قراءة في نتائج الجولة السادسة لوفد "توحيد الجيش الليبي" بالقاهرة
11-4-2018

د. منى سليمان
* باحثة فى العلوم السياسية.
اختتمت في القاهرة يوم 23 مارس 2018 الجولة السادسة من اجتماعات "توحيد الجيش الليبي"، وصدر بيان ختامي أكد فيه المشاركون أن مسار توحيد المؤسسة العسكرية الليبية هو بمنزلة نواة صلبة لدفع المسار السياسي إلى الأمام، خلال هذه المرحلة الحرجة والدقيقة من تاريخ البلاد، وتعهدوا بمواصلة اجتماعات القاهرة حتى الإعلان عن توحيد المؤسسة العسكرية الليبية بشكل نهائي. وقد استضافت القاهرة قبل هذه الجولة خمس جولات منذ منتصف عام 2017، بغية وضع استراتيجية لتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، بما يعزز الجهود الرامية للتخلص من خطر العناصر الإرهابية بليبيا، وفرض الأمن والاستقرار بالبلاد.
مضمون الجولات السابقة: 
بدأت القاهرة استضافة جولات توحيد الجيش الليبي في يوليو 2017، وتبنت مبدأ الحوار الشامل في كافة الملفات السياسية والعسكرية محل الخلاف بين الأطراف الليبية كسبيل لمعالجة تلك الاختلافات، وتم الاتفاق علي تشكيل لجان فنية مشتركة، لبحث آليات وإجراءات توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا. وشكلت القاهرة "اللجنة المصرية المعنية بليبيا" ويرأسها منذ نوفمبر 2017 مساعد وزير الدفاع المصري اللواء "محمد الكشكي"، وسبقه في رئاستها رئيس أركان الجيش المصري السابق مستشار رئيس الجمهورية الفريق "محمود حجازي". 
الجولتان الأولى والثانية: خصصت الجولتان الأولى والثانية لإرساء مبادئ الحوار بين الأطراف الليبية المختلفة، ولبحث ملفات الميليشيات وإعادة الجمع بين المؤسسة العسكرية والقبائل الليبية، لاسيما بعد تصاعد نفوذ الأخيرة سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا منذ عام 2011.
الجولة الثالثة: اختتمت الجولة في 2 نوفمبر 2017 بالقاهرة، وشارك فى الاجتماعات وفود عسكرية من المنطقتين الشرقية والغربية بليبيا، وشهدت الجولة الاتفاق على توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وبحثت طبيعة العلاقة بين السلطة المدنية والمؤسسة العسكرية، وكذا عملية إعادة هيكلة وتنظيم المؤسسة العسكرية. 
الجولة الرابعة: تعد أهم الجولات لأنها حددت مبادىء إعادة بناء الدولة والجيش الليبي، واختتمت أعمالها في 9 ديسمبر 2017 بالقاهرة، ونص بيانها الختامي على أربعة مبادئ هي: المبدأ الأول "وحدة ليبيا وسيادتها وأمنها وسلامتها والتأكيد على حرمة الدم الليبي وتعزيز المصالحة الوطنية الشاملة دون الانجرار أو الوقوع في فخ الخلافات الجهوية والمناطقية".  والثاني هو "الالتزام بإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة مبنية على مبادئ التداول السلمي للسلطة والتوافق وقبول الآخر ورفض كافة أشكال التهميش والإقصاء لأي طرف من الأطراف الليبية". والثالث "العمل على وحدة المؤسسة العسكرية الليبية واضطلاع الجيش الليبي بمسئولية الحفاظ على أمن وسيادة الدولة ومكافحة كافة أشكال التطرف والإرهاب ورفض كافة أشكال التدخل الأجنبي في الشأن الليبي". فيما نص المبدأ الرابع على "تأكيد مهنية ووطنية المؤسسة العسكرية الليبية وتعزيز قدراتها، وإبعادها عن مظاهر الصراعات الفكرية والعقائدية والجهوية والتجاذبات السياسية، مع تعهد الجميع بتوحيد جهود المؤسسة العسكرية، من خلال العمل والتوافق بين أبناء المؤسسة وتحت مظلة وطنية واحدة".
الجولة الخامسة: اختتمت أعمالها في 19 فبراير 2018 بالقاهرة، وحضرها أعضاء اللجنة المصرية المعنية بالشأن الليبي مع وفد من ممثلي المؤسسة العسكرية الليبية من كافة مناطق ليبيا. ووفق البيان الختامي لها، فإن المشاركين ناقشوا آليات تنفيذ ما تم الإتفاق عليه في الاجتماعات السابقة، لاسيما ما أسٍفرت عنه الجولة الرابعة، وأشاد وفد الجيش الليبي بالمكتسبات التي تحققت منذ انطلاق هذه الجولات، وأكد أنه لا مكان داخل المؤسسة العسكرية الليبية لأية توجهات سياسية أو عقائدية.
 
نتائج الجولة السادسة: 
استمرت الجولة السادسة أربعة أيام (20-23) مارس 2018 بالقاهرة، وقد شارك فيها من الوفد المصري رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء "عباس كامل"، ووزير الخارجية "سامح شكري"، ورئيس اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي، مساعد وزير الدفاع المصري، اللواء "محمد الكشكي". وشمل الوفد الليبي كلا من رئيسي أركان الجيش الليبي الفريق "عبدالعزيز الناظوري"، واللواء "عبدالرحمن الطويل"، رئيسي وفدي الجيش الليبي، اللواء "فرج الصوصاع"، واللواء "على عبدالجليل"، وأعضاء اللجنة الوطنية المعنية بالملف الليبي. وناقشت الاجتماعات آليات إعادة هيكلة وتنظيم المؤسسة العسكرية الليبية وما يتصل بها من ملفات معلقة. وأكد البيان الختامي لها على ما يلي: 
الإشادة بالدور المصري: وجه البيان الختامي الشكر للقيادة السياسية المصرية لما بذلته من جهود لتوحيد الصف الليبي، إنطلاقاً من دورها التاريخى تجاه ليبيا، حيث شكلت القاهرة  "اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي"، وأعلنت القاهرة أن وجود جيش ليبي قوي وموحد هو نواة أي عمل سياسي لتغيير الوضع الراهن في البلاد. كما أدارت القاهرة ست جولات لتوحيد الجيش الليبي بشكل يضمن إعادة توحيده على أسس مهنية واحترافية خالصة بما يجعله قادراً على الاضطلاع بدوره كضامن لوحدة الدولة المدنية في ليبيا وسيادتها على كامل ترابها الوطني، وحماية مقدراتها وثرواتها بحسبانها ملكاً خالصاً لأبناء الشعب الليبى.
تأكيد الثوابت الوطنية: وهي الثوابت الوطنية للجيش الليبي التي تم الاتفاق عليها خلال الجولة الرابعة وتتضمن .. الحفاظ على وحدة وسيادة ليبيا وعلى مدنية الدولة، وضرورة ابتعاد المؤسسة العسكرية عن الاستقطابات السياسية أو القبلية.
توحيد الجيش الليبي: جدد البيان تأكيد ضرورة الاستمرار في مشروع توحيد الجيش الليبى بما يجعله قادراً على التعاطى بشكل إيجابى وفاعل مع التحديات الأمنية والعسكرية الآنية والمستقبلية التي تواجهها الدولة الليبية، ومنها ما يتعلق بخطر الإرهاب أو الهجرة غير الشرعية أو الجريمة المنظمة أو غيرها من التهديدات التي من شأنها تهديد استقرار ليبيا.
استمرار جولات القاهرة: كشف البيان الختامي عن مواصلة الاجتماعات في القاهرة لاستكمال اللجان الفنية الأربع، التي تشكلت خلال الجولات الست، وهي المتعلقة بآليات التنفيذ والتطبيق الفعلى للمشروع الوطنى لتوحيد الجيش الليبى، بما يتلاءم مع المهام المنوط بها كل لجنة، وكذلك لتلبية متطلبات واحتياجات الدولة الليبية.
 
تحديات مستقبلية:
نجاح الجولة السادسة من جولات توحيد الجيش الليبي لا ينفي وجود العديد من التحديات السياسية والعسكرية التي تعرقل توحيد الأطراف الليبية، بغية إعادة بناء المؤسسة العسكرية التي هي أساس لإعادة بناء الدولة الليبية، ومنها:
الانقسام السياسي والعسكري: رغم الجهود المصرية والدولية التي بذلت لتوحيد الصف الليبي سياسيا وعسكريا، إلا أن التقارير الدولية تؤكد وجود ما يقرب من 1500 ميليشيا وحكومتين بليبيا، كما أن النزاعات المستمرة على اقتناص المناصب في القيادة السياسية الليبية، أو النزاع على المناصب القيادية البارزة بالجيش الليبيي هي أحد المعوقات التي عرقلت الإعلان عن جيش ليبي موحد حتى الآن، حيث يسيطر الجيش الليبي بقيادة المشير "خليفة حفتر" علي شرق ليبيا وتمتد سيطرته لبعض مدن الجنوب، بينما يسيطر جيش حكومة الوفاق الوطني وبعض الميليشيات المسلحة علي مدن غرب ليبيا. هذا الانقسام السياسي جعل ليبيا أرضا خصبة للجماعات الإرهابية وجماعات الاتجار البشر والميليشيات المسلحة على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها. ولذا نجد أن توحيد المؤسسة العسكرية الليبية هو الأساس لإنهاء الفوضى الأمنية بالبلاد، ولدفع المسار السياسى بالبلاد وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية نزيهة فى ليبيا التي من المقرر أن تعقد خلال عام 2018 الجاري.
تفاقم الوضع بالجنوب: تفاقمت مؤخرًا المواجهات العسكرية والاقتتال في مدن الجنوب الليبي، حيث شهدت مدينة سبها قتالًا مستمرًا بين قبيلتي "أولاد سليمان" و"التبو"، ورغم كونه توقف من عدة أسابيع إلا أنه يمكن أن يتجدد في أى وقت، فضلاً عن وجود ميليشيات وعناصر أفريقية مدعومة من بعض دول الخارجية بالجنوب، حيث تسعي للسيطرة عليه، ثم الدعوة لتقسيم ليبيا، لثلاث دول (شرقية، وغربية، وجنوب ليبيا ليكون موطنا للقبائل الإفريقية والأمازيغية والبربر)، مما دفع المشير "خليفة حفتر" لتحذير القبائل الافريقية للخروج من البلاد وهددهم باستخدام القوة لإخراجهم، فيما أعلنت حكومة الوفاق الوطني عن تشكيل لجنة وزارية وبرلمانية مشتركة، لتشخيص الواقع الأمني المتردي في جنوب ليبيا.
التدخلات الخارجية: منذ بدء الأزمة الليبية في فبراير 2011، وهي تشهد العديد من التدخلات الخارجية بمراحلها المختلفة، ولعل أحدثها التدخل العسكري الإيطالي حيث أرسلت روما في أغسطس 2017 قطعًا عسكرية بحرية لميناء طرابلس الليبي ما أحدث خلافًا حادًا بين "حفتر، السراج" تم احتواؤه فيما بعد. كما أن هناك دولا تقدم دعم عسكري ولوجيستي للميليشيات المسلحة لتستمر في سيطرتها على بعض المدن الليبية، ومنها تركيا، حيث تمكنت اليونان من توقيف سفينة أسلحة تركية في فبراير 2018 كانت متجهة لليبيا، كما أن هناك بعض الدول الأفريقية والعربية التي تقدم دعما للميليشيات وقبائل جنوب ليبيا للسيطرة عليها أو ربما التحريض على تقسيمها فيما بعد. ولذا يجب وقف هذه التدخلات لتتمكن الأطراف الليبية من التوصل لتسوية سياسية نهائية.  
 
وهذه التحديات يمكن مواجهتها عبر آليتين هما .. الأولي توظيف حالة الوفاق الليبي الحالية للتوصل لتسوية نهائية، حيث نشهد تقاربا بين الأطراف الليبية رغم الخلافات التي لا تزال محل بحث ورغبة حقيقية لديها في التوصل لتسوية سياسية نهائية ليكون عام 2018 هو عام ترسيخ الاستقرار بليبيا، والثانية دعم الدور المصري حيث تمكنت مصر من تحقيق نجاح ملموس في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية المختلفة، وهذا الدعم يجب أن يكون إقليميا ودوليا. كما يمكن وجود آلية للتنسيق بين الدورين المصري والفرنسي في ليبيا، لاسيما بعد صدور إعلان باريس لتوحيد الجيش الليبي برعاية الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" في منتصف 2017.
 
وفى الأخير، نجد أن مصر بنجاحها في توحيد الصف الليبي تؤكد ريادتها ودورها الإقليمي المؤثر الذي تضطلع به عبر سلسلة من الوساطات الناجحة في ملف المصالحة الفلسطينية، والملف الليبي، وملف جنوب السودان، مما يعزز مكانتها الإقليمية والدولية.
 

رابط دائم: