خط مستقيم : رسائل العنف في فكر الإخوان المسلمين «1»
6-9-2018

منير أديب
* كاتب صحفي، متخصص في شئون الحركات الإسلامية
حركة الإخوان المسلمون من أهم تنظيمات الإسلام السياسي التي عكست أفكار العنف في العصر الحديث، ومنها استقت كل الجماعات الدينية فيما بعد أفكارها، فكل أمراء التنظيمات المسلحة خرجوا من نبتة «الإخوان» التي زرعها المؤسس الأول حسن البنا قبل تسعين عامًا.
أفكار حسن البنا ورسائله وجدت مسارًا للتطبيق في حياته وليست بعد مماته، فأنشأ النظام الخاص «الذراع العسكرية» للجماعة في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي، ومات المؤسس الأول ولم يقم بحل الذراع العسكرية ولم يأخذ أي خطوات يمكن أن نلمح منها نيته في الرجوع عن عسكرة التنظيم بعد عشر سنوات من النشأة. 
وهنا دلالتان لا تخفيان على القارئ الكريم. الدلالة الأولى أن أفكار العنف التي طرحها «البنا» لم تكن مجرد أفكار وإنما وجدت مجالها للتطبيق في حياته بتدشين النظام الخاص. فمنذ اللحظة الأولى، أصبحت لهذه الأفكار أرجلٌ تمشي بها على الأرض. والدلالة الثانية هى موت «صاحب الرسائل» دون أن يأخذ قرارًا بحل القوة العسكرية التي أنشأها، وهو أبلغ رد على من يدعون أن العمليات التي نفذها النظام الخاص لم تكن على رغبة مرشد الجماعة، حسن البنا.
ومن ذكاء «البنا» أنه فصل بين التنظيم الأم وما نشأ عنه من حركات مسلحة. صحيح أن الكل استقى من المعين نفسه، ولكنه نجح في التعمية على الفكرة أولًا ثم تسويقها ثانيًا بعيدًا عن الدماء التي سالت فيما بعد على يد الذراع العسكرية للجماعة، ثم وصف من قاموا بممارسة العنف بأنهم ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين ليقدم نفسه من جديد للمجتمع محاولًا نشر فكرته.
الإخوان المسلمون أقدم التنظيمات الدينية التي نشأ على هامشها كل تنظيمات العنف والتطرف والتمرد على مدى سنوات النشأة منذ مارس عام 1928 بدءًا من جماعة المسلمين والمعروفة إعلاميًا بجماعة «التكفير والهجرة» ومرورًا بالجماعة الإسلامية و «الشوقيين»، وانتهاءً بجماعة الجهاد الإسلامي وتنظيم قاعدة الجهاد وتنظيم ما يُمسى بالدولة الإسلامية «داعش» وحتى سقوط حكم الإخوان في مصر من عام 2013.
كل هذه التنظيمات خرجت من رحم واحدة وجمعتها عباءة فقهية واحده أيضًا، وظفت النصوص الدينية لصالح مشروع العنف تحت مسميات القتال والجهاد في سبيل الله. وهنا، كان دور الإخوان المسلمين واضحًا في تأسيس وتأصيل مفهوم العنف على مستوى الفكرة والتطبيق معًا.
أبو بكر البغدادي وأسامة بن لادن وشكري مصطفى أبناء شرعيون لتنظيم الإخوان المسلمين تربوا على موائده الفكرية واستقوا مناهجهم من رسائل حسن البنا ومناهج «الجماعة» التربوية التي صاغها «الإخوان» حديثًا ولكنها أخذت من نبع «التنظيم» ومؤسسية الأوائل.
يعترف د. يوسف القرضاوي، الأب الروحي لتنظيم الإخوان المسلمين، بأنّ أبا بكر البغدادي، الملقب بخليفة المسلمين «داعش» ابن حركة الإخوان المسلمين، ولكنه استعجل الطريق «حسب تعبير القرضاوي». قضى «البغدادي» حياته داخل تنظيم «الإخوان المسلمين» حتى شارك في تدشين تنظيم «داعش» الأكثر عنفًا وتطرفًا.
يعترف د. أيمن الظواهري، زعيم تنظيم قاعدة الجهاد، بأن أميره السابق، أسامة بن لادن، زعيم التنظيم ذاته قبل أن يتبوأ «الظواهري» المنصب على خلفية مقتل «بن لادن» في عملية للقوات الأمريكية في عام 2011. قال الظواهري: «إن أسامة بن لادن كان من الإخوان المسلمين ولكنه كان من المطرودين حتى نفر للجهاد»، وهذا يدل على صلة النسب المعرفية والفقهية لأمراء العنف بجماعة الإخوان المسلمين.
المتدبر للطريقة التي سافر بها د. أيمن الظواهري لأفغانستان حتى أصبح زعيمًا هو الآخر لتنظيم قاعدة الجهاد خلفًا لأسامة بن لادن، يدرك أن «الإخوان» كانوا الجسر الذي سافر من خلاله لأفغانستان بواسطة «الجمعية الطبية» التي أنشأها د. أحمد الملط، نائب المرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين، وهو ما أشار إليه «الظواهري» في كتابه «فرسان تحت راية النبي»، وهنا يمكن أن نشير لعلاقة عضوية وسعت «الظواهري» واحتضنته حتى سافر لأفغانستان وتربى على يد عبد الله عزام، أحد قادة الإخوان المتأفغنة. 
شكري مصطفى، أمير جماعة المسلمين، إحدى ثمرات التربية داخل حقل الإخوان المسلمين، حتى خرج منها قادة وأمراء العنف، فهؤلاء شرعنوا العمل المسلح وفلسفوا استخدامه نظريًا وتطبيقيًا. سجن الرجل في قضية اتهم على خلفيتها بالانضمام للإخوان المسلمين، ولكنه منها شكل تنظيمه الذي أصبح نواة لعشرات التنظيمات العنيفة فيما بعد.
لا يمكن أن نقول إن جماعة الإخوان المسلمين مرت بعدة تحولات أدت لاستخدامها العنف، فالعنف فكرة نشأ عليها «التنظيم» ومارسها قديمًا من خلال النظام الخاص أو من خلال الميلشيات التي خرجت من رحم «التنظيم» مثل حركة «سواعد مصر.. حسم»، و «لواء الثورة»، و«المقاومة الشعبية» وغيرها من التنظيمات المسلحة. فالجماعة لم تعدم تطبيق هذه الأفكار، كما أنها كانت مسئولة عن تصدير أمراء العنف وقادته الذين ملئوا الدنيا دينًا ونارًا.
تنظيم الإخوان المسلمين نجح في خداع المجتمع، فقدم نفسه بأكثر من صورة ما بين صورة «جهادية» وأخرى «دعوية»، وكان من أهم هذه الصور الشكل «الدعوي» الذي صدره «التنظيم» للنّاس، على أنه جماعة تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، بينما كان يقدم «التنظيم» المنهج الحركي للنصوص الدينية بشكل مختلف عزز من استخدام العنف ودفع أتباعه لممارسته في النطاق الذي كان يحدده.
كانت جماعة الإخوان المسلمين بمنزلة المنبر الذي يتجمع عنده الأتباع والحواريون، ومنها يخرج هؤلاء لتنظيمات العنف والتطرف التي لا تستطيع أن تمارس دعوة علنية وغير قادرة على التجنيد وسط العمل العسكري. فأفكار «الجماعة» كانت وسطًا بين أفكار «الجهاد» ووسطًا بين تطبيقها حتى تقوم باستكمال حلقات العنف التي أنشأتها، فتنجح في تطبيق مشروع الدولة من خلال دعم أذرعها العسكرية. ودليل ذلك دعم كل تنظيمات العنف والتطرف لتنظيم الإخوان في مصر عندما وصلوا للسلطة، وموقفهم من السلطة التي خرجت من رحم ثورة 30 يونيو عام 2013 لمجرد أنها قامت على أنقاض «الإخوان المسلمين».
 

رابط دائم: