باب المندب والحوثيون .. والأمن القومي الخليجي
12-8-2018

جميل عفيفي
* مدير تحرير جريدة الأهرام
تزداد المخاوف الدولية بعد محاولة الحوثيين الاعتداء على ناقلة النفط السعودية في مضيق باب المندب، مما ترتب عليه تعليق السعودية لنقل البترول عن طريق الخط الملاحي لباب المندب، ومن بعدها دولة الكويت. وعلى الرغم من عودة المملكة في قرارها، وإعادة نقل البترول عن طريق المجرى الملاحي في البحر الأحمر، فإن الاعتداء أظهر مخاوف العديد من الدول التي تقوم باستخدام باب المندب، وهو الأمر الذي يهدد بالتالى الملاحة في قناة السويس. 
 ولكن الأمر ليس بتلك السهولة أن تهدد جماعة الحوثي الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، فغالبا ما نستبق الأحداث ويحلل البعض المواقف على أسس غير صحيحة، هذا ربما عين ما نعيشه فى الوقت الحالي. فمثلا قضية الحوثيين وسيطرتهم على أجزاء من  اليمن، خرج علينا البعض مؤكدين أنه تهديد واضح وصريح للحركة الملاحية فى البحر الأحمر.
 وسيكون تأثير ذلك سلبيا على مصر، لاسيما عند مضيق باب المندب، وكأن الحركة فى البحار والمحيطات لا تحكمها قوانين دولية للملاحة، ولا يمكن لأى دولة مهما تكن قوتها أن تمنع الملاحة فى المياه الدولية اذا كانت السفن لا تحمل شحنة تهدد بها الأمن القومى للبلاد أو إذا تجاوزت المياه الدولية ودخلت الى المياه الاقتصادية للدولة أو الإقليمية. ففى 10 أكتوبر 1982 تم توقيع اتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحر، وقد كانت تلك الاتفاقية حصيلة جهود أكثر من 14 عاما لـ (150) دولــــــــة مثلت جميع أجزاء العالم، وكانت غاية تلك الدول الحصـــــول على نظام اقتصادى دولى متكافئ يحكم البحار والمحيطات، وقد تجسـدت ثمرة جهودها فى هذه الاتفاقية.
لقد وضعت الاتفاقية إطارا شاملا لتنظيم فضاء المحيط، وهى مقسمة إلى (17) جزءا وتسعة ملاحق وتحتوى على 320 بنداً تشتمل على نصوص تخص الموضوعات الأساسية.
ومن أهم ما جاء فى الاتفاقية سلامة السفن خلال المرور البرى فى المحيطات والبحار، ولا يجوز لأى دولة إعاقة إبحار السفن إلا فى حالات معينة تم تحديدها.
ولكن البعض يؤكد أن إيران ستسيطر على المجرى الملاحى للبحر الأحمر، فكيف لإيران أن تسيطر أو حتى اليمن على هذا المجرى الملاحى، وهل سيتم خرق القوانين الدولية؟ وهل ستتحمل اليمن العقوبات التى ستصدر ضدها فى حال إعاقة حركة الملاحة فى أهم شريان مائى فى العالم؟.
يقيس البعض ما فعلته القوات البحرية المصرية خلال حرب اكتوبر المجيدة عام 73، عندما تم إغلاق باب المندب، ولكن الحقيقة التى يعلمها المتخصصون أن مصر لم تغلق الملاحة بشكل كامل فى البحر الأحمر، ولكنها طبقا للقانون البحرى، أنها فى حالة حرب مع إسرائيل فمن حقها تنفيذ قانون حق الزيارة والتفتيش ضد السفن المتجهة الى الموانى الاسرائيلية وتحمل معدات عسكرية، ومن حق مصر وقتها إيقاف تلك السفن وتفتيشها ومنعها من عبور المجرى المائى، وهو ما نفذته مصر وقتها، ولم تغلق الملاحة.
إنما فى الوقت الحالى ما هو السبب الذى سيجعل اليمن أو الحوثيين على وجه التحديد يقومون باتخاذ قرار مثل هذا وايقاف الملاحة أو استخدام حق الزيارة والتفتيش إذا كانت لا تدخل فى صراع مسلح مع دولة اخرى والملاحة لم تتجاوز مياهها الاقتصادية، ثم ما الدوافع التى تجعل إيران تتحكم فى مضيق باب المندب إذا كانت هى تمتلك مضيق هرمز على الخليج العربى الذى يحتضن الأسطول الخامس الأمريكى ودائما ما تهدد امريكا بش هجمات على إيران، ولم نجد فى الوقت نفسه استخدام طهران لحق الزيارة والتفتيش، أو إعاقة الملاحة فى مضيق هرمز؟.
إن الواقع يؤكد أن هناك أزمة حقيقية لسيطرة الحوثيين على أجزاء من  اليمن لأن فيه تهديدا للأمن القومى الخليجى، لاسيما المملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذى يؤثر بالتالى على الأمن القومى المصري. إلا أنه لا ضرر أو ضغط من خلال باب المندب، ثم كيف لليمن أن تغلق باب المندب فى ظل وجود عناصر بحرية من حلف شمال الأطلنطى متمركزة فى البحر الأحمر لمواجهة القرصنة الصومالية. إن الشرق الأوسط يمر بهزات عنيفة فى الوقت الحالى إلا أن التهديدات واضحة، ليس من بينها استيلاء الحوثيين على باب المندب.
واقع الأمر يؤكد أن دول مجلس التعاون الخليجي تتعرض  للعديد من المخاطر التي تؤثر بشكل مباشر فى أمنها القومي، وهذه التهديدات داخلية وخارجية، خاصة في الوقت الذي تمر به منطقة الشرق الاوسط بحالة من عدم الاستقرار، من خلال الحروب وظهور جماعات إرهابية مسلحة أصبحت جزءا أساسيا من معادلة عدم الاستقرار. وبما أن الأمن القومي الخليجي مرتبط بشكل مباشر مع الأمن القومي المصري، فإن هذه التهديدات ستشكل عبئا على الدولة المصرية، في حال عدم التعامل معها على نحو قويم، وبصورة مباشرة.
فقد يتخيل البعض أن الولايات المتحدة الأمريكية هى الحليف الاستراتيجى الأول والأخير لدول مجلس التعاون الخليجى، تصديقا لتاريخها وما قدمته لتلك الدول خاصة مع تشكيلها تحالفا دوليا فى عام 1990 لإنهاء الاحتلال العراقى لدولة الكويت. إلا أن ما حدث كان مخططا له بعناية لدخول الولايات المتحدة المنطقة وإنشاء قواعد عسكرية بها والسيطرة على البترول الخليجي، وضمان عمليات الإمداد بعد أن قطعته من قبل دول الخليج فى حرب اكتوبر المجيدة عام 1973.
إن السياسة الأمريكية وأهدافها وأطماعها هى الخطر الأول على الأمن القومى الخليجي، فلها العديد من المآرب لقلب الأنظمة وتصدير الثورات الى تلك الدول وإحداث الفوضى بها وإعادة تقسيمها مرة أخرى، وإذا نظرنا بشكل أعمق نجد أن الولايات المتحدة نفذت بدقة ما فشلت به إيران العدو الأول لدول الخليج العربي، فإيران فشلت فى إسقاط نظام صدام حسين، ولكن أمريكا حققت هذا الهدف ، كما أن إيران فشلت فى الدخول من قبل الى العراق وحققته لها أمريكا وقت الاحتلال وإنشاء مكاتب للمخابرات الإيرانية فى الجنوب العراقي، تحت سمع وبصر القوات الأمريكية، وأصبحت تلك المكاتب هى المحرك الأول للجنوب العراقى، وهى من أنشأت الميليشيات المسلحة، والتى تحولت بعد ذلك الى جماعات إرهابية، للسيطرة على الدولة العراقية.
 
كما أن الولايات المتحدة الامريكية فى الوقت الذى تحاط فيه دول الخليج بالعديد من المخاطر التى تحاول أن تصدرها ايران للخليج، رفعت جميع العقوبات عنها، وبعد ذلك تحدث جون كيرى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق عن أن الأرصدة الإيرانية فى الخارج التى تم رفع الحظر عنها سيتم استخدامها فى دعم الإرهاب فى الخليج، إذن فأمريكا لا تعمل لمصلحة الدول الخليجية كما تدعى، ولكنها تعمل لمصلحتها فقط.
التهديد الثانى المباشر لدول الخليج العربى يتمثل فى الجمهورية الإيرانية التى ترغب فى تصدير ثورتها الى دول مجلس التعاون الخليجى وإثارة الكثير من البلبلة فى الوقت الحالى، وهى ما حاولت أن تفعله فى مملكة البحرين عن طريق دعم عناصر شيعية لمحاولة قلب نظام الحكم لمصلحتها. إلا أن التدخل من قبل قوات درع الجزيرة كان له الأثر الأكبر فى إحباط ذلك المخطط، إلا أن هناك العديد من المخاطر المصدرة من قبل إيران وأهمها تبعية العراق للسياسة الإيرانية، مما يشكل خطرا داهما على المنطقة، بالإضافة إلى التدخل الإيرانى بشكل مباشر فى اليمن من خلال الحوثيين ومحاولة ان يكون لإيران اليد الطولى فى تلك الدولة، فهى من تمد الحوثيين بالسلاح والعتاد للسيطرة على مقاليد الحكم، وبذلك تكون المهدد الحقيقى للملكة العربية السعودية.
ومن أخطر التهديدات للأمن القومى الخليجى أن تلك الدول ليست على قلب رجل واحد، فهناك قطر التى تغرد خارج السرب، وهى المنفذ الأول لتعليمات الولايات المتحدة فى المنطقة، وإسرائيل، التى تقيم معها علاقات، إلى جانب  علاقاتها مع إيران التى تنصب العداء لدول مجلس التعاون الخليجي، كما أنها تدعم عناصر وجماعات إرهابية متطرفة، وتحتضن على أراضيها مجموعة من الارهابيين القتلة، وعلى رأسهم شيخ الفتنة يوسف القرضاوي، وبالطبع فإن أى دولة تتبنى الفكر الإرهابى سيعود بالضرر على المنطقة بأسرها وستكون له عواقب وخيمة.
والخطر الحقيقى الذى يهدد استقرار دول الخليج هو تأجيج النزاعات والصراعات الطائفية داخل الدول. فمن المعروف أن هناك نسبة ليست بالقليلة ممن يعتنقون المذهب الشيعى فى أغلب دول الخليج العربي، مما يدعو بعض الدول، خاصة إيران الى استغلال تلك النقطة لإثارة الفتن وتهديد أمن واستقرار الخليج. فما حدث بعد واقعة إعدام نمر النمر فى المملكة العربية السعودية، وما فعلته إيران وأتباعها أكبر دليل على ذلك، ومن قبلها أحداث البحرين، والأعمال الإرهابية التى تنفذ حاليا، مما سيكون له الأثر السلبى على أمن واستقرار المنطقة بأسرها فى حال حدوث صدام بين السنة والشيعة فى منطقة الخليج العربي.
إن كل ما سبق وغيره كثير هو مهدد لأمن واستقرار دول الخليج العربي، وبالتالى فهو أيضا مهدد للأمن القومى المصرى المرتبط بشكل وثيق مع تلك المنطقة. فمحاولات تصدير الثورات أو الدخول فى حرب طائفية أو تنامى النفوذ الايرانى فى الخليج العربى الهدف منه إثارة الفوضى، وإضعاف تلك الدول اقتصاديا والسيطرة على مواردها الطبيعية، وتهديد المجارى الملاحية، وإمداد العالم بالطاقة، وتفاقم أعمال العنف والإرهاب فى المنطقة، وإضعاف تلك الدول وتدمير قدرتها العسكرية، ليكون المحرك الأول والمسيطر على مقدراتها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بعدها إيران التى ستتحالف
 

رابط دائم: