القومي المصري أو السوداني، عبر استنزاف الدولتين في إحداث خلافات بينهما. وهنا تنبع الأهمية الاستراتيجية لتطوير العلاقات المصرية - السودانية والارتقاء بها لمستوى التكامل الاقتصادي والتحالف الاستراتيجي، وهذه الأهمية سيكون لها أبعاد ثنائية وإقليمية ودولية تتلخص فى:  
* البعد الثنائي: أصبحت علاقات البلدين تعتمد علي  نهج أساسي مشترك لبناء علاقات جديدة تقوم على الثقة المتبادلة خلال الاجتماعات الرباعية التى تضم (وزيرى خارجية ومديرى المخابرات) فى البلدين، فى إطار توافق الإرادة السياسية للبلدين، وكذلك عقد اجتماعات اللجنة العليا المشتركة التي ترأسها القيادة السياسية بالدولتين. 
 
* البعد الإقليمي: التنسيق والتعاون بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة يعد من أهم الملفات البينية ويجب تسويته علي مبدأ "لا ضرر ولا ضرار" فى علاقات دول مصب نهر النيل، مصر والسودان، بدول الحوض، فضلاً عن توافق البلدين على ضرورة تسوية أى نزاعات إقليمية عبر الحوار، وصولاً إلى تسوية سلمية.
* البعد الإفريقي: يمثل السودان العمق الاستراتيجي الجنوبي الإفريقي لمصر، والدائرة الأولي للأمن القومي المصري، ومن الصعب أن تعزز القاهرة علاقاتها بالقارة الإفريقية، من خلال رئاسة القاهرة للاتحاد الإفريقي عام 2019 دون تعزيز علاقاتها مع الخرطوم، لأن نجاح مصر والسودان في احتواء بعض الأزمات المؤقتة بينهما، وتعزيز علاقات استراتيجية، من خلال بناء الثقة المتبادلة بين البلدين والمبادرات الإيجابية التي يطرحها دوما الرئيس السيسي يعد نموذجاً يحتذى به بين الدول في القارة الإفريقية وسيعمل التعاون بينهما على تطوير فاعلية الاتحاد الإفريقي.
* البعد الدولي: يسعى السودان للانفتاح على العالم، لاسيما الدول الأوروبية للقضاء علي آثار العقوبات الدولية التى فرضت عليه على مدى سنوات طويلة، ويمكنه أن يستفيد من الدعم المصري في ذلك، حيث سيبدأ وزير الخارجية السوداني جولة أوروبية لبحث عدد من الموضوعات أهمها الدور الإقليمي للسودان وأهمية الشراكة الأوروبية وتشمل (فرنسا، وإيطاليا، وبلجيكا، وألمانيا). كما هناك انفتاح أمريكي علي السودان بعد رفع العقوبات الدولية كما يمكن للخرطوم الاستفادة من العلاقات المصرية المتميزة مع تلك الدول.
خلاصة القول، إن زيارة الرئيس السيسي السادسة للخرطوم، قد حققت نقلة نوعية فى العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، من خلال تدشين التكامل الاقتصادي، وتعزيز التنسيق الأمني والتعاون العسكري لربط الدولتين بمصالح استراتيجية لا يمكن الإضرار بها عند وجود أى أزمة سياسية فى المستقبل. 
 

رابط دائم: