خط مستقيم : رسائل العنف في فكر الإخوان المسلمين «4»
14-10-2018

منير أديب
* كاتب صحفي، متخصص في شئون الحركات الإسلامية
حلقات العنف الديني في مصر متصلة، كانت بدايتها مع تنظيم الإخوان المسلمين الذي وضع حجر الأساس لهذا العنف مرتين، إحداهما عندما أنشأ النظام الخاص وذراعه العسكرية في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي وأوائل الأربعينيات، وثانيتهما عندما فلسف أفكار العنف وأعطاها طابعًا شرعيًا حتى أخذت جميع التنظيمات التي أتت من بعده من المعين نفسه.
تنظيم «الإخوان» لم يكتف بطرح أفكار العنف في الفضاء، وإنما ساعد على قيام تنظيمات العنف الديني الأكثر تطرفًا في العالم، وفي مقدمتها تنظيما قاعدة الجهاد، وما يُسمى الدولة الإسلامية «داعش». فليس بعيدًا مساعدة «الجماعة» لزعيم تنظيم القاعدة د. أيمن الظواهري في السفر لأفغانستان، والالتحاق بركب «الجهاد» ومن قبل الدور الذي لعبه د. كمال السنانيري، عضو مكتب الإرشاد، وعبد الله عزام، أحد قيادات الجماعة في أفغانستان، وما بينهما من أدوار نلقي عليها الضوء.
عرض تنظيم الإخوان المسلمين على زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري السفر لباكستان من خلال إحدى الجمعيات التابعة للجماعة تحت لافتة مساعدة الجرحى الأفغان، وكان ذلك خلال الاقتحام السوفيتي لأفغانستان. وهنا، كانت بداية «الظواهري» الحقيقية كما حكي في كتابة «فرسان تحت راية النبي» حتى أصبح زعيمًا لتنظيم «قاعدة الجهاد» الذي تشكل منه تنظيم «الدولة الإسلامية» فيما بعد.
  لاحظ أن «الظواهري» كان يعمل في أحد المستشفيات التي يشرف عليها «التنظيم» في القاهرة، وهو الذي قام بتسفيره لباكستان ومنها لأفغانستان، ولو لم يعرض عليه «التنظيم» ذلك، لما سافر وما أصبح زعيمًا للقاعدة، مع العلم بأن «الظواهري» كان يعبر عن أفكاره «الجهادية» في هذا الوقت. وفي المرحلة الجامعية، كان انتماؤه معلوما للقاصي والداني.
يقول صاحب «الفرسان»: «بدأت صلتي بأفغانستان في صيف عام 1980م بترتيب قدري، حينما كنت أعمل بصفة مؤقتة مكان أحد زملائي في مستوصف السيدة زينب التابع للجمعية الطبيّة الإسلامية، وهي أحد أنشطة الإخوان المسلمين. ففي إحدى الليالي، كلمني مدير المستوصف، وهو من الإخوان المسلمين، عن رأيى في السفر لباكستان للعمل في المساعدة الجراحية للمهاجرين الأفغان، فوافقت على الفور، إذ وجدت في هذا العرض فرصة ذهبية للتعرف على ميدان من ميادين الجهاد التي يمكن أن تكون رافدًا وقاعدة للجهاد في مصر والعالم العربي، قلب العالم الإسلامي، حيث تدور معركة الإسلام السياسية بين المسلمين ورءوس الحملة الصليبية الجديدة، أمريكا واليهود وحكام العرب المنفذين لسياساتهما».
وضع تنظيم الإخوان المسلمين اللبنات الأولى للحركة الجهادية من خلال سفر «الظواهري» ودعم «المجاهدين» بمقاتلين ينتمون للجماعة ومحبيهم، حتى تصدّر تنظيم قاعدة الجهاد للجهاد في أفغانستان وبقى «الجماعة» داعما ومحركا أساسيا للتنظيم، فضلًا عن تأصيل أفكار العنف وبث الروح فيها.
كما أنتج تنظيم الإخوان المسلمين ميليشيات مسلحة، كانت جزءًا من تركيبته الفكرية التي صدرها للعالم. توافق «التنظيم» مع هذه الميليشيات من الناحية التنظيمية. ومرات، كان التوافق من الناحية الفكرية فقط، فكانت هذه الميلشيات نتاج أفكار التنظيم. 
أولى هذه الميليشيات المجموعات المقاتلة تنظيم «الفنية العسكرية» الذي تكون في منتصف السبعينيات من القرن الماضي على يد صالح سرية الذي تواصل مع السيدة زينب الغزالي، من قيادات الجماعة، ومرشدها حسن الهضيبي. حاول هؤلاء الشباب وكان أغلبهم ينتمي للإخوان المسلمين مقاومة السلطة بالعنف حتى باتوا ملهمين لغيرهم، وكان التأسيس الثاني لحركة العنف في الثمانينيات من القرن الماضي.
وعن جماعة الفنية العسكرية، وصلة هؤلاء الشباب بتنظيم الإخوان المسلمين، يقول زعيم تنظيم القاعدة  «الظواهري»: «بدأ تكوّن مجموعة الفنية العسكرية بوصول الشهيد، كما نحسبه، صالح سرية إلى مصر، وبدأ الاتصال برموز الإخوان من أمثال السيدة زينب الغزالي، والأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله، ونشط في تكوين مجموعات من الشباب، وحثهم على وجوب التصدي للنظام الحاكم المعادي للإسلام في مصر».
ومما يؤكد علاقة التشابك بين تنظيم الإخوان المسلمين وكل جماعات العنف، أن محمد عبد السلام فرج، صاحب كتاب «الفريضة الغائبة الجهاد في سبيل الله»، وأحد المؤسسين للتيار الجهادي في مصر، كان إحدى ثمرات الأفكار التي ولدت على خلفية قضية الفنية العسكرية، التي بدأت صلتها بتنظيم الإخوان المسلمين عند النشأة، كما أسلفنا الذكر، فتربى «فرج» على أفكار الشباب الذين شكلوا تنظيم «الفنية العسكرية» والذي يُعد أول انقلاب عسكري إسلامي في العصر الحديث.
ويستطرد «الظواهري»: وبعد عدة سنوات، حاول بعض من خرج من السجن من تنظيم الفنية العسكرية إحياء التنظيم مرتين، انتهت المحاولة الأولى بالقبض على المجموعة في سنة 1977م، وانتهت المحاولة الثانية بالقبض على الشباب «المجاهد» في سنة 1979م نتيجة وجود مرشد للمباحث بينهم. وكان «الشهيد»، كما نحسبه، محمد عبد السلام فرج، صاحب كتاب «الفريضة الغائبة»، من الذين لم يقبض عليهم من المجموعة الثانية، وبدأ رحمه الله في الحركة النشطة في القاهرة والجيزة وشمال مصر.
استغل «الظواهري» مناسبة سفرة لرعاية مصابي الأفغان من الحرب في تكوين قاعدة الجهاد، وعبّر عن ذلك بقوله: «لذلك جاءت هذه الدعوة للمشاركة في العمل الطبي للمهاجرين الأفغان إليّ على قدر، ووافقت رغبة جادة في التعرف على الميادين المناسبة لإقامة قاعدة آمنة لاستمرار العمل الجهادي في مصر، خاصة في عهد أنور السادات، حينما ظهرت ملامح الحملة الصليبية الجديدة واضحة لكل ذي رأي، بادية لكل مهتم بشؤون أمته».
ويؤكد ما ذهب إليه «الظواهري» سفر أحد قيادات الإخوان المسلمين في ذلك الوقت، كمال السنانيري. فعلى الرغم من علاقته بالإخوان، فقد كان إحدى البصمات المهمة في العمل الجهادي بأفغانستان في ذلك الوقت.
يُعبر «الظواهري» عن ذلك قائلًا: وكان قد سبقنا إلى بيشاور الأستاذ كمال السنانيري، رحمه الله، وكانت بصماته تسبقنا حيثما نذهب. فالمستشفى الذي بدأنا العمل فيه كان هو الرائد في إنشائه، وقادة المجاهدين الذين قابلناهم كانوا يحدثوننا عن مساعدته لهم وعن مجهوده في التوحيد بينهم.
ويشير إلى أن هناك نوعين من القيادة داخل الإخوان، أحدهما علني، قد لا تكون له علاقة بالجهاد، وأعضاؤه سابقون في العمل المسلح، فقد كان ترتيب الإخوان المسلمين عجيبًا. القيادة الظاهرة كان يمثلها المرشد العام الثالث، عمر التلمساني، أمام الناس والنظام. أما القيادة الحقيقية، فقد كانت في يد مجموعة النظام الخاص من أمثال مصطفى مشهور، والدكتور أحمد الملط، رحمه الله، والأستاذ كمال السنانيري، رحمه الله.
اعتراف «الظواهري» بخصوص حقيقة «الإخوان» بتنظيم العمل المسلح في مصر، وأن لها قيادتين، إحداهما سرية، وأخرى علنية. القيادة العلنية معنية بالعمل العام، والقيادة السرية معنية بالعمل المسلح. هذه القيادة هي من دفعت به وبغيره لساحات الوغى، هذه القيادة أيضًا هي الوجه الحقيقي للتنظيم، وهو ما قطع الشك والريبة بخصوص علاقة «التنظيم» بالعنف.
 

رابط دائم: