الولاية الثانية للرئيس السيسي.. تحديات ورهانات مستقبلية
3-6-2018

د. إيمان زهران
* متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي
يأتى حلف الرئيس عبدالفتاح السيسى اليمين الدستورىة لفترة ولاية ثانية يوم الثاني من يونيو 2018 بمجلس النواب، في سياق مرحلة جديدة من تطور المشهد السياسي في مصر، تحمل العديد من التحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي. وبينما أعطت الانتخابات الرئاسية رسالة جوهرية تشير إلى كسب الرهان الشعبي الملتف حول الدولة المصرية وحمايتها من الأخطار، فإنها طرحت في الوقت نفسه جملة من التحديات والرهانات المستقبلية التى تستدعى "دقة الحسم" بالولاية الثانية للرئيس عبدالفتاح السيسى.
دعائم حتمية:  
لقد كشفت نتائج الانتخابات الأخيرة عن نسبة مشاركة تقترب من الانتخابات السابقة، حيث شارك فيها قرابة 25 مليونا من بين 59 مليونا لهم حق الانتخاب، بنسبة تزيد عن الـ 41%، وحصل المرشح عبدالفتاح السيسي على أكثر من 97% من أصوات المشاركين، بينما حصل منافسه موسى مصطفى على 750 ألف صوت بنسبة تُقدر بـ 2,9%، مقابل وصول الأصوات الباطلة لأكثر من مليون ونصف المليون صوت، بنسبة تُقدر بـ 7% من عدد المشاركين، وهو ما يمكن إرجاعه إلى: إما أن يكون لجهل البعض بالاجراءات الإنتخابية، أو الاعتراض "التعبيرى" من جانب "فئة ما" على موضوع الاقتراع، أو لضعف حالة الإستقطاب والتعبئة حول موضوع الإقتراع.
وتشير تلك النتائج إلى فكرة "حتمية المرحلة" لصالح الرئيس السيسى، وذلك استنادا إلى عدد من الدعائم والدلالات، منها:
أسهم التأكيد على ملف "الأمن والإستقرار" بخطابات الرئيس عبدالفتاح السيسى طوال الفترة الرئاسية الاولى فى ضمان استمرار تأييد جزء كبير من "الكتلة الصلبة" المؤيدة له، وهي الكتلة التي تضررت مصالحها من استمرار الحالة الفوضوية بالداخل المصري، وتتوق بشكل واضح لتحقيق الاستقرار، حيث إن تحقيق الأمن والاستقرار الداخليين يُعد أولى أولويات المواطن في المرحلة القادمة.
يتضح من نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية أن قاعدة مؤيدي المرشح عبد الفتاح السيسي ارتكزت بالأساس على فئة كبار السن والنساء، ويبدو أنه تمكن من حسم غالبية أصواتهما لصالحه، وهو الأمر الذي ساعد على ترجيح كفته، خاصة في ضوء الدور البارز الذي لعبته المرأة المصرية فى الحشد والدعم والمشاركة بالإستحقاق الإنتخابى. كذلك، لعب كبار السن دورا هاما في حسم الانتخابات الرئاسية، حيث كان هناك إقبال لافت من كبار السن الذين أعلنوا أن هدفهم الحفاظ على الدولة المصرية، وأن الجيش هو الضمان للأمن والاستقرار والوحدة الوطنية.
كذلك، تنامت مؤشرات مشاركة "الأقباط" لاسيما وأنهم يرون أن الرئيس السيسي ضمن الحماية والأمن والإحساس بالمواطنة والحفاظ على ممتلكاتهم وكنائسهم وممارسة شعائرهم، بعد تعرضهم لهجمات التنظيمات المتطرفة من عمليات خطف وتهجير ونهب لممتلكاتهم وحرق وتفجير لدور عبادتهم، والتي قام الجيش بأوامر من الرئيس السيسي بإعادة بنائها وإعادتها لما كانت عليه خلال السنوات الماضية .
على الرغم من تراجع قدرة الأحزاب والحركات السياسية على الحشد والتجييش فى أثناء العملية الانتخابية، فإن اتساع قاعدة الأحزاب والحركات المؤيدة للمرشح عبد الفتاح السيسي كان له دور مهم في اتساع فارق الأصوات بينه وبين المرشح "موسى مصطفى موسى"، حيث تلقى السيسي الدعم من مجموعة من الأحزاب والحركات السياسية، تختلف أيديولوجياتها ومرجعياتها ما بين الإسلامي، والليبرالي، واليساري. 
ومن أبرز الأحزاب التي أعلنت مساندتها للسيسي: النور السلفي، والوفد، والمؤتمر، والمصريين الأحرار، والتجمع، والحركة الوطنية، ومستقبل وطن، وغيرها. واستند ذلك التأييد إلى توصيفهم بأن المرشح "عبدالفتاح السيسى" هو "مرشح الضرورة" القادر على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية - فى المقام الأول- التي تواجه الدولة المصرية حالياً.  
 
ملامح المرحلة :  
تقترن الولاية الثانية للرئيس عبدالفتاح السيسى بعدد من الملامح والتى تُشكل طبيعة المرحلة الحالية، ويمكن توضيحها وفقا لثلاث سياقات:  
أولا- السياق الداخلى: مرحلة بناء المواطن 
ثمة مساع نحو إحداث حراك سياسي حقيقي في الهيكل الحزبي، تمهيداً لإجراء انتخابات المحليات في 2019، والاستعداد لانتخابات مجلس النواب 2020، والحديث مجددا حول إتاحة الفرصة لهيكلة وضعية الأحزاب السياسية في مصر، وإعادة طرح فكرة دمج أو ائتلاف الأحزاب ذات المرجعيات الواحدة، وبناء نظام حزبي متماسك، وهو ما سبق أن طالب به الرئيس السيسي بفترة ولايته الأولى.
كذلك، ثمة اتجاه نحو الانتقال الممنهج لمرحلة تثبيت دعائم الدولة المصرية وتفعيل دور المؤسسات الرسمية سواء مجلس النواب، أو الحكومة الجديدة التي سيُعاد النظر في بعض عناصرها وفقاً لحاجة العمل، ومتطلبات المرحلة المقبلة خاصة بالنسبة لقطاعات التعليم والصحة والاستثمار والتخطيط والثقافة والتنمية. وسيكون التركيز بالأساس على بناء المواطن، وتحديد مختلف احتياجاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية، ومن المتوقع أن يكون ذلك مطروحاً في خطاب التكليف لرئيس الحكومة الذي سيختاره الرئيس السيسي، حيث سيضع فيه الأولويات والمهام السياسية والاقتصادية للدولة، والتي ستركز على تحقيق المتطلبات الآنية للمواطن وإشراكه وتفعيل دوره سياسياً ومجتمعياً.
ثانيًا- السياق الإقليمى: تفعيل الدور 
يُعد الغموض والالتباس سمة المشهد الحالى بملفات الإقليم، فلا يزال الصراع المسلح في ليبيا مستمرا ولكن تسعى مصر إلى استكمال خطوات تشكيل جيش وطنى ليبيى، وكذلك لا يزال الملف السورى مشتعلا، في ظل محاولة الدور المصرى التوسط ودعم الدولة في هذا البلد، فضلا عن الملف اليمنى وما يتعلق به من ترتيبات أمنية تشمل منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وغيرها العديد من ملفات متشابكة ومتداخلة بالإقليم الشرق أوسطى. كما أن مصر معنية بتوثيق تحالفها مع شركائها الخليجيين لاعتبارات تماس أمن المنطقة مع الأمن القومي المصري، دون إغفال ملف القضية الفلسطينية والنظرة الأمريكية الأحادية نحو التسوية والتى عُرفت إعلاميا بـ "صفقة القرن".
ثالثًا- السياق الدولى: السياسات المتوازنة
تأسيسا على خريطة التحركات الخارجية للرئيس السيسى بفترة الولاية الأولى والتى اشتملت على روسيا، والصين، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وفيتنام، وقبرص، وعدد من الدول الأفريقية، وإبرامه لعدد من الاتفاقيات الدولية والصفقات العسكرية، فإن الملمح العام لتلك المرحلة يتسم باستمرار استراتيجية "التمدد والتنوع"، وهو ما حرص عليه الرئيس السيسى بفترة الولاية الأولى ويسعى لاستكمالة بالولاية الثانية، وذلك بإقامة علاقات متوازنة مع  دول العالم كافة. 
 
تحديات الولاية الثانية:  
ثمة تحديات إقليمية وداخلية تبرز كأولويات تفرض ضرورياتها للحسم بالفترة الثانية من ولاية الرئيس السيسى والتى يمكن لنا عنونتها بـ "ولاية التحديات"، وهو ما يتضح مجازا بالنقاط التالية:  
تحديات على مستوى الإقليم: حيث تواجه مصر محيطا مرتبكا في كل من الأراضى الفلسطينية واليمن وسوريا وليبيا، بالإضافة لفواعل الإقليم "إيران وتركيا" وما تفرضه تدخلاتها غير المشروعة من تحديات إستراتيجية تلزم المواجهة، فضلا عن تجاذبات الظهير الإفريقى وملف دول حوض النيل.  
تحديات على مستوى الداخل: هناك مساران للداخل تستوجب الحسم بالولاية الثانية، فالمسار الأول اقتصادي: فثمة عدة تحديات أهمها، منها ما يتعلق باستكمال البنية التحتية، ورفع معدلات التشغيل، وإنجاز الخطة الإقتصادية الخاصة بالتصنيع المحلى ومضاعفة الصادرات واستكمال خطوات التنمية خاصة بسيناء والمنطقة اللوجيستية لمحور قناة السويس، وإشكالية الصناديق الخاصة والنذور، فضلا عن ملف "عجز الموازنة" وأزمة التضخم، وما يتعلق بمشروع الضبعة ومصير الملف النووى المصرى، دون إغفال الملف السياحى والصحى والتعليمى والثقافي.
 أما المسار الآخر، فهو أمني: خاصة ما يتعلق بمحاربة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء التي بها أكثر البؤر "الإرهابية" اشتعالاً، فضلا عن العمليات الإرهابية النوعية بالداخل واستهداف الكتل الرخوة والأهداف المتحركة، وهو الأمر الذي تواجهه الدولة المصرية بكل حسم، كما برز في التخطيط الاستراتيجى والتحرك التكتيكى بعملية "المجابهة الشاملة– سيناء 2018".
 
أخيرا، تأتى الولاية الثانية للرئيس السيسى لتُسجل جُملة من التحديات السياسية والاقتصادية والتنموية والأمنية المختلفة والمترابطة، والتى لا تقلل من إنجازات الولاية الأولى، ولكنها تأتى مُكملة للنهج، فى ظل خطوات فنية سابقة على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وما لحق بها من جهود رئاسية نحو محاربة الفساد وتمكين الشباب والمرأة، وإنهاء أزمة التمييز بين أهل الخبرة وأهل الثقة، والعمل على تحسين تصنيف مصر الدولي في مؤشرات الشفافية والإفصاح والحوكمة ومناخ الاستثمار، وغيرها من المؤشرات الدولية التى جاءت توثيقا لتحركات الداخل المصرى.
 

رابط دائم: