العسكر والإخوان:| رؤية مراكز الأبحاث الأمريكية لمستقبل مصر بعد الثورة
2-8-2011

مروة عبد العزيز
* باحثة في العلوم السياسية

استحوذت ثورة الخامس والعشرين من يناير التي حدثت في مصر- والتي أدت إلى تنحي الرئيس (السابق) مبارك عن الحكم  وتفويضه المجلس العسكري لإدارة شئون البلاد - على اهتمام العالم كله، خاصة صانعي القرار في الولايات المتحدة، باعتبار أن مصر هى الدولة المحورية في الشرق الأوسط والحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة.

وقد أدت أحداث الثورة وما نتج عنها إلى قيام واشنطن بمراقبة ما يحدث في مصر بحذر شديد لاحتمال تأثير ذلك فى مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط؛ وكان ذلك الحذر واضحا في تعليق الإدارة الأمريكية على أحداث الثورة منذ البداية وتصرف الحكومة المصرية إزاءها، فكانت التصريحات متذبذبة بين تأكيد أن النظام المصري " مستقر"، وسيعمل جاهدا على تحقيق مطالب المتظاهرين – وهذا ما قالته وزيرة الخارجية "هيلاري كلينتون" - وكذلك تصريحات نائب الرئيس "جو بايدن" بأن الرئيس مبارك "ليس ديكتاتورا" ، وبين تصريحات أوباما بأن عملية نقل السلطة في مصر يجب أن تتم في أسرع وقت، وتصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض بأن مبارك عليه الرحيل" الآن" .

ولكن مراقبة الأحداث لا تقتصر على صانعي القرار الرسميين؛ وإنما تستحوذ على اهتمام مراكز الأبحاث بكافة أطيافها، وبالتالي ستعرض الدراسة رؤى مراكز الأبحاث لثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر وتقييمها لها ولتعامل النظام المصري مع مطالب المتظاهرين، وشكل الحياة السياسية في مصر بعد مبارك، وتأثير ذلك فى مصالح الولايات المتحدة وعلاقتها بحليفتها مصر. وستركز الدراسة على ثلاثة من أهم مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة وهى معهد " أمريكان انتربرايز"، ومعهد "بروكنجز" ، ومعهد " واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"؛ وذلك من خلال عرض ما قدمه  مجموعة من خبراء هذه المراكز من تحليلات ودراسات.

أولا: تحليل أحداث الثورة وكيفية تعامل نظام مبارك معها:

بالنسبة لمعهد أمريكان إنتبرايز، الذي يعبر عن تيار المحافظين الجدد، قام خبراؤه بانتقاد موقف الإدارة الأمريكية من الأحداث في مصر، وترددها في اتخاذ موقف حاسم من نظام مبارك الذي تعامل مع الثورة المصرية بأساليب قمعية. وأكد باحثو المعهد، وعلى رأسهم بول وولوفويتز- من أهم صقور المحافظين الجدد ونائب وزير الدفاع في إدارة بوش-  في دراسة له بعنوان

“The U.S has missed a Historic Opportunity”

ضرورة قيام واشنطن بمراجعة سياستها لدعم النظم الديكتاتورية في المنطقة. ويقول "وولفويتز" إن إدارة بوش كان لديها بعد نظر في المناداة بتغيير استراتيجية الولايات المتحدة من دعم الأنظمة الديكتاتورية إلى مساندة المطالبات بالحرية والديمقراطية، وتأكد بعد هذه النظرة من خلال اندلاع الثورتين التونسية والمصرية. وانتقد " وولوفويتز" إدارة أوباما لعدم اهتمامها بمساندة ودعم المطالبة بالحرية في العالم العربي والشرق الأوسط، والاهتمام بشكل كبير بتصدير القوة الناعمة للولايات عن دعم الديمقراطية  . ويرى وولوفويتز أنه لا يمكن الرجوع إلى سياسات الماضي؛ وأن إدارة أوباما أمامها فرصة ذهبية لاستغلال ماحدث في مصر وتونس لمواجهة أي نشاط للجماعات الإسلامية، ومساندة مطالب الثوار بإقامة دولة ديمقراطية مدنية .

كذلك، انتقد"مايكل روبين" - الباحث بمعهد أمريكان إنتربرايز- تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية عن تقييمها للموقف في مصر، ويرى " روبين" أن ما يحدث في مصر هو فرصة ذهبية لإدارة أوباما لاستعادة دور الولايات المتحدة، باعتبارها المدافع والحامي الأول للحريات في العالم. كما يؤكد روبين ضرورة تخلى إدارة " اوباما" عن دعم النظام المصري الديكتاتوري، ولا يتم التعلل بعلاقة التحالف الموجودة بين البلدين؛ فمصر لم تعد الحليف الأقوى للولايات المتحدة في المنطقة، فقد كان هناك بعض التعارض في كثير من الأحيان بين مصالح البلدين .  ثم قدم خبراء " معهد أمريكان إنتربرايز" لإدارة أوباما مجموعة من التوصيات لدعم الديمقراطية والحريات المدنية في مصر:

1- تقديم بيان يدعم مطالب المتظاهرين.

2- حث الحكومة المصرية على سرعة إنهاء الإجراءات التعسفية لقمع المطالبين بالحرية، خاصة الإجراءات المتعلقة  بقطع وسائل الإتصالات والانترنت.

3- مضاعفة المعونات الخارجية الخاصة بدعم الديمقراطية في مصر.

4- إعادة النظر في المعونة الاقتصادية التي تقدمها الولايات المتحدة للحكومة المصرية والتي تقدر بـ 100 مليون دولار.

5- تطوير عمل الدبلوماسية الأمريكية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط .


أما معهد "بروكنجز"، فلم يختلف في تحليلاته كثيرا عما قدمه معهد "أمريكان إنتربرايز" فقدم خبراؤه انتقادا لتصريحات الإدارة الأمريكية بالنسبة لتعاملها مع الموقف منذ البداية؛ كما عملوا على تحليل الموقف في مصر وتونس، وعقد مقارنة لما حدث بين البلدين. فيرى باحثو بروكنجز ، ومنهم إبراهيم شريقه Ibrahim Sharqieh  نائب مدير مركز بروكنجز في الدوحة الذي قدم مقالة تحليلية بعنوان”What Secretary Clinton Does Not Recognize About Egypt’s Anti-Regime Protests” ، أن هناك تشابها كبيرا جدا في الظروف التي أدت إلى اندلاع الثورة في كلتا الدولتين؛ فكلا الشعبين لم يقتنعا بوعود رئيسيهما  لمطالبهما، وكلاهما أطاح بالنظم الحاكمة فيه .

ويؤكد "شادي حامد "Shady Hamid – مدير الأبحاث في مركز بروكنجز بالدوحة- في مقالته"” What the Protesters Want in Egypt أن ما حدث في تونس من ازدياد نفوذ قوى المعارضة الليبرالية ليس بالضرورة أن يحدث في مصر بالدرجة نفسها، فلابد من تجميع صفوف المعارضة، والحد من نفوذ الإخوان المسلمين . كما أكد خبراء "بروكنجز" الآخرون– ومنهم شبلي تلحمي – أنه  يتعين على الإدارة الأمريكية مراجعة سياستها في المنطقة، ومساندة المطالبين بالحرية حتى ضمان كسب شعبيتها في العالم العربي .

ثانيا: الرؤية الأمريكية لدور الإخوان المسلمين بعد مبارك:

     توقع " مايكل روبينMichael Rubin " - خبير معهد أمريكان إنتربرايز- سيناريوهين لمستقبل مصر بعد مبارك، يتمثل الأول في وجود حكومة انتقالية تدير شئون البلاد، حتى يتم إجراء انتخابات رئاسية، واختيار رئيس جديد لمصر.

أما السيناريو الآخر – وهو سيناريو مقلق لواشنطن- فمفاده تعاظم نفوذ الإخوان المسلمين في الحياة السياسية في مصر، مما سيهدد عملية الإنتقال إلى الديمقراطية –حسب قول مايكل روبين-  وبالتالي يجب على الولايات مواجهة تمدد نفوذ الإسلاميين في مصر، حتى لا يتكرر سيناريو الثورة الإيرانية .

وفي دراسة أخرى للباحث Chris Harnisch بعنوان”Fears of Muslim Brotherhood Take Over of Egypt Over are overblown” ، تؤكد ضرورة أن تتحرك الولايات المتحدة لدعم الديمقراطية دون المبالغة في الخوف من ازدياد نفوذ الإخوان المسلمين. ويشدد الباحث على أن نظام مبارك هو الذي جعل من الإخوان " فزاعة" لتخويف الغرب والولايات المتحدة من تعاظم نفوذ الإسلاميين، إذا تم الأخذ بخطوات التحول الديمقراطي في مصر. ولقد ثبت زيف هذه الصورة ، فالإخوان المسلمون ليسوا قوة "راديكالية" تستخدم العنف، ولا ترتبط  بصلات وثيقة مع القاعدة؛ ولكنها حركة إسلامية معتدلة لها أهداف سياسية واجتماعية، ومعظم الجيل الشاب من أعضاء الجماعة  يتبنون الديمقراطية بمعناها الغربي، ويرحبون بالتعاون مع الولايات المتحدة  .

ويرى الباحث أن احتمال تصاعد نجم الإخوان بعد انهيار نظام مبارك ضعيف؛ ولكن هذا سيجبر الولايات المتحدة على تطوير خطط طارئة للتعامل مع الوضع الجديد. ويفسر الباحث ضعف احتمال تصاعد نفوذ الإخوان المسلمين في المرحلة المقبلة، لأن الشباب الذين قاموا بالثورة لا يرغبون في إقامة حكومة إسلامية راديكالية كرغبتهم في إزاحة الحكم الديكتاتوري. ويختتم الباحث دراسته بتقديم توصياته لإدارة أوباما بأن تقدم وزارة الخارجية الأمريكية دعما لإنشاء حكومة انتقالية في مصر من خلال هيئة المعونة الأمريكية، والمعهد الديمقراطي القومي، والمعهد الجمهوري الدولي. ويرى الباحث أن هذه فرصة للولايات المتحدة للعب دور لتغيير الأوضاع السائدة في الشرق الأوسط لضمان وجود أنظمة في المنطقة تحترم الديمقراطية، وتحارب الفساد، وتحقق الازدهار الاقتصادي، وتضمن مصالح الولايات المتحدة .

ويرى وولوفويتز أن مستقبل مصر سيكون أفضل بالتحول نحو الديمقراطية؛ وبالتالي على الولايات المتحدة مساندة هذا التحول ودعمه، حتى وإن كانت مجريات الأحداث هناك بعيدة عن سيطرة الولايات المتحدة، وذلك حتى تحافظ على علاقتها بمصر  .

في حين ركز خبراء " معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" على دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة في حماية التجربة الديمقراطية في مصر؛ فيقول كل من "ديفيد بلوك"، و"دينا جرجس"، خبيري معهد واشطن لدراسات الشرق الأدنى أن مهمة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة المرحلة الانتقالية في مصر، وبعد أن حاز على الثقة المطلوبة من قبل الشعب ، تتلخص في العمل على البدء في إصلاح دستوري يمهد لإجراء انتحابات تشريعية ورئاسية تنقل مصر إلى عهد الديمقراطية.

وأكد الباحثان ضرورة أن تكون ثقة الشعب في الجيش غير مشروطة أو محددة، " إذا انحرف "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" نحو اتخاذ قرارات غامضة قد تعكس مسار التحول الديمقراطي في مصر ."  وينتقد الباحثان طريقة إدارة القوات المسلحة للأمور، خاصة فيما يتعلق بعدم تقديم تفاصيل عن بعض الإجراءات المهمة الواجب اتخاذها، أو التي تم اتخاذها. فبشكل عام، يعد ميل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" إلى تقديم تفاصيل قليلة عن المسائل الحساسة سبباً للقلق.

فلم يقدم "المجلس" أية تعهدات لإعادة هيكلة قوات الأمن الداخلية في مصر بصورة جذرية. وبغض النظر عن إجراء مناقشات قليلة حول السماح بتسجيل الناخبين الذين يحملون بطاقات هوية وطنية، لم يعط "المجلس" دلالة تُذكر حول تعديل قوانين مصر الانتخابية، التي حدَّت بشكل كبير من القاعدة الانتخابية، وفضّلت إلى حد كبير النظام الحاكم وجماعة «الإخوان المسلمين» فقط.

وفي الواقع، نفذ "المجلس" بعضاً من أهم قراراته بشكل غامض، مما أدى إلى إثارة انتقادات من قبل المجتمع المدني المصري. كما أن حوار  "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" مع مختلف قوى المعارضة كان تحكمياً على أحسن تقدير، مما خلق انقسامات بين المعارضة المجزأة بالفعل في البلاد.

ولذا فمن الأهمية بمكان أن تقبل الولايات المتحدة الرغبة الجماهيرية المصرية في حماية مبادئ ثورة الشعب، ويشمل ذلك كلاا من الشفافية والمشاركة في عملية نقل السلطة، فضلاً عن تجنب أي اندفاع نحو قيام انتخابات مزورة أخرى. كما أن اليقظة واستمرار المشاركة المدنية المكثفة سيكونان مطلوبين، لتجنب أي انزلاق نحو شكل مختلف من الاستبداد الديني أو العسكري  أو كليهما" .

وفي نهاية الدراسة، أوصى الباحثان الإدارة الأمريكية بأن تبتعد عن التدخل في الشأن المصري بشكل مباشر، وتترك للمصريين تقرير مصيرهم السياسي بأنفسهم؛ مع الحذر من ازدياد نفوذ الإخوان في الحياة السياسية المصرية، وما يمثله من خطر وتهديدات على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة؛ خاصة إذا جاءت توجهاتهم معادية للولايات المتحدة وإسرائيل، وتسعى لإلغاء معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية.

كما يرى الباحثان ضرورة قيام الإدارة الأمريكية – ولو بصورة سرية- بالاستمرار في " تشجيع الهيئة العسكرية المصرية على دعم انتقال -حقيقي ومدروس – نحو تشكيل حكومة ديمقراطية مدنية بصورة تامة، وهذا يعني عدم الاندفاع بصورة مستعجلة لإجراء انتخابات مبكرة، والقيام بتغييرات دستورية بالجملة أو بصورة متسرعة، وعدم تسليم السلطة خلال فترة يطول أمدها، أو مقتطعة من الزمن اللازم لتحضيرها.

وإلى جانب قيامها بتقديم المساعدة الاقتصادية الطارئة، ينبغي على الولايات المتحدة أن تبدأ بسرعة بتقديم المشورة الهادئة والمساعدة الفنية - يُفضل أن يكون ذلك من خلال المنظمات غير الحكومية المخصصة لهذا الغرض - من أجل دعم تماسك حياة سياسية مصرية ذات ديمقراطية وتعددية حقيقية ."

وبالنسبة لشادي حامد - الباحث في بروكنجز– يرى في دراسته المعنونة باسم يجب أن نخاف من الإخوان المسلمين” Should We Fear from the Muslim Brotherhood?” أن السبب في الخوف من الإخوان المسلمين وسيطرتهم على الحياة السياسية، عقب نهاية حكم مبارك، هو الخوف من تكرار السيناريو الإيراني.

كما يرى حامد أن هناك صراعا داخل الولايات المتحدة بين الأفكار والمصالح، بين الديمقراطية ونتائجها، أو مايسمى " بالمعضلة الإسلامية"،  التى تتمثل فى أن الديمقراطية قد تأتي بالإسلاميين كما جاءت نتيجة الانتخابات البرلمانية في فلسطين بحركة حماس.

ويتحدث شادي حامد عن رؤية جماعة الإخوان المسلمين للسياسة الداخلية والخارجية، فهم يتبنون مفهوم تداول السلطة، والسيادة الشعبية، واستقلال القضاء؛ فهم يجردون برنامجهم السياسي من المضمون الإسلامي التقليدي الخاص بتطبيق الشريعة الإسلامية، واستبدلوا به مفاهيم عامة أو" غامضة" خاصة بترويج القيم الإسلامية.

ويرى الباحث أن الخطاب السياسي للإخوان المسلمين قد تحول من تفضيل قيام دولة إسلامية إلى قيام دولة ديمقراطية مدنية مع مرجعية إسلامية؛ ولكنهم – أي الإخوان- لا يعدون  قوة ليبرالية، لأنهم يتبنون أفكارا لا ترتاح لها واشنطن ، ومع ذلك يبقى الرأي الأول والأخير للناخب المصري.

وهناك تخوفات أمريكية من توجهات الإخوان المسلمين في السياسة الخارجية  التي قد تعادي إسرائيل  والولايات المتحدة، مما قد تؤدي إلى إلغاء معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية. ولكن شادي حامد يرى أن الإخوان يعلمون أن معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية هي بمثابة خط أحمر في العلاقات المصرية – الأمريكية، وأن أي حكومة انتقالية ستأتي في مصر ستحاول الحفاظ على المصالح المصرية وعلاقتها بالولايات المتحدة .

كما يقول حامد إنه يمكن للولايات المتحدة  الحد من المد الإخواني، وتجنب سيطرتهم على الحياة السياسية في مصر، من خلال مساعدة الحكومة المصرية في تسهيل بناء مؤسسات سياسية قوية تحد من سلطة الرئيس المنتخب؛ مع ضرورة فتح حوار جوهري مع الإخوان المسلمين، خاصة التيارات الإصلاحية، حتى تكون هناك فرصة أمام المسئولين الأمريكيين للتواصل مع القادة الإسلاميين. ويتوقع شادي حامد أن دور الإخوان في المرحلة القادمة سيقتصر على التركيز على الشئون الداخلية، وتقوية نشاط الجماعة الاجتماعي والتربوي ، وتقوية بنائها السياسي.  

وفي استطلاع رأي أجرته صحيفة الواشنطن بوست عن مستقبل النظام السياسي في مصر ، أكد شادي حامد أن ملامح الفترة الانتقالية في مصر غير مرتبة بسبب عدم الاستقرار على تكوين حكومة ائتلافية وطنية تضم كل الأطياف السياسية ؛ وبضمان من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وإعادة هيكلة النظام السياسي المصري. وبالتالي على الولايات المتحدة وحلفائها  الغربيين دعم القوى المعارضة المصرية للوصول لشكل أمثل للنظام السياسي.

ويقترح شادي حامد توجيه المعونة المقدمة لمصر لدعم الديمقراطية؛ كما يوصي إدارة أوباما بتوطيد علاقتها بالقوات المسلحة المصرية، واستخدام المعونة العسكرية كأداة  لمساعدتها على القيام بالمهمة الموكلة إليها، أو كأدة للتأثير إذا لم تقم بهذه المهمة كما ينبغي .

ثالثا: تأثير الثورة على سياسة الولايات المتحدة:

  سنركز في هذا القسم على التصور الذي قدمه " روبرت ساتلوف" – مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى – عن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط  عقب الثورة المصرية ، وذلك من خلال الشهادة التي أدلى بها أمام لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، ضمن جلسة استماع بعنوان "التطورات الأخيرة في مصر ولبنان.. الدلالات المترتبة على سياسة الولايات المتحدة وعلى الحلفاء في الشرق الأوسط الكبير" في 9 فبراير 2011  .

 وقدم من خلال هذه الشهادة مجموعة من الأفكار كتوصيات تأخذ بها الإدارة الأمريكية لتقوية شراكاتها مع دول أخرى في المنطقة، بعد انهيار العلاقة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، إثر ما يحدث في مصر من ثورة أطاحت بنظام مبارك، حليف واشنطن الرئيسي في المنطقة. ومن هذه التوصيات:

- تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، للدور الحاسم الذي تلعبه العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية في دعم المصالح الأمنية الأمريكية في جميع أنحاء المنطقة، إذ ينبغي- وفقا لهذه التوصيات- على زعماء كلتا الدولتين أن يبدأوا مشاورات فورية حول  تعزيز هذه الشراكة مادياً ومعنوياً.

- تدعيم الشراكة مع دول الخليج العربي، فعلى الولايات المتحدة أن تجد طرقاً متنوعة لإبراز التزامها المستمر بأمن واستقرار دول الخليج والدول العربية، بما فيها العراق، وهذا يشمل إبراز القوة العسكرية - ولكن ليس محصوراً عليها-  والقيام بزيارات رفيعة المستوى وإجراء نقاشات ثنائية وإقليمية حول المسائل الأمنية.

- كما ينبغي على واشنطن أن تجد سبلا، ربما بالاتفاق مع الدول العربية المنتجة للنفط، لتقوية الحكومة الأردنية، من خلال تعيين الملك عبد الله لحكومة جديدة  تجدد التزامها للشعب الأردني بدفع وتيرة الإصلاح السياسي إلى الأمام، وتخفيف الاضطرابات الاقتصادية التي تعانيها  البلاد حالياً".  

كما يقدم توصيات مهمة لصياغة منهج أكثر قوة لتحقيق عملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، فيؤكد ساتلوف أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، خاصة في مصر وتونس، كشفت عن غياب التقدم في مسار السلام الفلسطيني – الإسرائيلي ؛ مع ازدياد المخاوف الإسرائيلية من تأثير ما يحدث في المنطقة، خاصة في الدول  المرتبطة بمعاهدة سلام مع تل أبيب مثل مصر والأردن،  فى العلاقات معها ، وكذلك التأثير فى مسار السلام الفلسطيني – الإسرائيلي. وبالتالي، فيجدر بإدارة أوباما أن تُولي اهتماماً أكبر للحاجة إلى استثمار كبير في بناء المؤسسات  الفلسطينية الديمقراطية الذي يأخذ مجراه الآن في الضفة الغربية، وتقويتها لضمان نجاح مفاوضات السلام مع إسرائيل .

وفي الوقت نفسه، ينبغي على المسئولين الأمريكيين أن يتفمهوا القلق الإسرائيلي تماماً من الأحداث في القاهرة، وسينتظرون على الأرجح انجلاء المشهد السياسي المصري لتقييم تأثير التغييرات في تلك البلاد فى العوامل التي تؤثر فى الأمن الإسرائيلي، مثل العلاقات مع "حماس"، والأمن في سيناء، وأمن حدود غزة، ونقل الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب. وبالتالي، هناك أولوية قصوى لإدارة أوباما للعمل مع تل أبيب لإزالة هذه المخاوف .

نخلص مما سبق إلى أهمية  التغيير الذي حدث في مصر، وآثاره الكبيرة على المصالح الأمريكية في المنطقة، مع تفهم القلق الأمريكي من هذا التغير والخوف من وجود نظام سياسي "راديكالي" يضرب العلاقة الاستراتيجية بين مصر والولايات عرض الحائط، ولا يحقق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، مع تشديد خبراء المراكز البحثية  على ضرورة أن يعود الدور الأمريكي لدعم الديمقراطية في المنطقة، والبعد عن دعم الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط. ويمكن أن نوجز أهم ما تم استنتاجه من عرض هذه التحليلات فيما يلى:

1- إصرار كل من المراكز اليمينية المحافظة أو التي تعبر عن تيار الوسط كـ– بروكنجز- على استعادة الدور الأمريكي في المنطقة لدعم الديمقراطية.

2- تباين مواقف خبراء هذه المراكز من الإخوان المسلمين في المرحلة السياسية المقبلة في مصر. ففي حين تبالغ المراكز اليمينية في تصوير خطر سيطرة الإخوان المسلمين على الحياة السياسية، والخوف من تكرار النموذج الإيراني في المنطقة، يتعامل محللو معهد بروكنجز مع هذه الظاهرة بشكل معتدل، حيث يوصون إدارة أوباما بفتح حوار مع القوى المعتدلة منها، ومع القوى الليبرالية للمعارضة.

3- من أفكار خبراء هذه المراكز – يمينية ووسطية – في مجموعة من القضايا: استخدام المعونة المقدمة للولايات المتحدة كأداة لدعم الديمقراطية في مصر، وبناء جسور التعاون مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعدم التدخل المباشر لدعم الديمقراطية في مصر، وترك الأمر للمصريين لتحديد مصيرهم بأنفسهم.
4- الاتفاق على إعادة صياغة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

 وفي النهاية، يجب أن تكون الرؤى التي قدمتها هذه المراكز محل اهتمام كبير جدا من القائمين على عملية صنع القرار في مصر، وكذلك من قبل المحللين السياسيين لمعرفة كيفية صياغة العلاقات مع الولايات المتحدة في الفترة القادمة؛ ومعرفة ما الذي يدور في عقل خبرائها – خاصة المراكز التي تعبر عن توجهات المحافظين الجدد- والتي تضع مصلحة الولايات المتحدة وأمن إسرائيل في المقام الأول.


رابط دائم: