مغزى وأهداف زيارة رئيس كوريا الشمالية إلى الصين
11-4-2018

رحاب عبد الحميد الكيال
* باحث في العلوم السياسية
أثار مجئ  قطار أخضر من الحدود الصينية، يوم الأحد 26 مارس 2018، عاصفة دولية من التكهنات بشأن حقيقته، وعَّمن يقلّه، وصدقت تكهنات الكثير من المحللين السياسيين، إن لم يكن أغلبهم، حول ماهية هذا القطار. فمع قدوم أولى الصور والأخبار بشأن هذا القطار، وتحديداً من اليابان، بالإضافة إلى لونه الأخضر المميز، والتعتيم الشديد بشأنه في الإعلام الصيني، كان كافياً في فك أحجية لغز هذا القطار، وهو أنه قادم من كوريا الشمالية، ويحمل معه كبار المسئولين من تلك الدولة، إن لم يكن رئيس الدولة نفسه كيم جونج أون. 
وارتبط وجود تلك العوامل مجتمعة معاً في أذهان الكثيرين من المحللين السياسيين بالأجواء الغامضة للزيارات الخارجية النادرة التي كان يقوم بها كل الرؤساء السابقين لكوريا الشمالية. ففي عام ١٩٨٢، قام جد  كيم جونج (كيم إيل سونج) بزيارته الأولى للصين باستخدام القطار، وفي عام ٢٠٠٠ وصل والد كيم،  كيم  جونج إيل، إلى الصين مستقلاً  القطار ذاته، خلال زيارته الأولى خارج البلاد منذ توليه السلطة عام 1994، واتسمت زيارته أيضاً بالتعتيم الإعلامي لها، إذ لم يعرف عنها إلا بعد انتهائها. 
وكان الإعلام الياباني أيضا هو أول من كشف قدوم القطار، ورصد أخباره، ومن ثم يبدو أن كيم جونغ يسير على خطى رحلات آبائه السابقين، فاستخدم نفس القطار العائلي الأخضر في أول زيارة خارجية له غير معلنة منذ توليه السلطة عام ٢٠١١. 
في ضوء المعطيات السابقة، يبدو أن كشف لغز هوية القطار الأخضر كان مهمة سهلة للمحللين السياسيين، غير أنه يبقى لغز توقيت قدومه، والهدف من زيارته غير الرسمية، بالإضافة إلى الآثار المترتبة عليه في المستقبل القريب غامضا بشكل كبير.
تبدأ محاوله لفك هذا اللغز بفهم مغزى التوقيت وهدف الزيارة، إذ يمكن القول إن الزيارة جاءت بنا، على دعوة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى كوريا الشمالية، وتمثل في حد ذاتها تحولاً كبيراً في العلاقات بين الدولتين. فبرغم كون الصين الحليف العسكري الوحيد لكوريا الشمالية منذ نشأتها عام ١٩٤٨، والشريك التجاري الرئيسي لها، فإن العلاقات بين البلدين توترت بشكل كبير منذ تولي كيم السلطة عام ٢٠١١، على خلفية إجرائه سلسلة من التجارب النووية والصاروخية خلال تلك الفترة، حيث دعمت بكين بقوة العقوبات الدولية على كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي. 
يضاف إلى ذلك، أن الصين لم تكن مدرجة على قائمة الزيارات التاريخية المرتقبة للرئيس كيم خلال الأسابيع القليلة المقبلة، حيث إن لديه موعداً مرتقباً مع كوريا الجنوبية في أبريل ٢٠١٨، وهو أول لقاء بين رؤساء الكوريتين منذ أكثر من ١٠ سنوات، فضلا عن قمته التاريخية المحتملة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قي مايو من العام نفسه بشأن برنامجه النووي.
 جاءت أيضا الزيارة في وقت تشهد فيه الصين والولايات المتحدة نزاعاً تجاريا قد يتطور ويصل إلى حرب تجارية بين البلدين. وإذا وضعنا كل تلك العوامل معاً فى الحسبان، فيمكن فك لغز توقيت قدوم القطار، والهدف منه، حيث حمل –على ما يبدو- رسالة مهمة، مفادها أن الصين قوة لا يمكن تهميشها في الصراع في شبه الجزيرة الكورية، وأنها لا تزال تتمتع بنفوذ واضح لدى كوريا الشمالية، وأنها أيضا حاضرة، وبقوة في أي مفاوضات بشأن برنامجها النووي.
 أما بالنسبة للآثار المحتملة لزيارة القطار على مستقبل المفاوضات المرتقبة، لاسيما مع الرئيس ترامب، فإنه يصعب الجزم بشأن تأثير تلك الزيارة فى نتائج تلك المفاوضات بحكم الطابع غير الرسمي لها. فالبعض يراها خطوة إيجابية في الطريق الصحيح نحو نجاح تلك المفاوضات، ومؤشراً قوياً على رغبة بيونج يانج على التفاوض بشأن برنامجها النووي، إن لم يكن التخلي عنه بشكل كامل، ونجاحاً للدبلوماسية الأمريكية التي مارست أقصى درجات الضغط على كوريا الشمالية. 
في المقابل، يرى البعض الآخر أن زيارة الصين ستُعِّقد بشكل ما أو بأخر مسار المفاوضات، وأنها بمنزلة حجر عثرة  في طريق نجاحها، أو على الأقل ستؤدي إلى تغيير التوقعات بالنسبة لنتائجها، فالتصريحات التي جاءت على لسان الرئيس الصيني ونظيره الكوري الشمالي خلال الزيارة  تحمل الكثير من المؤشرات على ذلك.
فحينما صرح كيم خلال الزيارة أن قضية نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية يمكن حلها إذا استجابت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة لجهوده بحسن نية ووفرتا الأجواء المناسبة للسلام والاستقرار، فإنه يضع بذلك شروطاً للتخلي عن سلاحه النووي، وهي أن قضية نزع السلاح النووي لن تشمل سلاحه هو فقط، وإنما أيضا كوريا الجنوبية، وهو ما قصده  بشبه الجزيرة الكورية. 
ويعني ذلك ضمنياً إنهاء التحالف الكوري الجنوبي - الأمريكي، وانسحاب القوات الأمريكية من شبه الجزيرة الكورية، فضلاً عن وضع حد لاستراتيجية الردع الموسع، والمظلة النووية الأمريكية، فحالما تم استيفاء تلك الشروط، ستبدأ بيونج يانغ في عمليه نزع السلاح النووي الخاص بها.
هذا أيضا ما أكده نظيره الصيني شي جين بينج، حينما أكد أن بلاده ستعمل مع كل الأطراف، بهدف تخفيف التوتر في شبه الجزيرة الكورية، فهو لم يشر فقط إلى التوتر الحاصل بسبب البرنامج النووي لكوريا الشمالية، وإنما أيضاً وجود القوات الأمريكية المتمركزة في الجنوب، حيث تجرى مناورات عسكرية منتظمة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. 
وأياً كانت ما ستئول إليه نتائج المفاوضات المرتقبة، فإن محطة بكين المفاجئة، التي توقف عندها القطار الكوري الشمالي في رحلته التفاوضية، لم تكن من قبيل المصادفة، وأنها سوف تؤثر بشكل ما أو بآخر في  نتائج تلك المفاوضات، فهي تعنى باختصار أن كيم جونج أون لن يضع سلاحه النووي بسهوله على طاولة المفاوضات مع ترامب.
 

رابط دائم: