خط مستقيم : رسائل العنف في فكر الإخوان المسلمين «3»
20-9-2018

منير أديب
* كاتب صحفي، متخصص في شئون الحركات الإسلامية
برر تنظيم الإخوان في أدبياته المروية الأسباب التي دفعتها لتدشين النظام الخاص له وذراعه العسكرية، وصدرّت ضمن هذه المبررات أن الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وأن محركه الأساسي للقتال هو سقوط الخلافة الإسلامية! فصنع غطاءً شرعيًا على أهدافه السياسية، وهنا وجد «التنظيم» أهمية في الحفاظ على ما يراه فريضة، ووجد مبررًا لاستخدامه العنف المسلح، من خلال القيام بمستلزمات هذا الجهاد.
نصب تنظيم الإخوان نفسه قائمًا على عودة الخلافة الإسلامية بعد سقوطها في عام 1924، وربط بين نشأته في عام 1928 وسقوط هذه الإمبراطورية العثمانية، وأن الفاصل الزمني بينهما بضع سنين، أي أنه نشأ في الأساس لعودة الخلافة «الساقطة». وهو يرى منطقيًا أن هناك مسارًا واحدًا ووحيدًا لعودة هذه الخلافة، من وجهة نظر التنظيم طبعًا، وهو القتال في سبيل الله، فقام بتدشين الذراع العسكرية لهذا السبب، فقيام «التنظيم» مرتبط في الأساس بفكرة عودة الخلافة وهذه العودة مرتبطة بطبيعة الحال باستدعاء مفاهيم «الجهاد» و«القتال».
يرى التنظيم أن الأئمة الأربعة (أبا حنيفة، ومالكا، والشافعي، وابن حنبل)، وغيرهم على مر العقود السالفة اجتهدوا في مسائل فقهية كثيرة، كثير منها خضع للعقل، والبعض خضع للتخيل، غير أنهم لم يتصوروا ضمن المسائل المتخيلة سقوط الخلافة الإسلامية، ولم يضعوا تصورًا للإجابة عن هذه المسائل في كتب الفقه، وهنا يطرح «التنظيم» نفسه امتدادًا لهؤلاء الفقهاء، وهنا نرى أن تنظيم «الإخوان» استخدم العنف لتحقيق هدفه «السياسي»، وليس الديني، فانفصل وفصل نفسه عن أي خيوط قد تربطه بالأئمة الأربعة أو غيرهم ممن أثروا الفقه والثقافة الإسلامية.
لم يُمارس التنظيم العنف بمفرده في الفضاء، وإنما كان ملهمًا لكل الجماعات والتنظيمات الدينية التي أتت بعده، وعمل على تأصيل أفكار العنف من خلال طرحه الفكري ممثلًا في كتّابه، وأبرزهم سيد قطب، ومن خلال تطبيقاته العملية، عندما دشن النظام الخاص أو الذراع العسكرية له بعد عشر سنوات من نشأته، وقد كان أول تحول بشري بخلفية إسلامية للعنف في العصر الحديث، تبعه جماعات وتنظيمات كانت تحتذي برؤية «التنظيم» وسلوكه في ممارسة العنف.
ما يؤكد أن الفكرة الأساسية للعنف تولدت بطرح حسن البنا لأفكاره قبل تسعين عامًا، والتي دعا من خلالها إلى إعلان الحرب على كل من لا يستجيب لدعوته، كما أنه قام بتسمية هذه الحرب خصومة لا سلم فيها ولا هوادة، هذا الطرح لا يزال التنظيم متمسكًا به ويدعو إليه.
دعا حسن البنا إلى ممارسة العنف في رسائله، حيث قال: «وسنتوجه بدعوتنا إلى المسئولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وأحزابه، وسندعوهم إلى مناهجنا، ونضع بين أيديهم برنامجنا، وسنطالبهم بأن يسيروا بهذا البلد المسلم، بل زعيم الأقطار الإسلامية، في طريق الإسلام في جرأة لا تردد معها، وفي وضوح لا لبس فيه، ومن غير مواربة أو مداورة، فإن الوقت لا يتسع للمداورات، فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة والروغان وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجده، سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين».
تتضح خطورة حسن البنا بنجاحه في إثارة حالة من اللغط على أفكاره المطروحة، حيث وضع الناس بين خطابين كل منهما يناقض الآخر، وطرح أفكاراً متباينة يمكن قراءتها من زوايا متعددة، وهو ما دفع البسطاء للإيمان بدعوته، والانبهار ببريقها، وهو ما جعل «المنتمون» أيضًا يستدعون من تراثه ما شاءوا، ويطبقون منه أيضًا ما شاءوا، فنجحوا في التعمية على البسطاء الذين شكلوا الهيكل التنظيمي للجماعة.
وللتدليل على الفكرة السابقة، نرى أن د. أيمن الظواهري، زعيم تنظيم قاعدة الجهاد، اعترف قبل ذلك بأن قادة «التنظيم» كانوا ملهمين لأفكار العنف، وضرب مثالًا لذلك في كتابه «فرسان تحت راية النبي» بعضو مكتب إرشاد التنظيم ومسئول التربية فيه سيد قطب.
يقول «الظواهري» في سياق الحديث عن بدايات العمل المسلح في مصر ومبرراته، التي تمثل انعكاساً حقيقياً لأفكار سيد قطب، وعبر عنها قائلًا: «وذلك الطريق الذي كان للأستاذ سيد قطب، رحمة الله، دور كبير في توجيه الشباب المسلم إليه في النصف الثاني من القرن العشرين في مصر خاصة، والمنطقة العربية عامة. فباستشهاد سيد قطب، رحمه الله، اكتسبت كلماته بُعدًا لم تكتسبه كثير من كلمات غيره، فقد أصبحت هذه الكلمات، التي سطرت بدماء صاحبها، في نظر الشباب المسلم معالم طريق مجيد طويل، واتضح للشباب مدى فزع النظام الناصري وحلفائه الشيوعيين من دعوة الأستاذ سيد قطب إلى التوحيد».
يدل هذا على حضور العنف في أفكار «التنظيم»، كما يؤكد أنه كان ملهمًا لغيره في ممارسة العنف على مدار الأزمنة التي تجاوزت العقود التسعة، وارتباط هذا العنف بأفكار المؤسس الأول للتنظيم حسن البنا، وأنه جرى عليها تطورًا في عهود تالية كان سيد قطب أحد شخوصها.
 

رابط دائم: