قراءة فى توجهات السياسة الخارجية في بيان حكومة مدبولي
10-7-2018

د. سماء سليمان
* خبير الدراسات المستقبلية
أعلن رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، بيان الحكومة يوم الثلاثاء الموافق 3 يوليو 2018 أمام مجلس النواب. وقد احتوى البيان على عدد من المحاور. يتمثل المحور الأول فى حماية الأمن القومي المصري، والمحور الثاني: تحسين مستوى معيشة المواطن المصري ومراعاة حقوق الفئات الأكثر فقراً والمهمشة، والمحور الثالث: التنمية الاقتصادية ورفع كفاءة الأداء الحكومي، والمحور الرابع بناء الإنسان المصري، والمحور الخامس والأخير سياسة مصر الخارجية. 
وسوف يتم التركيز في هذا المقال على السياسة الخارجية المصرية خلال السنوات الأربع القادمة، وأيضا علاقتها بباقي محاور البيان الحكومي. وقد ركز مدبولي على عدد من النقاط في السياسة الخارجية المصرية على النحو التالي: 
سياسات متوازنة:
أولا- الحفاظ على سياسات متوازنة مع كل القوى العالمية بما يحقق مصلحة مصر، وبما يحافظ على مكانتها الدولية: حيث أكد السيد رئيس الوزراء أن الدولة المصرية ستمضي قدما وبثبات نحو تعزيز علاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف الدولية والإقليمية فى إطار من الشراكات وتبادل المصالح دون الانزلاق إلى نزاعات أو صراعات، ويمكن توضيح ذلك على المستوى الدولي كالتالي: 
1- السياسة المصرية تجاه المنظمات الدولية: حيث إن مصر مستمرة في ثوابتها التي تحكم سياستها تجاه المنظمات الدولية والإقليمية؛ حيث ستشهد استمرار مصر في الانخراط النشط من خلال انتظام حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي لفاعليات الاجتماعات العامة للأمم المتحدة، وتقديم إسهامات من أجل إصلاح منظومة العمل داخلها، فضلا عن استمرار دور مصر في جامعة الدول العربية مما يعكس اهتمامها بالقضايا العربية التي لم تحل بعد من خلال تفعيل آلية العمل العربي المشترك. وفيما يتعلق بسياسة مصر تجاه الاتحاد الأفريقي ستظل اجتماعات الاتحاد الأفريقي على رأس أولويات الرئيس، كما ستستمر استراتيجية مصر التي تبنتها بعد ثورة 30 يونيو 2013، والتي تتمثل في توسيع وتنويع قاعدة العلاقات الدولية على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف. 
2- العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة الأمريكية: ومن المتوقع أن تحافظ مصر على الطابع البراجماتي للعلاقات بين البلدين، حيث يحاول كل طرف تحقيق مصالحه وفقًا لتوجه سياسته العامة، وأيضا حرص مصر على إدارة التحديات والخلافات بينهما بأسلوب لا يعطل مساحة التوافق بينهما، وأن تظل علاقات التعاون العسكري مكونا أساسيا في منظومة العلاقة بين الطرفين. 
3- السياسة الخارجية المصرية تجاه أوروبا: ستحرص مصر على تعميق العلاقات المصرية - الأوروبية لما تمثله من أهمية كبيرة لا يُمكن الاستغناء عنها، حيث ترتبط مصر بعلاقات سياسية واقتصادية وعسكرية مع أوروبا  التي تعد الشريك التجاري الأكبر لمصر، كما تعد مصدراً مهماً للاستثمار الأجنبي في المجالات المختلفة، وأيضاً وجود عدد من الاتفاقيات والبرامج المبرمة بين الجانبين، بما في ذلك اتفاقيات المساعدات والمنح المقررة لمصر على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. 
من ناحية أخرى، فإن الاتحاد الأوروبي يعد مصر دولة محورية لأهمية الحفاظ على الاستقرار السياسي في المنطقة، كما توجد العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين مصر وأوروبا، من بينها قضايا انتشار أعمال العنف، وزيادة التطرف الديني، سواء من تنظيم داعش أو القاعدة، وقضايا الهجرة، واللجوء، وقضايا الطاقة، والقضايا المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان، ولا تغني أهمية العلاقة بين الطرفين عن بعض الاختلافات في الرؤى تجاه القضايا السابقة. 
4- العلاقات المصرية مع روسيا والصين: من المتوقع استمرار الانفتاح المصري على آسيا، خاصة روسيا والصين خلال السنوات الأربع القادمة، والالتحاق بعدد من التفاعلات والمؤسسات الآسيوية المهمة إلى الحد الذي يكفل الحديث عن تطور سياسة مصرية - آسيوية، ومن الممكن أن يتبلور إلى وجود "توجه" مصري نحو آسيا أو نحو القوى الآسيوية، وهو ما فرضته التحولات الراهنة في هيكل النظام العالمي والصعود الاقتصادي للعديد من القوي الآسيوية من ضرورة التوجه شرقا نحو القوى الآسيوية. 
ثانيا- ضمان أمن واستقرار منطقة الخليج العربى، وتبنى موقف صريح وحاسم فى شأن القضايا المثارة بالدول العربية التي تشهد صراعات سياسية وعسكرية: فمما لاشك فيه أن المحددات التي تحكم السياسة الخارجية المصرية تجاه الصراعات في المنطقة ستستمر خلال السنوات الأربع القادمة، وذلك من منطلق تأثير الأزمات في المنطقة العربية على الأمن القومي المصري، خاصة فيما يتعلق بالتهديدات الخارجية التي تواجه المنطقة ككل، وأيضا الدور التاريخي المصري تجاه الدول العربية، والتي لا تستطيع مصر التخلي عنه أو إهماله.
 ومن ثم، ستسعى مصر في سياستها الخارجية نحو تحقيق الاستقرار لضرورة إيجاد حلول لإنهاء الصراعات والأزمات في المنطقة العربية، فضلا عن استمرار مصر في تبني مواقف تحد من الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة، وحل الأزمات العربية على نطاق عربي خالص في المنطقة العربية، خاصة في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الدبلوماسية المصرية عدة توترات مع الأطراف الإقليمية الرئيسية الفاعلة في الصراعات في المنطقة، خاصة تركيا وإيران. فالعلاقات الدبلوماسية مع الأولى تكاد تكون مجمدة مع الثانية عقب التوترات التي نشبت بين البلدين بعد ثورة 30 يونيو، ومقطوعة مع الثانية لعدة حسابات تتعلق بالأمن القومي المصري.
 كما تعد العلاقات المصرية - الخليجية مكونًا رئيسيًا في السياسة الخارجية المصرية تجاه إيران، حيث ترى مصر أن أمن الخليج من أمن مصر نفسها، وستستمر سياسة مصر تجاه إيران ثابتة، وستظل مصر ترفض سياسة المحاور وتركز على الأبعاد السياسية وليست المذهبية للمشروع الإيراني، ومن ثم سيظل أيضا عدد من القضايا ذات العلاقة بإيران منذ عام 2011 مستمرة، وهي قضايا الملف النووي الإيراني، وربط إيران بالإرهاب، والتدخل الإيراني في كل من سوريا واليمن. 
ثالثا- ضمان تحقيق الأمن القومي في المحيطين الإقليمي والإفريقي: فمما لا شك فيه أن مصر تمتلك من القوة والمكانة والموقع الجغرافي والدور التاريخي ما يجعلها تقوم بلعب دور رئيسي في هذه المنطقة لتحقيق الأمن الإقليمي خاصة تجاه الأزمات والصراعات داخل الدول العربية، لاسيما الأزمة السورية واليمينة والليبية، كما أن أبعاد الأزمات التي ضربت دول المنطقة العربية باتت تشكل خطرا على المنطقة، وذلك بسبب التعقيدات التي مرت بها، واستمرت بدون حلول واقعية ملموسة، فضلا عن زيادة حدة الصراع، مع زيادة وجود أطراف خارجية ودولية تتقاسم الصراع وتسهم في تأجيجه، الأمر الذي سيفرض على مصر توسيع الدور الذي  تلعبه مؤسساتها الخاصة بالسياسة الخارجية لكي تتناسب مع حجم هذه التحديات والأزمات والعوائق الكبيرة التي تواجه المنطقة حال استمرار الأزمات بدون حلول تناسب جميع الأطراف. 
وعلى صعيد تفعيل العلاقات مع الدول الإفريقية، سوف تستمر مصر في استخدام مجموعة من الأدوات والمبادئ التي تحقق التعاون والتقارب مع دول حوض النيل، حيث تم إعادة هيكلة الجهاز الدبلوماسي بتعيين نائب لوزير الخارجية خاص بالشئون الإفريقية، إضافة إلى مساعد وزير خاص بشئون السودان، علاوة على إنشاء مؤسسات من شأنها دعم وتعزيز العلاقات المصرية بدول حوض النيل، من خلال محورين: الأول، استمرار المفاوضات حول المشروعات المائية على نهر النيل، والآخر تنشيط العلاقات المصرية مع دول حوض النيل عبر مستويات عدة. 
ملاحظات أساسية. 
1-التوافق بين البيان الحكومي وما جاء في خطاب التنصيب الرئاسي: إذ جاء بيان الحكومة متسقا مع خطاب التنصيب الذي ألقاه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام مجلس النواب في 2 يونيو الماضي، والذي أكد فيه أن الدولة المصرية ستمضي قدما وبثبات نحو تعزيز علاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف الدولية والإقليمية في إطار من الشراكات وتبادل المصالح دون الانزلاق إلى نزاعات أو صراعات. 
2- تكامل محاور البيان مع محور السياسة الخارجية: خاصة مع المحور الأول المتمثل في حماية الأمن القومي المصري الذي يشمل تحقيق أمن المواطن المصري، بما يتطلب تحقيق الاستقرار الأمني في الداخل، وحماية وتأمين حدود مصر الخارجية ومكافحة الإرهاب، وهو ما كان ساطعاً في تعامل مصر مع القضايا العربية وقضايا الأمن الإقليمي والعالمي، فضلا عن تحقيق الأمن المائي والحفاظ على حقوق مصر المائية، وهو ما يتجلى فى سعى مصر لاستثمار علاقاتها مع الدول الإفريقية لمساندتها في النقاط الخلافية حول سد النهضة. 
كما يرتبط محور السياسة الخارجية المصرية بالمحور الثالث من البيان الخاص بتحقيق التنمية الاقتصادية، حيث تستهدف الحكومة في بيانها رفع معدل النمو الاقتصادي الحقيقي إلى 8% في 2021/2022، وذلك من خلال رفع معدل الاستثمار ليصل إلى 25% سنوياً، وهو الأمر الذي يتطلب سياسة خارجية نشطة لجذب الاستثمارات المطلوبة للوصول إلى النسبة المستهدفة. 
ولأنه يصعب وجود سياسة خارجية ناجحة بدون وجود تنمية بشرية تقوم على منظومة من القيم المتماسكة، والتي يؤمن فيها الفرد بالقيم الدافعة للتنمية والإنجاز، لذا ركز بيان الحكومة في المحور الرابع على  بناء الإنسان المصري، من خلال تصحيح المفاهيم الخاطئة، وحماية المجتمع من التطرف الفكري، واستعادة منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية، وترسيخ أسس الولاء والانتماء والمواطنة، وتعزيز دور مصر الريادي في نشر سماحة الإسلام، من خلال الرعاية الصحية وتطوير التعليم، فضلا عن تكوين مصر، خلال السنوات الأربع القادمة، الأساس المتين للريادة الثقافية، والذي يمثل القوة الناعمة لمصر ونقل الخبرات الثقافية المصرية الرائدة إلى خارج مصر. 
3- استمرار مصر على المبادئ التي تحكم سياستها الخارجية: وهي تلك الواردة في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، خاصة ما يتعلق باحترام سلامة أراضي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة واستقلالها السياسي، بمعنى عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، وهي المبادئ التي تنطلق من ثوابت السياسة الخارجية المصرية، هذا فضلا عن وجود مبادئ أخرى حاكمة للسياسة الخارجية المصرية تتمثل في  الارتباط بين السياسة الخارجية المصرية مع معطيات التاريخ والجغرافيا، فكلما زاد الاتساق بينهما زادت الفاعلية، وكلما ابتعد السلوك الخارجي المصري عن معطياته الطبيعية قلت الفاعلية وتبددت. 
وفى الأخير، سوف تستمر مصر على مبادئها في سياستها الخارجية، خلال السنوات الأربع القادمة، كما أنها ستسعى نحو توظيف علاقاتها الخارجية في تحقيق التنمية المستدامة، حيث استطاعت مصر أن تؤسس لنفسها سياسة خارجية مستقلة، وتمكنت من خلال اعتمادها على الانفتاح على العالم من استعادة مكانتها على الساحتين الإقليمية والدولية وفقًا لسياسة تجمع بين الخصوصية والاندماج.
 

رابط دائم: