خط مستقيم : رسائل العنف في فكر الإخوان المسلمين «5»
18-10-2018

منير أديب
* كاتب صحفي، متخصص في شئون الحركات الإسلامية
منذ اللحظة الأولى لنشأة تنظيم الإخوان المسلمين وهو يسعى لامتلاك القوة وممارسة العنف، فلم تمض سوى سنوات قليلة على نشأة التنظيم في عام 1928حتى سعى مؤسسه الأول حسن البنا لإنشاء النظام الخاص، أو الذراع العسكرية له. في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي، تم تدشين هذا النظام بعد عشر سنوات من نشأة الجماعة، وتحديدًا في أواخر عام 1939 وبدايات عام 1940. ولكنه خلال هذه الفترة، كان يقوم بإعداد التنظيم الذي أنشأه كما أراد له أن يكون، وحتى يمكن تحقيق الانتقال من مربع الدعوة إلى مربع العنف بشكل سلس.
فالإخوان لم ينحرفوا عن دعوتهم التي أطلقوها في نهاية العشرينيات من القرن الماضي باستخدامهم للعنف، فقد كان العنف أحد أهم مخرجات التنظيم، ولم يكن مستجدًا على ما طرحه حسن البنا من أفكار، فقد زرع أفكار العنف في نفوس أتباعه دون جهد أو تورية، فقط قام بتوجيه الأتباع وفق ما طرحه من أفكار تشربها الإخوان.
 نجح حسن البنا في فلسفة العنف ووضع له أطرًا شرعية وتنظيمية، وحدد الذين يستخدمونه ورفع حمله عن آخرين من باب توزيع الأدوار داخل التنظيم. ولعل صنيع حسن البنا جعل أجيالًا كثيرة يختلط عليها الأمر بخصوص علاقة جماعته بالعنف، فقد اختار من يستخدم العنف من أتباعه ووقت استخدامه والطريقة التي يستخدم من خلالها هذا العنف، وحدد ملامح لهذا العنف، وهذا من ذكائه الذي حافظ على وجود هذا االتنظيم تسعين عامًا كاملة.
لم يكن قرار البنا استخدام العنف قرارًا سياسيًا ولا تنظيميًا فقط، وإنما كان قرارًا عبر عن جوهر التنظيم الوليد وفلسفته في التغيير وتصوراته للإسلام، فكان قراره بتدشين الذراع العسكرية للجماعة بعد رسالة المؤتمر الخامس في عام 1939. وهنا، يمكن القول إن قرار استخدام الجماعة وأمرائها من بعد للعنف لم يكن انحرافًا عن المنهج الذي وضعه مؤسسها الأول، كما لم يكن بدعًا في السلوك، فقد سبق أن أنشأ البنا ذراعًا عسكرية للجماعة، ومات ولم يقم بحلها بما يؤكد أهمية العنف في تحقيق الجماعة أفكارها على أرض الواقع.
قررت الجماعة إنشاء النظام الخاص في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي بهدف إشاعته، وهو مواجهة الإنجليز المحتلين في ذلك الوقت، فخرج الإنجليز ولم تكن هناك نية للجماعة في حل ذراعها العسكرية، ونجدها سلطت بنادق أعضائها إلى صدور المصريين. وعندما قامت ثورة يوليو في عام 1952 ، حافظت الجماعة على بقاء ذراعها العسكرية وهو ما يؤكد المعنى الذي ذهبنا إليه.
حسن البنا صاحب فكرة إنشاء النظام الخاص أو ميليشيا الجماعة العسكرية بحيث تعمل بالتوازي مع دور الجماعة الدعوي، ورفض مرشدو الجماعة من بعده أي عروض بحله بعد قيام ثورة يوليو في عام 1952، وتولى جمال عبد الناصر السلطة، كما كانت الجماعة تراهن على دور هذه الميليشيات العسكرية كما حدث بعد 30 يونيو من عام 2013.
ومما يدلل على أهمية الذراع العسكرية للإخوان كهدف في حد ذاتها وليست مجرد وسيلة، دعا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 15 نوفمبر من عام 1953 ، أي بعد قيام الثورة بعام، إلى عشاء في بيته لمرشد جماعة الإخوان حسن الهضيبي وأعضاء مكتب الإرشاد. ووقتها، لم تكن العلاقة بين الثورة والإخوان على ما يرام، وجرى الحديث عن النظام الخاص، وقال جمال عبد الناصر إن وجود هذا النظام هو دليل سوء نية الإخوان تجاه الثورة، وقال انه كان يفهم وجوده أيام الملك وقبل الثورة. أما الآن، فلم يعد لاستمرار وجوده سوى معنى واحد، هو أن الإخوان ينوون السوء بحكومة الثورة. ورغم ذلك، رفضت الجماعة حلّ النظام الخاص، وأبقت على تشكيلاته.
والحقيقة التي يُدركها الجميع أن الإبقاء على النظام الخاص أو نشأة ذراع عسكرية وميليشيا للجماعة هو دليل سوء نية للعالم والإنسانية ومن قبل للمصريين وللإسلام الذين ادعى الإخوان أنهم يمثلونه، وليس لحكومة الثورة فقط. فالذراع العسكرية للجماعة والأفكار التي تولدت عنها لا تزال حية بيننا، وهددت الجميع وليس مجرد حكومة خرجت من رحم نظام سياسي جديد.
نجح حسن البنا في تحديد ملامح الهيكل التنظيمي للجماعة، وقد وضع فيه الإخوان في مراتب تنظيمية، ووضع لوائح منظمة للعمل داخل الهيكل التنظيمي العام، وحدد طبيعة العلاقة بين أعضاء وقيادات التنظيم من الداخل، وقواعد التنظيم العامة، ممثلة في السواد الأعظم، سواء المختارون بعناية من خلال الكتائب، أو سواد التنظيم الذين تمتلئ بهم أُسر الجماعة، ونظم أيضًا أطرًا خاصة للنظام الخاص، ووضع تقسيمًا عاما، كان منهم إنشاء فرق الجوالة التي كانت تجوب المحافظات باستعراضاتها.
 تميل فرق الجوالة التي أنشأها حسن البنا إلى الاستعراض الرياضي والعسكري معًا، وكان أعضاؤها يتدربون على الرياضات العنيفة. فرغم حل الجماعة للجناح العسكري، ممثلًا في النظام الخاص فيما بعد، فإن الجماعة ظلت متمسكة بوجود فرق الجوالة، ولكنها كانت في إطار أضيق مما كانت عليه وقت المؤسس الأول حسن البنا، قبل أن يُقتل، وكانت الهوة تتسع وتضيق حسب الظروف الأمنية فيما يتعلق بنشاط هذه الفرق.
 كانت الجماعة تستغل ساحات الجامعات لهذه التدريبات حتى تُعطيها بُعدًا رسميًا، فيخرج الشاب مدربًا ولديه الاستعداد والطاقة دون أن يكلف التنظيم في الخارج عناء بذل مجهود في هذا الجانب، ويوضع فيما يمكن أن نسميه ـ «الاحتياط» لحين الحاجة إليه في عمل عسكري من قبل التنظيم. ومن ثم، ليس مستغربًا أن تبذل الجماعة مجهودًا في التدريب والتواصل مع قواعدها من السواد الأعظم بعد أن تختار منهم نخبة لهذه التدريبات ثم تحيلهم للاحتياط. ولعلها كانت تستخدم بعض هؤلاء في بعض الأعمال العنيفة في المظاهرات، والتي يتوقع فيها استخدام العنف ككسر الأبواب، أو الاعتداء على الخصوم، أو مواجهة أجهزة الأمن، وهذا ما يمكن أن نسميه بذور العنف التي ولدها التنظيم لدى أعضائها، أو جعل لديهم استعدادًا لهذا العنف بصوره المختلفة.
 

رابط دائم: