عن الهشاشة السياسية !
8-5-2018

د. إلهــام سيــف الدولــة حمــدان
* أستاذ العلوم اللغوية بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر
في عالم الطب المتقدم الآن؛ يطلقون على مرض "هشاشة العظام" بأنه "اللص الصامت"؛ لأنه يتسلل في صمت داخل الهيكل االعظمي للإنسان؛ دون ظهورأية أعراض جانبية حتى لحظة حدوث الكسر المفاجىء !
أما في عالم السياسة، فجهابذة السادة المُنظِّرين للأدبيات السياسية؛ يطلقون على الأحزاب المصابة بالخمول في مجتمعاتها، والمتهمة بعدم قدرتها على التفاعل الجاد بالحركة بين الجماهير، وعجزها عن تقديم قيادات جديدة من بين صفوف شبابها، وبأن رءوس كوادرهذه الأحزاب متفرغون للمباهاة والوجاهة الاجتماعية؛ بغية -الحصول على أقصى المكتسبات الشخصية من أراضٓ ومنتجعات وتصاريح استيراد وتصدير؛ وما يُترك من سقط المتاع في كل الاتجاهات؛ بأنهُم مصابون بمرض "الهشاشة السياسية" بجراثيمها التي تتغلغل بدورها في جذور وجنبات البنية الأساسية للمجتمع؛ لتنخر فيها كما نخر "السُّوس" عصا سليمان الحكيم .
 
ولكن هذه "الهشاشة السياسية" على النقيض تمامًا من "هشاشة العظام "؛ فهي ليست لصًا صامتًا على الإطلاق، بل تعطي باستمرار إنذارات بالضوء الأحمرلكل عطب في تروس أي آلة من آلات المجتمع، وكأنها تصرخ للمطالبة بسرعة الصيانة والإحلال والتجديد، ولكننا ـ بحكم العادات الاجتماعية المتأصلة فينا ـ لانقوم بتغيير إطارات السيارة إلا حين تقع كارثة، برغم وجود تعليمات التحذيرالمنقوشة على جسد تلك الإطارات؛ والتي تشرح للمستهلك بيان عدد الكيلومترات التي يجب ألا تتجاوزها في السيرعليها؛ وتحدد أيضًا السرعة القصوى التي يجب أن تسير بهذه الإطارات، ويتم الإطاحة بكل هذا عرض الحائط كما يقولون، وعند حدوث الكارثة نلقي باللوم والتبعات على الحكومة والقوانين والأرض التي نجري فوقها !
وحتى يكون لدينا قدرًا ـ ولو ضئيلاً ـ من الإنصاف للسياسة والسياسيين، وحتى لانقوم باتهامهم بالتسبب في هشاشة المجتمعات، يجب أن تقوم منظمات المجتمع المدني ـ والأحزاب خاصة ـ بدراسة مايسمَّى بالعلاقة الجدلية بينهم وبين اتجاهات ومقاصد الدولة المحددة في التشريعات والقوانين، ومدى مصداقيتها في طرق التطبيق لكل الأهداف السامية التي تهدف إلى إسعاد المواطن ورفاهيته، أو على الأقل الحفاظ على الحد الأدنى لإنسانيته وكرامته، مع ضرورة معرفة مدى ثقافة وإيمان هذه الكوادر بمشروعية الالتزام وسلامة التطبيق ـ دون غرضٍ أومرض ـ لهذه الاتجاهات الوطنية؛ وحبًا صادقًا لوجه الله والوطن .
ولنا أن نلقي نظرة سريعة على مايقوله علماء الاجتماع في هذا الصدد، فيقولون : "حظيت ظاهرة "الهشاشة " باهتمام غير مسبوق في تفاعلات الظاهرة السياسية، كونها من المفاهيم الحاكمة لحركة الأنظمة سواء الداخلية أو الخارجية في العلوم الاجتماعية، نظرًا لأن "الهشاشة" تُعد مفهومًا مركزيًا محملاً بدلالات معيارية ذات طابع سلبي بالأساس، خاصة انها ترتبط في فحواها بمظاهر الضعف الداخلي للنظام ووظائفه، والقابلية للاختراق الخارجي، فقد ركزت الدراسات المتعلقة بها على مفاهيم مثل الانكشاف والتقلُّب والاضطراب وكيفية الخروج من هذه الحالة غير المرغوب فيها، عبر طرح مفاهيم مضادة من قبيل الصمود والتماسك والتكيف والمرونة ... إلخ " **.
ومع احترامي لكل هذه التنظيرات التي تخاطب دارسي العلوم السياسية وأصحاب الأيديولوجيات، ولكنها لاتشفي غليل رجل الشارع العادي المهموم بالحفاظ على قوة البنية الاجتماعية والخوف عليها من التفتت والانهيار؛ ويضع قوانين "المنفعة الحدِّية" بحسب مافي جيبه من نقود، دون أن يكون قد قرأ حرفًا واحدًا مما كتبه الاقتصاديون في هذا الاتجاه !
ومن أجل هذا الرجل العادي ورفع المعاناة عن كاهله، بعد سنوات طويلة من أساليب " التجريف" التي مورست على المجتمع المصري في مجالات الحياة كافة، وتهميش العقليات العلمية والهندسية؛ والحيلولة دون إشراكهم في رسم السياسات المستقبلية للمجتمع؛ تقوم القيادة الوطنية بتقوية كل مايهدف إلى الحفاظ على عصب الاقتصاد القومي؛ والمناداة بعودة الطيور المهاجرة إلى أرض الوطن، وقامت باتخاذ القرارات التي تصب في صالح المجتمع وإعلاء قيمة المواطنة، وتنظيم العلاقات الاجتماعية المتوازنة بين مختلف الأطياف السياسية والعقائدية، والإيمان بتثقيف الكوادر الحزبية القادرة على أن تكون "مرآة" صادقة لتعكس نبض الجماهيروتجميع متطلباتها المشروعة، ويكون هذا هو السبيل إلى تحقيق المجتمع القوي؛ الذي يساعد الدولة في تحقيق كل الأهداف الموضوعة نصب أعينها، فالمجتمع الذي يحظى بكل هذه المقومات؛ يكون هو المدخل الحقيقي للدولة القوية؛ وتحول دون تغلغل "الهشاشة" في جدار المجتمع وبنيته التحتية .
وكل التمنيات القلبية بأن يقينا الله شر "الهشاشة السياسية والمجتمعية"؛ من أجل مصرنا المحروسة، لتبقى سيدة الأمم مهما تغافل الحاقدون .
 

رابط دائم: