المارد الإيراني.. صناعة أمريكية (1-2)
18-10-2018

د. شيماء سراج عمارة
* دكتوراه في الاقتصاد وخبير تقييم مشروعات
تقع إيران في غرب آسيا، وهي ثاني كبرى الدول بالشرق الأوسط من حيث عدد السكان بعد مصر بإجمالي 81 مليون نسمة، وثاني أكبر بلدان الشرق الأوسط مساحة بعد السعودية بمساحة تبلغ 1.6 مليون كم مربع. وتتميز إيران بموقع جيوسياسي يجعلها نقطة التقاء لثلاثة مجالات آسيوية غرب آسيا ووسطها وجنوبها، يحدها من الشمال أرمينيا وأذربيجان، وتركمانستان، ويحدها من الشرق أفغانستان وباكستان، ومن الجنوب الخليج العربي وخليج عمان، ومن الغرب العراق، ومن الشمال الغربي تركيا.
يعني اسم إيران بالفارسية القديمة أرض الآريين، وقبل ذلك عرفت ببلاد فارس، ويستخدم كل من "فارس" و"إيران" بشكل متبادل في السياقات الثقافية، إلا أن "إيران" هو الاسم الذي يستخدم في السياقات السياسية رسميا. وحول تغيير مسمى دولة فارس إلى دولة إيران، تباينت الآراء، فهناك من يقول إن سبب التسمية جاء توافقا مع تصاعد النزعة القومية الآرية، التي تبناها الفكر النازي، وأن سبب التسمية بإيعاز من أدولف هتلر، وألمانيا النازية بدوافع عرقية، واعتمد هذا الرأي إلى تكوين ألمانيا لتحالف يضم إيران كقوة تنتمي إلى الجنس الآري، وتعنى بالأفغانية النبلاء.
فيما رأى آخرون أن الآرية جزء من الهوية الفارسية، وهو الرأي الأقرب إلى الدقة، وفي عام 1935، أعاد شاه إيران، رضا بهلوي، تسمية بلاده من فارس إلى إيران، كما طالب الدول الغربية باستخدام المصطلح الجديد.
وتشتمل إيران على أقوام عديدة هي الفرس وتصل نسبتهم إلى 63% من إجمالي سكان إيران، ثم الأتراك وتصل نسبتهم إلى 20%، ويشكل العرب نحو 8%، والأكراد نحو 6%، والباقي 3% طوائف أخرى، ويدين 99.5% من الإيرانيين بالإسلام، ثم تأتي ديانات أخرى مثل البهائية، واليهودية، والزردشتية، والمسيحية بنسب محدودة، وتتبع أغلبية كبيرة من السكان المذهب الشيعي، إذ تصل نسبتهم إلى 95% من إجمالي المسلمين في إيران، حيث تم الإعلان عن أن إيران معقل الشيعة في العالم عام 1502، وذلك بعد إعلان الشاه إسماعيل الصفوي تمرده على المذهب السني عام 1501م، واجباره لمن يتبع المذهب السني على اتباع المذهب الشيعي، ليأتي أصحاب المذهب السني الآن في المرتبة الثانية من إجمالي سكان إيران، بعدما تم تحويل الغالبية إلى المذهب الشيعي. 
وهدف إسماعيل الصفوي من التحول إلي المذهب الشيعي هو أن تكون إيران الصفوية مختلفة عن الدولة العثمانية السنية ذات القوة العسكرية القوية التي تحدها في الغرب. فالصراع الطويل بين إيران والإمبراطورية العثمانية، والحروب العديدة التي دارت بينهما جعل إسماعيل الأول أكثر إصرارا على خلق هوية مختلفة، بالإضافة إلى خشيته من تكوين طابور خامس من السنة الذين سيتعاونون مع العثمانيين، وهو الأمر الذي سيحد من طموحه التوسعي. فالتحويل للتشيع كان جزءا من عملية استعادة أراضي الإمبراطورية الفارسية التي امتدت شرقاً وغرباً، والسعي نحو بناء أراض من شأن سكانها الإخلاص والولاء للدولة الإيرانية ومؤسساتها، وبالتالي تمكين الدولة ومؤسساتها من نشر حكمهم في جميع أنحاء الأراضي.
وتأكيداً على تلك الطموحات التاريخية الإسلامية ظاهرياً، والسياسية جوهرياً، تم تكوين الحرس الثوري الإيراني عام 1979، بأمر من آية الله الخميني، ويُعرف اختصارا باسم الحرس الثوري أو حرس الثورة الإسلامية. والحرس الثوري هو سلاح الدولة الإيرانية، جنبا إلى جنب مع القوة البرية، والبحرية، والجوية، ثم جهاز المخابرات. ففي حين يقوم جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالدفاع عن الحدود الإيرانية، فإن الحرس الثوري يقوم بحماية نظام الجمهورية الإسلامية في الداخل والخارج، وذلك وفقا للدستور الإيراني، فيمنع التدخل الأجنبي من الخارج، بالإضافة إلى منع الانقلابات العسكرية أو الحركات المتطرفة في الداخل، ويهدف الحرس الثوري في الوقت الحالي إلى تطوير قواته البحرية من أجل السيطرة على الخليج العربي.
وعادة ما يخوض الحرس الثوري الإيراني حروبا غير متكافئة، حيث يعتمد في عملياته على عدد كبير من الميليشيات والتنظيمات التي تُساعده في جعل الحرب تميل لمصلحته. في الوقت الراهن، يُسيطر الحرس على مضيق هرمز، ومن المعروف عنه قيامه بتقديم مساعدات لميليشيات شيعية أخرى، بالإضافة إلى تدريب مختلف المنظمات المتشددة حول العالم، مثل قيامه ببعض عمليات المقاومة، خاصة في بعض الدول العربية، مثل سوريا، والعراق، واليمن، وتدعيمها لكل من ميليشيات حزب الله وحماس.
وفي تقرير أصدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عام 2007، أشار إلى أن القوة العسكرية للحرس الثورى الإيراني تفوق الـ 125 ألف جندي دون حساب أعداد الأفراد المتطوعين، والذين قدر عددهم بنحو 100 ألف متطوع جاهزين لأي نوع من الحروب.
ويتضح من ذلك العرض التاريخي أن إيران تسعى إلى استعادة حلم الإمبرطورية الفارسية، واتخاذها للدين ذريعة، بهدف الوصول إلى أطماعها السياسية، وفي سبيل ذلك تشارك في الكثير من الحروب، وتكون مشاركتها ظاهرها نصرة الدين، ولكن في باطنها الزحف التدريجي للوصول نحو أهدافها الاستعمارية المفقودة. فالراسخ في وجدان قادة إيران هو عقيدتهم التاريخية، تلك العقيدة هي التي تدفعهم نحو إعادة إحياء أمجاد الإمبراطورية الفارسية، والهيمنة المطلقة على منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، ليعيدوا أمجاد الإمبراطورية الفارسية قبل الفتح الإسلامي، والتي سقطت على يد الخليفة الثانى للمسلمين، عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. 
هذا الأمر يجعلنا نتساءل عن الدور الحقيقي لإيران، هل هو فعلاً لنصرة المستضعفين من الدول الإسلامية، مثل سوريا والعراق كما يعلنون؟ أم أن هناك أهدافا متضاربة قد تلوح في الأفق تظهر واضحة من خلال دعمها للحوثيين في اليمن، ومحاولات زعزعة الأمن في السعودية، وإنشاء وتشكيل خلايا إرهابية مسلحة في عدد من دول المنطقة؟. 
هذا الأمر بدوره ينقلنا إلى أهمية تحليل توجهات إيران في المنطقة العربية، وأبعاد علاقاتها مع كلٍ من إسرائيل وأمريكا، ودور الاقتصاد الإيراني في دعم تلك التوجهات، وهو ما سيتم تناوله في المقال القادم بإذن الله.
 

رابط دائم: