الأمن الاقتصادى .. ودور الدولة (3-3)
8-5-2018

جميل عفيفي
* مدير تحرير جريدة الأهرام
تعمل الدولة على زيادة القدرة الاقتصادية، باعتبارها مجالا مهما من مجالات الأمن القومي المصري، وهي الأساس في التنمية الشاملة للدولة، وتسخر مصر كل مجهوداتها من أجل تحقيق تنمية اقتصادية شاملة. وقد تطرقنا في المقالين السابقين إلى العناصر الاقتصادية: الزراعة، والصناعة، والموارد الطبيعية. وفي هذا المقال، سنطرح آخر عنصرين، وهما التجارة ورءوس الأموال .
 
 تعد التجارة من العناصر الأساسية في الاقتصاد المصري ، فلقد أدت الحاجة إلى منتجات الآخرين للحصول على الحاجات الأساسية والمهمة، ثم الترفيهية، إلى نشوء التجارة في صور مختلفة. بدأت بالتبادل، ثم صارت مقيّمة بالعملات وباستخدام أحدث مخترعات العصر وأهمها (الحاسبات الإلكترونية). والتجارة لا تكون بيعاً وشراءً للسلع فقط، وإنما يمكن أيضاً أن تكون تجارة خدمات. وهي ذات مستويات متعددة، فقد تكون داخلية (محلية) في إطار حدود الدولة، أو مع دول الجوار الجغرافي لتصبح إقليمية، أو في إطار منظمة معينة، أو خارجية مع دول أخرى بعيدة (تجارة دولية). 
وتسيطر طرق النقل ووسائله على أحوال التجارة. فتنتعش الأسواق التجارية، عندما تكون طرق النقل آمنة، ويزيد حجمها باكتشاف طرق جديدة، أو وسائل نقل حديثة. وتصبح طرق النقل (المواصلات) ذات أهمية استراتيجية، فتزيد أهميتها إذا كان يمر عبرها تجارة مادة خطرة أو استراتيجية (النفط مثلاً). وزيادة أهمية التجارة تعني زيادة أهمية المواقع المسيطرة على طرق المواصلات لتلك التجارة، مما قد يؤثر على أمن الدول الموجودة فيها تلك المواقع. (احتلت المملكة المتحدة كل المناطق التي تمر عبرها تجارتها مع الهند). 
ويزيد الانتعاش التجاري من الأرباح المترتبة على العمل التجاري والأعمال الأخرى المرتبطة به (النقل ـ التسويق ـ التكليف ـ الدعاية ـ الخدمات ..) وينتج عن ذلك تعظيم للربح، وزيادة دخل الدولة والمواطنين، بل إن عدداً من الدول تعتمد على التجارة لزيادة دخلها، وانتعاش اقتصادها.   وتظهر الحضارات دائماً على طرق التجارة، كما يزداد الوعي الثقافي والحضري في المدن القريبة منها, وهي أي التجارة  مكملة للعناصر السابقة (الزراعة والصناعة والتعدين)، حيث لا فائدة من تلك العناصر، من دون التجارة، التي عن طريقها يتم الحصول على المواد الأولية اللازمة، وكذلك يتم تصريف المنتجات بالبيع أو الاستبدال، والحصول على الأموال اللازمة للإنفاق على العناصر الأخرى، أو أوجه الصرف للدولة. 
وتعتبر التجارة العامل الأكثر أهمية في المجال الاقتصادي، من وجهة نظر الأمن القومي. فهي توفر للدولة احتياجاتها (واردات)، كما تصِّرف لها منتجاتها (صادرات)، وتمارس الدول التجارية تجارة خارجية بحتا (تجارة دولية)، لتزيد من أرباحها. كما يقوم بالتجارة الدولية شركات عالمية، انتشرت في النصف الثاني من القرن العشرين، وأصبحت قوة لا يستهان بها، لسيطرتها على الأسواق التجارية وأسواق المال. وأصبحت تلك الشركات أقوى من الحكومات في كثير من المناطق. 
وكما في الموارد الطبيعية (المعادن)، فإن الموقع التجاري يصبح أداة جذب للقوى الخارجية، ومطمعاً لاحتلاله (قديماً)، أو السيطرة عليه، وهو ما ينقص من أمن الدولة. ويؤدي تغيّر اتجاهات التجارة الخارجية إلى انكماش اقتصادي، وتخلف حضاري (حالة مصر بعد حقبة الكشوف الجغرافية باكتشاف رأس الرجاء الصالح، واستعادتها لمركزها التجاري المهم عقب حفر قناة السويس وافتتاحها(.
 تمت عدة اتفاقيات ومعاهدات دولية بشأن التجارة، كما نشأت عدة منظمات دولية لرعاية التجارة العالمية، كان آخرها وأهمها تلك المعروفة باسم "منظمة التجارة الدولية " وهي التي سعت لتحرير التجارة الدولية من السياسات الحمائية للدول (الرسوم الجمركية وقوانين الحد من الواردات والحصص المقننة وغيرها)، وصدر عنها عدة اتفاقات دولية، عرفت فيما بعد باتفاقية الجات General Agreement on Tariffs GATT .
 
وتعتبر  رءوس الاموال عنصرا أساسيا في المجال الاقتصادي، حيث تموِّل المؤسسات المالية القومية، المودع لديها رءوس الأموال القومية، المشروعات الزراعية والصناعية وحركة التجارة استيراداً وتصديراً. ويعود ذلك النشاط الاقتصادي بفوائد عديدة على أمن الدولة القومي. فإضافة إلى تنمية الزراعة والصناعة والتجارة، وزيادة دخل الدولة، نتيجة لهذه الأنشطة، فهو يزيد من حجم العمالة القومية، ويقلل نسبة البطالة. وتقوى المجالات الأخرى نتيجة زيادة الأنشطة الاقتصادية، وزيادة الدخل القومي للدولة. كما يرفع من مستوى معيشة الأفراد، ويساند ذلك المجالات الأخرى مرة ثانية. 
وتُعد رءوس الأموال موارد صناعية، تنشأ نتيجة أنشطة اقتصادية، توفر فائضاً يمكن ادخاره. لذلك، من المهم أن تزيد نسبة المدخرات القومية، التي يمكن أن تستخدمها الدولة في تمويل مشروعات جديدة، ترفع من نسبة العمالة، وتزيد من دخل الأفراد ودخل الدولة. ويؤدي نجاح المشروعات الاقتصادية المختلفة إلى تحقيق متطلبات الأمن القومي، وهو ما يعود بفوائد جمة على المجتمع، خاصة أن هذه الأنشطة تدعم تلقائياً العملة القومية.
وأكثر الفوائد أهمية لهذا النشاط الاقتصادي تقليل الاعتماد على القروض الأجنبية، والابتعاد عن دائرة الفوائد وخدمة الدَّين التي لا تنتهي. كما يهيئ حرية القرار السياسي، ويدعم ذلك الأمن القومي للدولة. 
يُلحق بهذا المجال (المجال الاقتصادي) الإمكانات العلمية، والتطور التقني بالدولة. وارتفاع مستوى هذا الاتجاه من شأنه أن يساند الأنشطة الاقتصادية المختلفة، مما يساعد على تحقيق تنمية حديثة وعصرية متقدمة. 

رابط دائم: