تأثيرات استعادة "درعا" في توازن القوى الإقليمي بسوريا
25-7-2018

د. منى سليمان
* باحثة فى العلوم السياسية.
في مؤشر على استعادة الجيش السوري السيطرة على كامل جنوب البلاد، خرجت أول قافلة مكونة من 15 حافلة من الفصائل المعارضة فى 15 يوليو 2018، من مدينة درعا جنوب سوريا متجهة نحو محافظة إدلب شمال البلاد، تفعيلًا لاتفاق تسوية أبرمته روسيا معها يقضي بتسليم المدينة للجيش السوري، مقابل خروجهم منها، وذلك بعد نجاح الجيش السوري في السيطرة على المدينة التي تتميز بأهمية استراتيجية في جنوب البلاد، حيث إنها تعد مهد الاحتجاجات  السورية التي بدأت منذ مارس 2011 ضد نظام بشار الأسد. 
كما أن جنوب سوريا يتميز بتنوع في النفوذ العسكري، حيث تنتشر فيه الميليشيات الإيرانية وقوات الجيش السوري وفصائل المعارضة، والقوات الأمريكية الموجودة بقاعدة التنف العسكرية جنوب شرق سوريا، فضلا عن القوات الأردنية الحدودية والقوات الإسرائيلية المرابطة في هضبة الجولان المحتلة. ولذا، فإن سيطرة دمشق على درعا ستحدد طبيعة النفوذ الإقليمي بين تلك الأطراف في جنوب سوريا، خاصة، وربما بمنطقة الشرق الأوسط بوجه عام.  
المشهد الميداني:
ثمة مجموعة من الملامح للمشهد الميداني في معركة درعا يمكن طرحها على النحو التالي:
1) استعادة درعا: حيث بدأ الجيش السوري حملته العسكرية لاستعادة درعا في 19 يونيو 2018 عبر هجوم بري موسع في القطاع الجنوبي الشرقي للمدينة، ثم تم قطع طرق وخطوط إمداد المعارضة، وتزامن مع ذلك قصف جوي روسي مكثف على مراكز الفصائل المعارضة بالمدينة ومدينتي بصر الحرير والحراك، والقرى المجاورة لهما، وقد سبق ذلك مشاورات سياسية مهدت للتصعيد العسكري، حيث قام مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، بزيارة إلى موسكو أعلن من خلالها ضمنيا إنهاء اتفاق خفض التصعيد في جنوب سوريا (وهو الاتفاق الذي أبرم منذ يوليو 2017 برعاية الأردن والولايات المتحدة الأمريكية بين الجيش السوري والفصائل المعارضة بمدن جنوب سوريا: درعا، والقنيطرة، والسويداء ويقضي بوقف التصعيد العسكري بينهما). 
وفي 9 يوليو 2018، تمكنت وحدات من الجيش السوري لأول مرة منذ 2011 بدخول بلدتي خراب الشحم وتل شهاب، ومنطقة الطبريات، وقرية زيزون شمال غربي مدينة درعا، وسيطر الجيش السوري على 27 نقطة من النقط الحدودية مع الأردن، كما قامت قوات للجيش بتمشيط الشريط الحدودي الممتد جنوب حي درعا البلد باتجاه مركز حدود الرمثا الأردنية، حتى التقت بالقوات المتقدمة من الجهة الشرقية.
2) وساطة روسية: في 7 يوليو 2018، أعلنت فصائل الجيش السوري الحر (يقدر عدد مقاتلي "الجيش الحر" في الجنوب بنحو 12 ألفاً) في الريف الشرقي لمدينة درعا موافقتها على تسوية بوساطة روسية، تتضمن تسليم السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل، وعودة النازحين، وتسوية أوضاع مسلحي المعارضة، والسماح لمن يريد منهم المغادرة لإدلب شمال سوريا. وترافق ذلك مع استعادة النظام السوري السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، للمرة الأولى منذ نحو ثلاث سنوات، وإحكام السيطرة على كامل طريق حلب - درعا الاستراتيجي، وتم نشر قوات الشرطة العسكرية الروسية والسورية على الحدود.
3) قصف إسرائيلي: حيث تعرضت بعض المدن السورية خلال الأسابيع القليلة الماضية لقصف إسرائيلي مكثف، تزامنا مع بدء العملية العسكرية في درعا. ففي 27 يونيو 2018، تم إطلاق صاروخين إسرائيليين من جهة هضبة الجولان المحتلة استهدفا مستودع أسلحة تابع لحزب الله اللبناني والقوات الإيرانية، وكانت تُنقل إليه أسلحة وصلت إلى مطار دمشق عبر طائرة شحن ايرانية. ثم تم قصف ثانٍ على مطار "تي فور" العسكري في 8 يوليو 2018 ومحيطه قرب مدينة تدمر بمحافظة حمص لقصف إسرائيلي استهدف مقاتلين إيرانيين، وأسفر عن سقوط قتلى من بينهم. 
وفي 16 يوليو 2018، قُتل 9 عناصر من الميليشيات في قصف استهدف مركزا لمقاتلين من الحرس الثوري الإيراني قرب مطار النيرب العسكري في ريف حلب الشرقي. وهناك دافعان لتل أبيب لتكرار القصف الإسرائيلي لمواقع عسكرية سورية على هذا النحو، الأول: هو استغلال انشغال الجيش السوري في معركة تحرير الجنوب، والثاني: تصفية الوجود العسكري الإيراني بسوريا للحفاظ على مصلحتها القومية. 
4) مكافحة "داعش": حيث نفذت قوات التحالف الدولي غارة على دير الزور قتل فيه 54 شخصاً، بينهم 28 مدنياً ومقاتلون من تنظيم (داعش)، في قصف قرب الحدود مع العراق في منطقة خاضعة لسيطرة التنظيم شرقي سوريا، في مؤشر على وجود جيوب يسيطر عليها التنظيم حتى بعد الإعلان رسميا عن هزيمته في العراق وسوريا. ويتركز "داعش" حاليا في المنطقة الصحراوية الحدودية بين سوريا والعراق.
مصالح متداخلة
1) سوريا: حيث يهدف الرئيس السوري "بشار الأسد" إلى استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية في نهاية عام 2018 ، ثم بدأ عملية موسعة لإعادة الإعمار. فبعد إنتهائه من تطهير دمشق والمدن المجاورة لها بدأ استعادة السيطرة على الجنوب، ونجح خلال شهر في استعادة السيطرة على  85% من مساحة درعا، وهو ما يلمح إلى التوجه لإدلب شمال البلاد بعد استعادة كامل مدن الجنوب الرئيسيية الثلاث (درعا والقنيطرة، والسويداء)، وقد بدأ ذلك بالفعل. ففي 15 يوليو 2018، سيطر الجيش السوري على أولى بلدات مدينة القنيطرة (على بعد نحو 4 كم من منطقة فك الاشتباك مع إسرائيل)، وقد كثف القصف الجوي لها في 16 يوليو 2018، حيث استهدفها بأكثر من 800 قذيفة مدفعية وصاروخية. 
ووصف "الأسد" في 15 يوليو 2018، الإنجازات التي تحققت في درعا بأنها "تجسد الإرادة الصلبة لدى الجيش السوري والقوات الرديف والحليفة (يقصد بها القوات الروسية، والإيرانية، وعناصر الميليشيات المسلحة التابعة لحزب الله اللبناني، والميليشيات التابعة لإيران الموجودة بسوريا) في تحرير كامل الأراضي السورية من الإرهاب.حيث تسيطر دمشق الآن على أكثر من 60% من مساحة البلاد ويعيش في تلك المساحة 72% من السوريين. في حين توجد قوات سوريا الديمقراطية الكردية العربية (قسد) في شمال البلاد، وتسيطر على 27 % من مساحة البلاد، بينما تسيطر فصائل المعارضة على 9% من مساحة سوريا تمثل بلدات بالجنوب غرب درعا والقنيطرة وريف حماة، كما تسيطر على أجزاء واسعة من ريف حلب، والجزء الأكبر من محافظة إدلب.
2) الأردن: حيث رفض الأردن منذ بدء أزمة درعا فتح حدودها مع سوريا واستقبال المزيد من اللاجئين نظرا للعبء الاقتصادي والأمني الناتج عن ذلك، حيث إن الاقتصاد الأردني يمر بأزمة خانقة كادت تعصف بالاستقرار السياسي للبلاد، وكذلك هناك مخاوف من وجود عناصر إرهابية بين اللاجئين تهرب من الملاحقات الأمنية داخل المملكة. 
وقد أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن حدود بلاده ستبقى مغلقة، ودعا الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين السوريين داخل بلادهم. وكانت الأخيرة قد أعلنت وجود 45 ألف نازح سوري خرجوا من درعا للحدود السورية الأردنية. ورغم الانتقادات الموجهة للمملكة جراء موقفها هذا، فإنه كان ضرورة للدفاع عن أمنها القومي، وقد أدى التمسك الأردني برفض فتح الحدود إلي تكثيف الضغوط على الفصائل المعارضة، وسرعة موافقتها على الانسحاب وتسليم درعا. كما أن عمان تسعى لإرضاء دمشق، حيث رحبت باستعادة دمشق السيطرة على معبر "نصيب" الحدودي بين البلدين، وتنتظر بدأ فتحه وتشغيله،ـ لأنه سيسهم في ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد الأردني المأزوم (جدير بالذكر أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ عام 2010 نحو 615 مليون دولار، كان معظمه يتم من خلال معبر نصيب).
أضف لذلك، فإن الأردن سيكون له نصيب من عمليات إعادة إعمار سوريا، بيد أن الأخيرة لا يزال يرفض إعادة تطبيع العلاقات الاقتصادية مع الأردن، وترهن ذلك بتطبيع العلاقات السياسية أيضا، وهو ما ينذر بقرب إعادة العلاقات بين البلدين. وهذا حال تم، فإنه سيسهم في عودة اللاجئين السوريين بالأردن البالغ عددهم نحو 1.3 مليون لبلادهم وينهي العبء الاقتصادي التي تتحمله المملكة جراء وجودهم بها، لاسيما أن تكلفة استضافتهم تجاوزت 10 مليارات دولار منذ عام 2011.
3) إسرائيل: حيث اختتم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، زيارته إلى موسكو في 11 يوليو 2018، وعقد خلالها لقاءً مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أكد بعده أن تل أبيب لن تهدد حكم الأسد. بينما كشفت مصادر روسية أن نتنياهو طلب من بوتين الحفاظ على مصالح بلاده في سوريا مقابل بقاء الأسد في السلطة، وتؤكد تصريحات نتنياهو قبوله ببقاء الأسد.. فهل ستتمكن موسكو من ضمان مصالح إسرائيل في سوريا التي من أبرزها:
انسحاب القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، وعناصر حزب الله اللبناني من جنوب سوريا مسافة 80 كم من خط فك الاشتباك في الجولان، مما يشمل دمشق وريفها.
احتفاظ إسرائيل بحرية ضرب أي أهداف إيرانية أو أهداف تابعة لحزب الله في كل سوريا.
عودة القوات الدولية لفك الاشتباك في الجولان (اندوف)، والبحث في تغيير مهمتها، بما يعزز مراقبتها لخروج القوات الإيرانية ودخول الجيش السوري جنوب البلاد، والتزام دمشق بالحفاظ على المناطق المحايدة والمنزوعة السلاح والمخففة من السلاح بينها وبين تل أبيب. وكشفت مصادر دبلوماسية أن هناك مشاورات أولية تجرى حول تلك المطالب.
4) إيران: حيث رفضت طهران جميع الدعوات لانسحاب عناصرها من سوريا، وأكدت بقاءها في سوريا من خلال عدد من مسئوليها، كان أبرزهم مستشار الشئون الدولية للمرشد الإيراني، على أكبر ولايتي، الذي زار موسكو، واجتمع مع بوتين، بالتزامن مع زيارة نتنياهو. وأكد ولايتي على أن وجود مستشارين عسكريين إيرانيين في سوريا والعراق رهن بموقف الدولتين وحال طالبتا بخروجهم سيتم ذلك فوراً، لأن سوريا والعراق لم يكونا قادرين بمفردهما على مواجهة الإرهاب، وطلبا العون من إيران منذ 4 سنوات، وحال خروج العناصر العسكرية الروسية والايرانية، فإن الإرهابيين سيعودون مرة أخرى إلى سوريا والعراق. 
بيد أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، حيث تم انسحاب القوات الإيرانية وبعض عناصر الميليشيات بالفعل من جنوب سوريا بعمق 40 كم وانتشرت عناصر الجيش السوري والروسي هناك، وجاء هذا التراجع الفعلي في الموقف الايراني نتيجة لتكثيف الضغوط علي طهران في الداخل عبر تصاعد حدة التظاهرات الاحتجاجية ضد نظام الحكم المستمرة منذ أكثر من شهر، إضافة إلى تكثيف الضغوط الخارجية بعد إعلان واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وفرض المزيد من العقوبات عليها، مما ينذر بمحاصرة طهران ومقايضتها بين تقليص نفوذها الإقليمي في (سوريا، واليمن، والعراق، ولبنان) مقابل تخفيف حدة العقوبات الاقتصادية عليها.  
5) تركيا: إذ لا تعد تركيا طرفًا مباشرًا في معركة تحرير جنوب سوريا، وموقفها يركز علي شمال البلاد، حيث تسيطر عسكريا على عدة مدن، وبعدما شن الجيش السوري عدة غارات علي مدينة إدلب وسط أنباء عن عملية وشيكة لتحرير المدينة من سيطرة الفصائل المسلحة، بعد إتمام استعادة السيطرة على جنوب البلاد، حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي بوتين من شن هجوم موسع على المدينة، لأن ذلك سيؤدي لانهيار التحالف الوثيق بينهما لتسوية الملف السوري وفق محادثات الآستانة. ولذا، فإن معركة تحرير إدلب تصطدم أولا بأنقرة، حيث إنها الراعية والداعمه للفصائل المسلحة فيها، وثانيا، فإن تلك الفصائل، التي يبلغ عددها أكثر من 30 فصيلا مسلحا بينهم تنظيمات إرهابية، ربما تتوحد في جبهة واحدة ضد قوات الأسد، وتتلقى دعما تركيا لمحاربته حال فشلت أنقرة، وموسكو، وطهران في التوصل لتسوية سياسية للملف السوري وفق آلية "محادثات الآستانة". 
6) الولايات المتحدة الأمريكية: حيث تعتمد واشنطن حاليا علي سياسة تفويض موسكو لإنجاز الحل في الملف السوري، مع الحفاظ على المصالح الأمريكية في سوريا والتي تشمل ضمان أمن إسرائيل، والحفاظ علي حدود فك الاشتباك، وبقاء إسرائيل في الجولان، وتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، واستمرار الوجود العسكري الأمريكي بقاعدة "التنف" شرق سوريا بذريعة مكافحة الإرهاب. وربما تتوافق موسكو وواشنطن علي الهدفين الأولين، إلا أنهما يختلفان علي الوجود الأمريكي "بالتنف". حيث أكد قائد العمليات الخاصة للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في العراق وسوريا بقيادة واشنطن، جيمس جيرارد. أن قوات التحالف لمحاربة داعش باقية في سوريا لحين إتمام العملية السياسية، وأنه سيستمر حتى بعد القضاء التام على "داعش"  لتجنب عودة التنظيمات الإرهابية مرة أخرى، وهو ما أثار اعتراض المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، التي أكدت أن هذا الوجود العسكري هو أحد أسباب ظهور الإرهاب بسوريا. 
7) روسيا: حيث يسعى الرئيس بوتين لإتمام السيطرة العسكرية والتسوية السياسية في سوريا بأسرع وقت، حتى إنه بدأ في بحث عمليات إعادة الإعمار للمدن المحررة من قبضة داعش ليعزز موقع بلاده ونفوذها بالشرق الأوسط والعالم كقطب دولي فاعل ومؤثر. بيد أن تعارض المصالح الإقليمية والدولية للأطراف المعنية بالملف السوري تقف عائقا في تحقيق ذلك، ومنها الموقف الإيراني والتركي، ولذا يعول كثيرون على نتائج قمة "هلسنكي" الأخيرة بين الرئيسين بوتين وترامب كمحدد لتسوية الملف السوري، حيث يتردد عن وجود صفقة أمريكية تعرض علي موسكو تقضي بالاعتراف بالسيادة الروسية علي جزيرة القرم التي ضمتها موسكو لها عام 2014 مقابل تقليص النفوذ الإيراني في سوريا والشرق الأوسط. 
صفوة القول إن حملة الجيش السوري لاستعادة مدينة درعا بدأت إثر اتفاق ضمني بين إسرائيل وروسيا بإبعاد ميليشيات إيران عن الجنوب، تمهيدًا لتقليص الوجود العسكري الإيراني بسوريا، مما مكن الرئيس السوري "بشار الأسد" من استعادة السيطرة علي المدينة التي تعد أهم مدن الجنوب ومعقلا رئيسيا للمعارضة، إلا أن نظام الأسد قد لا يتمكن من فرض سيطرته العسكرية وسلطته السياسية على الجنوب بشكل كامل، حال استمرت التدخلات الخارجية من قبل أطراف إقليمية، مثل إيران وإسرائيل، وأطراف دولية، مثل واشنطن وموسكو، مما يؤدي لانتهاك مستمر للسيادة السورية، واضطراب متتابع للأوضاع بجنوب وشمال البلاد.
 كما أن معركة السيطرة على كامل جنوب سوريا لم تنته بعد، فلا زال هناك مدينتان استراتيجيتان هما القنيطرة والسويداء، ومن المنتظر أن تكون معركة استعادتيهما أكثر صعوبة من درعا، لاسيما في ظل الإصرار الإسرائيلي علي إبعاد إيران من جنوب سوريا، والتسوية النهائية للوضع بسوريا ككل، وليس فقط الجنوب.
 

رابط دائم: