جدل أمريكي حول عسكرة ترامب للفضاء الخارجي
10-7-2018

عمرو عبد العاطي
* باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية
أثار أمر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في الثامن عشر من يونيو الماضي، خلال اجتماع مع مجلس الفضاء الوطني، بتشكيل فرع سادس للجيش الأمريكي يركز على الفضاء، ويُحقق هيمنة الولايات المتحدة عليه، موجة من الجدل داخل الأوساط السياسية والعسكرية الأمريكية بين مؤيد ومعارض لتلك الفكرة.
تقوم الاستراتيجية الأمنية للرئيس ترامب على أن الفضاء منطقة قتال، شأنها في ذلك شأن البر، والجو، والبحر، وأن أعداء الولايات المتحدة والقوى المنافسة لها يحققون تفوقا على واشنطن في الفضاء الخارجي، مما يمثل تهديدا للقوة العسكرية الأمريكية. ويؤيد نائب الرئيس، رئيس المجلس الوطني للفضاء، مايك بينس، الهيمنة الأمريكية في الفضاء الخارجي، كما تهيمن على الأرض. 
إن فكرة إنشاء قوة الفضاء ليست بجديدة، حيث اقترحت لجنة بقيادة دونالد رامسفيلد، قبل أن يتولى منصب وزير الدفاع في إدارة جورج دبليو بوش، لتقديم مقترحات لإصلاح القوة العسكرية الأمريكية في عام ٢٠٠٠، إنشاء قوة مهمتها تعزيز الهيمنة الأمريكية على الفضاء الخارجي، لكن الفكرة لم تنل نصيبها من المناقشة لتعرض الولايات المتحدة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، وخوضها حربي أفغانستان ٢٠٠١ والعراق ٢٠٠٣. وفي يوليو من العام الماضي، أقر مجلس النواب الأمريكي تشريعا قدمه كل من النائبين مايك روجرز وجيم كوبر لإنشاء "فيلق فضائي" كخدمة عسكرية جديدة داخل القوات الجوية. لكن البنتاجون عارض تلك الفكرة في حينها. والجديد في إعلان ترامب لإنشاء قوة عسكرية فضائية أنها تكون منفصلة عن القوات الجوية، ومتساوية معها في الوقت ذاته.
حجج المؤيدين 
يؤيد عديد من السياسيين الأمريكيين والمشرعين بمجلسي الكونجرس الأمريكي (النواب والشيوخ) خطوة الرئيس ترامب لإنشاء قوة الفضاء لتراجع القوة الأمريكية الهجومية والدفاعية في الفضاء الخارجي أمام تزايد قوتي الصين وروسيا في السيطرة عليه، مما يمثل تهديدا للهيمنة والتفرد العسكري الأمريكي عالميا.
في هذا السياق، أشار نائب الرئيس، بينس، إلى أن أعداء الولايات المتحدة يعملون سرا على تعزيز قدراتهم العسكرية الفضائية، ويعملون على تطوير قدرات التشويش والقرصنة التي قد تشل المراقبة العسكرية وأنظمة الملاحة وشبكات الاتصالات الأمريكية. 
ويري عدد من المشرعين الأمريكيين، مثل النائب الجمهوري مايك روجرز، والديمقراطي جيم كوبر، اللذين يؤديان فكرة إنشاء قوة فضائية داخل الكونجرس، أن هناك حاجة إلى فرع عسكري جديد، لأن القوة الجوية لا تولي اهتماما كافيا للفضاء الخارجي. وتتزايد أهيمتها، من وجهة نظرهما، مع تزايد الجهود الصينية والروسية لتطوير أسلحة فضائية يمكن أن تعرقل الأقمار الصناعية الأمريكية، وهو الأمر الذي يعرض الولايات المتحدة لمخاطر تهدد قوتها ومكانتها كقوة عظمى في النظام الدولي.
ويستند داعمو ضرورة إنشاء قوة عسكرية مستقلة متخصصة في الفضاء إلى تقييمات لوزارة الدفاع الأمريكية بأن التهديد الصيني والروسي للأقمار الصناعية الأمريكية حقيقي، وإلى تقييمات استخباراتية تؤكد قدرة موسكو وبكين على إسقاط الأقمار الصناعية الأمريكية في غضون عامين أو ثلاثة أعوام، الأمر الذي يعرض الأقمار الصناعية العسكرية والمدنية، وأقمار التجسس الأمريكية للخطر. فتلك الأقمار تستخدم في توجيه حاملات الطائرات في المياه الدولية، والطائرات بدون طيار. كما أن القوات البرية الأمريكية في مناطق الصراع تستخدمها لتنظيم تحركاتها، فضلا عن أهميتها في عمليات التجسس وجمع المعلومات عن أعداء وخصوم الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم. ولذا، فإن استهدافها سيؤثر بصورة جلية فى الأمن القومي الأمريكي. 
ويربط بعض مؤيدي إنشاء فرع جديد بالقوات المسلحة الأمريكية والفوائد الاقتصادية المترتبة عليها، حيث يرون أن إنشاء قوة فضائية سيتيح اقتصادا يفوق تريليون دولار في الفضاء الخارجي، لأن هذا الفرع سيزيد من الإنفاق على التقنيات المهمة، والحفاظ على سلامة الفضاء، مما يضمن استمرار تطويرها التجاري دون عائق. ويضيفون: كما أن قوة الضربات النووية ردعت الحرب العالمية الثالثة لعقود، فإن قوة الفضاء سوف تتأكد من أن حرب الفضاء لن تحدث أبدا.
معارضة داخل البنتاجون 
يعارض العديد من المسئولين العسكريين قرار الرئيس الأمريكي بإنشاء فرع سادس للجيش الأمريكي يضاف إلى قوات المشاة، والقوات الجوية، والبحرية، والمارينز (مشاة البحرية)، وخفر السواحل. ومن أبرزهم وزير الدفاع، جيمس ماتيس، حيث أعرب عن رفضه إنشاء قوة فضائية منفصلة عن أفرع القوات المسلحة الأمريكية الحالية للتكلفة الباهظة لإنشاء قوة منفصلة تخصص في الفضاء، حيث أشار إلى أنها  تزيد من الإنفاق العسكري الأمريكي، والهدر في الميزانية المخصصة للدفاع، فضلا عما يرتبط بها من ازدواجية في البيروقراطية التي تنظم عمل المؤسسات العسكرية الأمريكية في وقت تسعي فيه الولايات المتحدة إلى تقليص النفقات العامة. 
ويعارض ماتيس فكرة سلاح الفضاء، لأنها تتناقض مع مساعيه الرامية إلى تجميع المهام القتالية في وزارة الدفاع بدلاً من تشتيتها أكثر مما هي عليه الآن. وفي سياق متصل، رأت قائدة سلاح الجو، هيذر ويلسون، أن تشكيل قوة فضائية مستقلة سيجعل الجيش الأمريكي يسير في الاتجاه الخاطئ، لا سيما مع تأكيد الكثير من مسئولي وزارة الدفاع أن القوة الجوية وغيرها من الخدمات العسكرية الأمريكية يمكنها حماية الفضاء الخارجي والأقمار الصناعية العسكرية الأمريكية. 
ويري منتقدو فكرة تأسيس قوة عسكرية جديدة خاصة بالفضاء أن دعوة الرئيس ترامب تفتقر إلى التخطيط التفصيلي لتنفيذها، فضلا عن أنها ستفجر سباق تسلح خطيرا في الفضاء، حيث يكشف إنشاء الولايات المتحدة قوة عسكرية خاصة بالفضاء عن تبنيها موقفا عسكريا أكثر نشاطا في الفضاء الخارجي، وهو الأمر الذي يثير المخاوف من حرب باردة في الفضاء الخارجي، مع سعي منافسيها إلى زيادة مخصصاتهم المالية لتعزيز قوتهم في الفضاء الخارجي، وكذلك دراسة كيفية إسقاط الأقمار الصناعية أو المركبات الفضائية الأمريكية أو اختراقها.
ومنذ خمسينيات القرن المنصرم، يتولى سلاح الجو الإشراف على العمليات العسكرية المتعلقة بالفضاء، لكن الرئيس لم يحدد ما إذا كانت القوة الفضائية ستواصل أنشطة القوات الجوية، أم أنه سيكون لها مهام عسكرية أخرى، مثل تطوير قدرات عسكرية هجومية أو دفاعية، وتطوير منصات الدفاع الصاروخية التي سيتم نشرها في الفضاء. 
وتتعارض فكرة إنشاء قوة الفضاء مع سعي الرئيس ترامب إلى إلغاء التدريبات العسكرية مع حلفاء الولايات المتحدة، حيث تم إلغاء التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الشمالية على سبيل المثال، لأنها مكلفة، لكن تكلفة مثل تلك التدريبات منخفضة مقارنة بتكلفة البنية التحتية لفرع سادس من القوات العسكرية الأمريكية. فإنشاء قوة عسكرية جديدة يحتاج إلى مقر جديد، ومئات الموظفين الإضافيين بوزارة الدفاع، ورواتب ومزايا لقادة تلك القوة الجديدة.
خلاصة القول: إن الحشد العسكري الأمريكي في الفضاء سيكون له تأثير مزعزع للاستقرار الاستراتيجي والأمن الدولي. فبمجرد إرسال الولايات المتحدة أسلحة إلى الفضاء الخارجي، فإن كثيرا من القوى المنافسة للولايات المتحدة وكذلك خصومها ستتبعها في ذلك، لاسيما مع تطويرها صواريخ مضادة للأقمار الصناعية، الأمر الذي ينسف القواعد التقليدية لسلامة الفضاء الخارجي، وتحويله إلى ساحة للمعارك المحتملة، وتحويله إلى مكان خطير. ومن شأن إنشاء فرع جديد بالجيش الأمريكي خلق مسئوليات بيروقراطية لا داعي لها في وقت الجيش الأمريكي مثقل فيه بالنزاعات الخارجية.
 

رابط دائم: