أبعاد ودلالات التصعيد الحوثي بالصواريخ ضد السعودية
30-5-2018

د. عبد الناصر سعيد
* خبير العلاقات الدولية
كثف الحوثيون من إطلاق الصواريخ الباليستية على الأراضي السعودية في الآونة الأخيرة، في محاوله لاستعادة التوازن العسكري على الأرض، أمام ما تحرزه القوات الشرعية وقوات التحالف العربي من تقدم على مختلف جبهات القتال. 
- ضلوع إيران:
بقراءة دوافع وأهداف التصعيد الحوثي بإطلاق الصواريخ على المدن السعودية، وما يمكن أن يمثله من تأثير فى الأمن الإقليمي والدولي، في ظل الأوضاع المتوترة التي تشهدها المنطقة، لا يمكن إنكار ضلوع إيران في دفع الحوثيين إلى التصعيد، بعدما أشار الكثير من التقارير الدولية إلى قيام طهران بتهريب الأسلحة إلى الحوثيين منذ عام 2009.
وبالرغم من ذلك، لا يقارن دعم الحوثيين، بما تقدمه طهران لحلفائها الآخرين في المنطقة، وإن ظلت تحتفظ بالورقة الحوثية للضغط والمساومة، لتحقيق مكاسب في ملفات أخرى، لا سيما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وما يعقبه من عقوبات اقتصادية قاسية تنتظرها إيران، الأمر الذي قد يدفعها إلى توظيف أوراقها كافة- ومن بينها الورقة الحوثية - للتصعيد الإقليمي، خاصة أن معاركها هي بالأساس خارج الأراضي الإيرانية، الأمر الذي يؤكد أن السلام في اليمن لا يمكن أن يمر عبر طهران، لذلك فالمتوقع أن تشهد المنطقة مزيدا من التوتر وعدم الاستقرار. 
- حدود قدرة الصواريخ الحوثية:
من خلال مراجعة أنواع الصواريخ التي أطلقها الحوثيون خلال الفترة الماضية، يتبين امتلاكهم لمنظومة صواريخ متنوعة المدى، استطاعوا الحصول عليها من أكثر من مصدر، بداية بعمليات التهريب التي نشطت فيها منذ ما قبل الحروب الحوثية مع الدولة اليمنية (2004 إلى 2009)، إضافة إلى ما استولوا عليه من القواعد العسكرية للجيش اليمني عقب الانقلاب على الشرعية عام 2014، وما حصلوا عليه فى أثناء تحالفهم مع الرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح، قبل وبعد مقتله، فضلا عن عمليات التطوير المحلي المستمرة لتلك المنظومة بمساعدة إيران. 
لكن يظل ما يمتلكه الحوثيون من صواريخ بالستية - سواء البعيدة أو المتوسطة أو القصيرة المدى-لا يمنحهم القدرة على الإفراط في استخدامها - خاصة الصواريخ الاستراتيجية- من دون إحداث تأثير حقيقي في مجريات الحرب أو تحقيق مكاسب حقيقية، نظراً لصعوبة الحصول عليها، وعدم قدرتهم على تهريبها، مع استمرار الحصار الشديد المفروض على المواني اليمنية.
أيضا، وبحسب خبراء عسكريين؛ فإن قدرة الحوثيين على تصنيع صواريخ بالستية بعيدة المدى، داخل اليمن تظل محدودة، وأقصى ما يمكن فعله هو تطوير ما لديهم من صواريخ للتلويح بها؛ دون أن تشكل خطورة حقيقية، سواء على الأراضي السعودية - طالما كانت الدفاعات الجوية قادرة على التصدي لها بنجاح- أو حتى على الأمن الإقليمي، في ظل وجود الأساطيل الدولية في باب المندب. 
- رسائل الصواريخ الحوثية:
تحمل الصواريخ الحوثية رسائل عدة، سواء لدول التحالف، أو للقوى الإقليمية والدولية، من أبرزها:
- إن الحوثيين لا يزالون موجودين على الأرض، ولا يزال لديهم القدرة على استهداف المدن السعودية، وتهديد المناطق الحيوية، غير أن تلك القدرة تتضائل، وتصبح غير ذي جدوى أمام نجاح منظومة الدفاع الجوي السعودي في التصدي لها، وهو ما يجعل الرهان الحوثي على نقل الحرب باتجاه الداخل السعودي، رهاناً خاسراً.
- امتلاك أوراق للضغط، حيث تظل الصواريخ الحوثية أهم وسائل الضغط على المملكة وقوات التحالف، يمكن من خلالها تحقيق بعض المكاسب، في حال ما تم القبول بعملية تسوية سياسية لإنهاء الحرب.
- إمكانية التصعيد الإقليمي والدولي، من خلال استهداف الملاحة في البحر الأحمر، وفي باب المندب، في حال ما اتجهت الحرب إلى غير مصلحة الحوثيين؛ الأمر الذي قد يزيد من التهديدات الأمنية، والعمليات الإرهابية، ويدفع بامتداد الصراع إلى دول إقليمية أخرى.
- موطن الخطورة:
لكن إلى أي مدى يمكن للصواريخ الحوثية أن تشكل تهديدا حقيقيا لأمن الرياض أو للأمن الإقليمي؟
تكمن خطورة الصواريخ الحوثية في وصولها إلى مناطق آهلة بالسكان، أو إلى الحقول النفطية، أو للمناطق الحيوية، أو إلى مكة المكرمة بما تحمله من مكانة دينية، وهو ما تحول الدفاعات الجوية السعودية دون حدوثه.
أما في حال ما استهدفت الصواريخ الحوثية للملاحة في البحر الحمر، سيكون ذلك بمنزلة مغامرة متهورة، قد يدفع الحوثيون وجودهم ذاته ثمنا لها، فقد تضطر القوى الدولية الدخول على خط الأزمة اليمنية لحماية مصالحها الحيوية، وهو ما يخشاه الحوثيون، رغم تلويحهم بتهديد الملاحة الدولية من وقت لآخر.
لكن يظل استخدام الحوثيين للصواريخ البالستية خيارهم الأكثر أهمية، وبالتالي لا يمكنهم التخلي عنه بسهولة، لما يمثله من أهمية في الحفاظ على سيطرتهم على الأرض، وإمكانية فرض شروطهم، في حال التوجه نحو أي عملية تفاوضية في المستقبل، والذي يتوقف على مدى قدرتهم على الاستمرار في الحرب لفترة أطول، وهو ما يتناقض مع مركزهم العسكري المتراجع على مختلف الجبهات.
من دون شك، يزيد استمرار إطلاق الحوثيين للصواريخ باتجاه الأراضي السعودية من الأعباء العسكرية على دول التحالف، لكنه قد يأتي بنتائج عكسية على غير ما يريده الحوثيون، فبدلاً من أن يشكّل عامل ضغط على السعودية لإيقاف الحرب، أو القبول بالتفاوض، يمكن أن يواجه بمزيد من الضربات الجوية، أو زيادة الحشد الدولي ضدهم، الأمر الذي قد يعجل بهزيمتهم.
وتشير التطورات العسكرية، وفق ما حققته قوات الشرعية والتحالف العربي من إنجازات؛ إلى أن حسم الحرب في اليمن أصبح وشيكا، وفي حال ما تم ذلك، سيكون بمنزلة استعادة جديدة لفاعلية الدور العربي الغائبة، ذلك أن الإنجاز في اليمن، يؤشر على فرص النجاح في ملفات أخرى، وهو ما تأمله الشعوب العربية منذ سنوات.
 

رابط دائم: