المارد الإيراني.. صناعة أمريكية (2-2)
24-10-2018

د. شيماء سراج عمارة
* دكتوراه في الاقتصاد وخبير تقييم مشروعات
تناولنا في الجزء الأول من سلسلة "المارد الإيراني.. صناعة أمريكية" الأهمية الجغرافية لدولة إيران، والخلفية التاريخية لأصل كلمة إيران، والتوجه نحو تأصيل هذا المسمى، بالإضافة إلى تحليل التركيبة السكانية التي تنوعت ما بين الفرس وكونهم الغالبية العظمى، يليهم الأتراك، ثم العرب، والأكراد، وأن المسلمين من سكان إيران تزيد نسبتهم على 99% من إجمالي السكان. كما عرضنا الخلفية السياسية للتوجه نحو التشيع، إلى أن وصلت نسبة أتباع الطائفة الشيعية إلى أكثر من 95% من مسلمي إيران، وأكدنا أن التحول إلى الشيعية كان بهدف الاختلاف عن الدولة العثمانية السنية ذات القوة العسكرية، ومن أجل خلق هوية مختلفة.
وتطرقنا إلى فكرة الحرس الثوري الإيراني، وأن إنشاءه جاء لتدعيم الطموحات التوسعية وتأكيدها، وأكدنا أن الحرس الثوري هو سلاح الدولة الإيرانية جنبا إلى جنب مع القوة البرية، والبحرية، والجوية ثم جهاز المخابرات، ليقوم بالدفاع عن الحدود الإيرانية، ويحافظ على النظام الداخلي في الوقت ذاته.
 وسنعرض بالتحليل في هذا المقال للوضع الاقتصادي في إيران، وملامح من توجهات الحرس الثوري الإيراني في المنطقة العربية، وعلاقته بكل من أمريكا وإسرائيل.
استناداً إلى دستور عام 1979، فالنظام السياسي في إيران يضم العديد من الهيئات الإدارية المترابطة بشكل معقد. أعلى سلطة في الدولة هو المرشد الأعلى، والإسلام هو الدين الرسمي، والفارسية هي اللغة الرسمية. وبالنسبة للوضع الاقتصادي الإيراني، تعد إيران قوة إقليمية، نظراً لامتلاكها احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، لتحتل المركز الثالث عالمياً في امتلاك أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي، والمركز الرابع عالمياً كأكبر احتياطي مؤكد من النفط، بعد فنزويلا، والسعودية، والعراق، إذ تقدر عائدات النفط والغاز السنوية لإيران بنحو250 مليار دولار.
 
وبالإضافة إلى المنتجات البتروكيماوية، تحتل صناعة السيارات مرتبة متقدمة كأهم القطاعات الاقتصادية في إيران، بالإضافة إلى الصناعات العسكرية، إذ تحاول إيران الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بالصّناعات العسكريّة المختلفة مثل الطائرات والصورايخ والناقلات البحرية، بالإضافة إلى مواد البناء، والمعادن والمنسوجات، خاصة السجاد الإيراني.
ويشهد الاقتصاد الإيراني حالياً موجات من الأزمات، تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع الأسعار، خاصة أسعار العقارات، وذلك نتيجة انهيار أسعار الريال الإيراني أمام الدولار الأمريكي، والذي أرجعته بعض مواقع الإنترنت إلى ضعف الاقتصاد الإيراني والمصاعب المالية في المصارف المحلية، بالإضافة إلى الطلب المتزايد على الدولار بين الإيرانيين، وهو الأمر الذي جعلها تفكر في إصدار عملة جديدة، إلا أن الامر قوبل بالرفض من البرلمان الإيراني.
 
ومن اللافت للنظر التهديدات الامريكية المتتالية لإيران، من خلال الإعلان عن ضربات عسكرية متوقعة، وتغريدات ترامب المتتالية في ذلك الشأن، والتي تنوعت ما بين التهديد بعدم استبعاد الخيار العسكري للتعامل مع إيران، وصولاً إلى المساندة بتغريدة قال فيها: "إيران كانت في طريق الانهيار، وأنقذتها الولايات المتحدة الأمريكية بالصفقة النووية التي وفّرت لها خطاً جديداً للحياة بـ150 مليار دولار". ولم يمر عام على هذا التصريح إلا وتنسحب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني، أعقبتها بسلسلة من الإجراءات الاقتصادية على إيران تمثلت في خفض صادرات إيران النفطية، إلى جانب تراجع عدد كبير من الصادرات الإيرانية غير النفطية. 
وحول العلاقة ما بين الحرس الثوري والاقتصاد الإيراني، تُشير بعض التقديرات إلى أنه يُسيطر على نحو ثلث الاقتصاد الإيراني وذلك بفضل سلسلة من الشركات التي يملكها. ووفقاً لتقديرات صحيفة لوس أنجلوس تايمز، فإن الحرس تربطه علاقات بأكثر من مئة شركة مهمة وهذا يجعله يحصل على عائدات سنوية تتجاوز 12 مليار دولار. وقد أشارت دراسة من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إلى أن الحرس الثوري الإيراني هو "العمود الفقري للسياسية الحالية، وبات لاعبا رئيسيا في الاقتصاد الإيراني." 
وبالنسبة لدور الحرس الثوري الإيراني في المنطقة العربية، نلاحظ أنه عادة ما يخوض حروبا غير متكافئة حيث يعتمد في عملياته على عدد كبير من الميليشيات والتنظيمات التي تُساعده في جعل الحرب مائلة لمصلحته. ومن المعروف عنه قيامه بتقديم مساعدات لميليشيات شيعية أخرى، بالإضافة إلى تدريب مختلف المنظمات المتشددة حول العالم. وفي الوقت الحالي، يسيطر الحرس على مضيق هرمز.
والمتتبع للأحداث، سيلاحظ وبكل وضوح المحاولات الإيرانية للتوغل في المنطقة العربية، وعدم سير تلك العلاقات على وتيرة واحدة، فتبلورت توجهات إيران منذ عام 1982 في حرب لبنان، والتي رأت الجماعات المسيحية اللبنانية أن وجود الحرس الثوري الإيراني يعد انتهاكاً للسيادة اللبنانية، وعاد الحرس الثوري ليشارك في حرب لبنان عام 2006، وكان المسئول الأول عن تدريب وتجهيز كتائب حزب الله.
وفي عام 1985، ظهرت صفقة إيران كونترا، وتعرف أيضا بفضيحة إيران جيت. ووفقاً لتلك الصفقة، اعتزمت إدارة ريجان بيع الأسلحة لإيران، والتي كانت تعدها الدولة العدو، كما كانت تمثل أمريكا الشيطان الأكبر بالنسبة للإيرانيين في تلك الفترة. ولم تكتف أمريكا ببيع الأسلحة لإيران فقط، بل امتد الأمر لاستعمال أموال الصفقة لتمويل حركات "الكونترا" المعارضة للنظام الشيوعي في نيكاراجوا.
فوفقاً لصفقة إيران جيت، عقدت إدارة الرئيس الأمريكي ريجان اتفاقاً مع إيران لتزويدها بالأسلحة بسبب حاجتها الماسة لأنواع متطورة منها فى أثناء حربها مع العراق، وبمعاونة المخابرات الإسرائيلية، والتي كان لها دور في نقل الأسلحة من إسرائيل إلى إيران. والقارئ للأحداث في تلك الفترة سيعرف أن أغلب دول العالم كانت تقف في صف العراق ضد إيران، وأهم تلك الدول وبشكل مباشر الكويت والسعودية وأمريكا. وخلال تلك الفترة، ظهرت بوادر فضيحة بيع أسلحة أمريكية لإيران "العدو"، وبالتالي لعبت أمريكا دور الخصم والحليف في الوقت ذاته في تلك الصفقة، لتخرج منها وهي الفائز الأول ببيع الأسلحة لجميع الأطراف المشاركة حول العالم.
وبدأ الحرس الثوري في تدعيم الحوثيين والميليشيات في اليمن منذ عام 1992، وهو الأمر الذي يؤثر سلباً فى استقرار الأمن في السعودية، والبحرين، والكويت والأردن. وزادت حدة تلك التوجهات عقب عام 2011، من خلال مساندة عناصر شيعية تتسبب في إحداث قلاقل في كل من البحرين، والكويت، والأردن، ولبنان، والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.
والآن، يشارك الحرس الثوري الإيراني في حرب سوريا، حيث يقوم بمساعدة وتدريب القوات السورية، فضلا عن إدارة طرق إمداد المال والسلاح من أجل توجيهه إلى لبنان المجاورة، حيث يشارك في الاقتتال، ومحاولة استرداد المدن من المعارضين في سوريا.
 
ومن خلال تتبع تلك الأحداث، يلاحظ وبكل وضوح أن العلاقة الظاهرة ما بين إيران وأمريكا هي علاقة تناحر وخصومة، (إلا أن ما خفي من علاقات تظهره بعض الأحداث التي قد تطفو على السطح، والتي تحمل في طياتها مصالح اقتصادية مؤكدة إلى أمريكا)، وذلك من خلال تجارة السلاح واستفادة الاقتصاد الأمريكي من ورائها. فما تكسبه الدول المنتجة للأسلحة لن يتحقق إلا بالمزيد من السقوط لضحايا المعارك في شتى بقاع الأرض، إذ تعد صناعة السلاح وتصدير المعدات العسكرية العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي. ووفقاً للبيانات، يتضح أن قارة آسيا هي المستورد الأكبر للأسلحة حول العالم.
إذن، فالموضوع اقتصادي من الدرجة الاولى، حيث تعمل الدول المستفيدة والراغبة في تعظيم أرباحها على اتباع العديد من الوسائل التي من شأنها ضمان استمرارية تنمية صادراتها من الأسلحة، وأهم الأدوات التي تضمن الاستمرارية والتنمية لصادرات الأسلحة هي آلة الحرب، فهي السبيل الضامن لازدهار اقتصادات تلك الدول. وكي تستمر الحرب مشتعلة، يلزمها وقود يساعد على سرعة الاشتعال ويضمن استمراريته ويرسخ الخلافات الطائفية ليكون المارد الذي تخشاه الدول المجاورة.
ونستنتج من ذلك أن العالم هو عبارة عن علاقات اقتصادية وسياسية متداخلة، (لا صديق دائم ولا عدو دائم). والأمر شديد الوضوح هو استخدام الدين كذريعة بهدف الوصول إلى الأطماع الدنيوية. وفي سبيل ذلك، يتم إشعال الكثير من الحروب، لتكون المشاركة ظاهرها نصرة الدين، ولكن في باطنها الزحف التدريجي للوصول نحو أهدافها الاستعمارية المفقودة، والمكاسب الاقتصادية المرجوة.
 

رابط دائم: