خط مستقيم : رسائل العنف في فكر الإخوان المسلمين «2»
13-9-2018

منير أديب
* كاتب صحفي، متخصص في شئون الحركات الإسلامية
 
نجح قادة تنظيم الإخوان المسلمين في تشكيل عدة خلايا مسلحة فور عزل «التنظيم» عن السلطة على خلفية ثورة 30 يونيو من عام 2013، من خلال استدعاء الأفكار التي حوتها المناهج التربوية التي وضعها قادة «التنظيم» للأتباع. هذه الأفكار شكلت وجدان جميع «الإخوان»، وأسست للعنف الذي مارسته على مدى تسعين عامًا من النشأة، ثم قامت بتوظيفه. وهنا، نقرأ علاقة الإخوان الحقيقية بالعنف المبنية على قراءة المستجدات السياسية، واختيار الوقت والزمان لممارسته.
 
«الإخوان» مارسوا العنف ووفروا لممارسته حواضن بيئية بغطاء شرعي، حتى أنتجوا عشرات التنظيمات الدينية اللاحقة عليهم على مدى العقود الماضية. تبنت هذه التنظيمات نفس رؤى «الإخوان» للعنف، من هذه التنظيمات من تطابقت رؤاها مع «الإخوان» ومنها من تأثر حتى تنوعت درجة هذا التأثير من تنظيم لآخر.
 
من هذه التنظيمات التي تأثرت بجماعة الإخوان المسلمين منْ مارس العنف بشكل علني، ومنها من ربط الممارسة برد الفعل ومستجدات الواقع الذي تحدده هذه التنظيمات إطارًا لاستخدامها. فسبقت جماعة الإخوان المسلمين لاستخدام العنف ودفعت غيرها من التنظيمات لتبني رؤيتها في هذا الاستخدام بحكم قدمها في النشأة على كل هذه التنظيمات، ولأنها كانت أسبق في التنظير الشرعي والفقهي لاستخدام العنف أيضًا.
 
خطورة جماعة «الإخوان» أنها ساعدت على تسميم المناخ وتغذية مفهوم العنف لكل من أتى بعدها من تنظيمات الإسلام السياسي، ليس على مستوى ممارستها للعنف ولا درجة استخدامها له، ولكنها صنعت ما هو أصعب من ذلك عندما وفّرت بيئة للعنف وأتاحت من خلال ذلك مناخًا ملائمًا لممارسته في كل زمان ومكان، فمارست كل التنظيمات التي أتت من بعدها العنف بصورة أو بأخرى داخل القطر المصري وخارجه، وكانت هناك درجة من درجات التأثير من «الإخوان» في كل تنظيمات الإسلام السياسي يلحظها المراقب والمتخصص.
 
أفكار العنف متأصلة داخل البناء المعرفي والفكري لأطروحات المؤسس الأول حسن البنا التي أخذها «الإخوان» بنفس قراءتها وبعثوا فيها الحياة، واعتبروا فهمها والعمل من خلالها شرطًا من شروط عضوية «التنظيم». وهنا، يمكن فهم مقولة:«إن الإخوان جميعًا على فكر واحد»، وبالتالي جميعًا لديهم بذور العنف، قد تكون ظاهرة على البعض وقد تختفي عند البعض الآخر ولكنها تظل كامنة، فلا يمكن ترقى عضو التنظيم ولا نيل عضويته إلا إذا أدرك«التنظيم» تشربه لكل أفكار حسن البنا حتى وإن بدا أنه من فصيل «الحمائم» أو من «الإصلاحيين»، فجميع «الإخوان» أقسموا على فكره واحدة آمن بها الجميع وتحمل في جذورها أفكار العنف.
 
تكتشف عند قراءة أفكار «الإخوان» أنها لم تتجه لاستخدام العنف منذ اللحظة الأولى، ولم تستعجل هذا الاستخدام إلا عندما شعرت بقوتها. فرغم أن الجماعة نشأت في عام 1928، فإن الجناح العسكري لم يتم تدشينه إلا في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي وتحديدًا في عام 1938، أي بعد 10 سنوات كاملة من وضع حجر أساس «التنظيم»، تزامنًا مع رسالة حسن البنا للمؤتمر الخامس، وهنا تفرق الجماعة بين الفكرة وتطبيقها من خلال الفاصل الزمني واختيار الوقت المناسب لذلك.
 
وما يؤكد حضور فكرة العنف في أفكار حسن البنا ما قاله في رسالة المؤتمر الخامس،: «يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ويلى ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدها قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوافر لها هذه المعاني جميعاً، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهى مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان، فسيكون مصيرها الفناء والهلاك». وهنا ربط «البنا» استخدام القوة بضرورة أن يكون «التنظيم» قويا حتى يكون لاستخدامها نتيجة وتحقق الأثر المطلوب منها. وقد عدّ الباحثون رسالة المؤتمر الخامس إذنا باستخدام قوة الساعد والسلاح كما جاء في نص رسالته لأتباعه، وتم تشكيل النظام الخاص على خلفيته، وكان ذلك بعد 10 سنوات من نشأة التنظيم.
 
وهنا لابد ألا نربط وصف بعض تنظيمات الإسلام السياسي بالعنيفة لمجرد استخدامها لهذا العنف فقط ونتغاضى عن أخرى لم تستخدم العنف بعد أو أجلت استخدامه؛ فبعض هذه الجماعات لا تستخدم العنف ولكنها تؤجل هذا الاستخدام للوقت للمناسب الذي تشعر فيه بالقوة كما حدث مع «الإخوان» بعيدًا عن تفسيرها لمبرر هذا الاستخدام.
 
 في الماضي، بررت جماعة الإخوان المسلمين نشأة «النظام الخاص» الذراع العسكرية لــ «التنظيم» بمقاومة الإنجليز رغم أنها نفذت أغلب عملياتها المسلحة ضد المصريين أنفسهم، والنسخة الجديدة من «النظام الخاص» في العصر الحديث كانت من خلال تدشين بعض الميليشيات المسلحة مثل «سواعد مصر.. حسم» و «لواء الثورة» رغم عدم وجود إنجليز أو احتلال لمواجهتهم، فقط واجهت المصريين بالرصاص. وهنا نتذكر كلام مرشد الإخوان الأسبق محمد المأمون الهضيبي عندما قال،: إننا كنا نتعبد إلى الله بممارسات النظام الخاص أو الذراع العسكرية للجماعة!
 
وهنا لابد أن تخضع تنظيمات الإسلام السياسي للقراءة الفكرية، وألا يقتصر ذلك على القراءة الأمنية فحسب، ولابد أن تكون المواجهة الفكرية في المقدمة ضمانًا لتفكيك أفكارها. والاعتقاد بأن تفكيك خلايا «الإخوان» يضمن القضاء على أفكارهم اعتقاد غير دقيق، لأن الأفكار سوف تظل تتكاثر ولن نصل لنتيجة.
 
كل تنظيمات الإسلام السياسي المؤدلجة تستخدم العنف بصورة أو بأخرى و«الإخوان» في مقدمة هذه التنظيمات، بل تظل جماعة الإخوان المعلم الأول لهذه التنظيمات والمحرك الفكري لتوجهاتها والمصدر الأول لقادتها وأمرائها.
 
خلاصة القول بخصوص تنظيمات الإسلام السياسي إن جميعها يستخدم العنف بصورة أو بأخرى بحكم قراءتها غير المنضبطة للنصوص الدينية. وهذه القناعة مرتبطة بكل تنظيمات الإسلام السياسي. ومهما يكن ورع أمرائها وقادتها، فلن يمنع ذلك من استخدامها للعنف. وما دام تم توظيف الإسلام لخدمة أغراض سياسية لم يأت لها فحسب، فسوف يتم توظيفه لخدمة هذه الأغراض بالعنف، مهما يمن ورع القائمين عليها كما أكدنا ذلك.
 
 
 
 
 

رابط دائم: