الأمن الاقتصادي .. ودور الدولة (2- 3)
31-3-2018

جميل عفيفي
* مدير تحرير جريدة الأهرام
في الوقت الذي تخوض فيه الدولة المصرية حربا ضروسا ضد الجماعات والتنظيمات الإرهابية الممولة من الخارج في سيناء، فإنها على الجانب الآخر وبالقوة نفسها تسعى الى تحسين الاقتصاد فى الدولة للوصول بها الى معدلات عالمية حتى يتحقق للمواطن المصري الحياة الكريمة.
في المقال السابق، عرضنا العنصر الأول من عناصر المجال الاقتصادى، وهو الزراعة وسنعرض اليوم لعنصرين هما الصناعة والمواد التعدينية.
تُعد الصناعة عصب الاقتصاد في العصر الحديث، ولا توجد دولة قوية، دون صناعة قوية. لذلك، فالدول الصناعية هي دائماً من الدول العظمي والكبرى. وقد انهار الاتحاد السوفيتي (وهو دولة عظمى)، عندما انهار اقتصاده، بانهيار الصناعة فيه (إضافة إلى عوامل أخرى)، وتنجح الدولة في رفع مستوى معيشة مواطنيها (وهي الهدف الأسمى للأمن القومي)، عندما تنجح في زيادة إنتاجها الصناعي وتسويقه، وتنتقل من مصاف الدول النامية إلى مرتبة الدول الصناعية أو الغنية (مثل الدول الآسيوية الملقبة بالنمور: إندونيسيا، وتايلاند، وماليزيا، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية). ويشترط أن تكون الصناعة القومية قائمة على تقنية ورءوس أموال وطنية، وإلا فإن هذا التقدم الصناعي والمالي، يصبح رهينة لهؤلاء الذين بيدهم التمويل ونقل التقنية. ولزيادة قوة الاقتصاد القومي، فإن الصناعة يجب أن ترتكز على أفرع صناعية مهمة، مثل الصناعات الثقيلة، وصناعة الصلب، وصناعة الآلات، والصناعات الإلكترونية المتقدمة. كما في الزراعة، فإن التكامل الصناعي مع الآخرين يزيد من قوة هذا المجال. 
ويدل النمو الصناعي للدولة على قوة اقتصادها، الذي ينعكس على باقي قوى الدولة. فتستطيع حماية مصالحها، وتحقق أهدافها القومية، وأمنها القومي. وغالباً ما تكون تلك الدولة مصنعة للأسلحة والمعدات الحربية، مما يزيد من قوتها وقدراتها. 
وبالنسبة للموارد التعدينية فهي موارد طبيعية، تُكتشف في باطن الأرض، وتقوم عليها صناعة التعدين لاستخراجها، فإما تصدر كلها بحالتها الخام، كما في معظم دول العالم النامى، أو يُصَنّعْ جزء منها (حسب طاقة الدولة التصنيعية)، لتصبح بنداً أساسيا في ميزانية الدولة، للاتفاق على المشروعات وتحسين الخدمات، واستيراد ما نقص في القطاعات الأخرى، لسد احتياجات السوق الداخلية والاستهلاك. 
وتوجد الموارد التعدينية (الطبيعية) في مناطق متجاورة (غالباً)، ويسميها الجيولوجيون "حزام الإنتاج". وتؤدي تلك الظاهرة إلى تجاور الدول المنتجة، وقـد تتقاسم منطقة الإنتاج نفسها، التي يدور، غالباً صراع سياسي أو عسكري للسيطرة عليها، أو قانوني للاتفاق على نسبة الملكية. 
كما أن قرب مناطق التعدين المتشابهة الإنتاج من بعضها تجعل التنافس بينها شديداً، خاصة إذا أنشأت الدول المتجاورة صناعات تحويلية قائمة على تلك الموارد، لتتشابه المنتجات التصنيعية كذلك (هذه الظاهرة واضحة تماماً في الإنتاج النفطي). 
وتصنف الموارد التعدينية إلى موارد خطرة، واستراتيجية، ومهمة، ودرجات أقل. وتعد المواد الخطرة هي الأكثر طلباً في العالم، لأهميتها في الحضارة الإنسانية، ومن أمثلتها مواد الطاقة بأنواعها (الفحم، والنفط، والغاز، والمواد المشعة أو القابلة للتخصيب الإشعاعي). أما المواد الاستراتيجية، فتشمل المعادن الصناعية، وعلى رأسها الحديد والنحاس، والمواد الضرورية في الصناعة كعامل مساعد، مثل المنجنيز. والمواد ذات الاستخدامات المتعددة (الفوسفات حيث ينتج منه السماد الكيماوي لتخصيب الأراضى الزراعية، وكذلك يستخرج منه اليورانيوم المشع بتكلفة قريبة من تكلفة استخراج الخام من الطبيعة)، والمعادن النفيسة، لندرة وجودها في العالم مثل (الذهب، والماس). 
ويزيد من قوة الدولة الاقتصادية، امتلاكها مناطق لإنتاج المعادن (مناجم، آبار). إلا أن اعتمادها كلياً على صادراتها من المواد الخام يجعلها في قبضة الدول الصناعية، التي تستورد منها الخام بأسعار محددة، وتكتل الدول المنتجة يزيد من قوة المساومة عند بيعه. إلا أنه يقابله عادة بتكتل مضاد للدول المصنعة، والتي في الغالب تكون المحتكرة لتسويق السلع المصنعة من ذلك الخام، ويعتبر خام النفط أفضل مثال على ذلك. 
ويتأثر أمن الدولة القومي بمواقع مناطق إنتاج الخام، ودرجة قربها من الحدود (مناطق القتال المتوقعة مستقبلاً)، حيث يمكن تدميرها وتعطيل الإنتاج فيها. أو قد يستولي عليها العدو (آبار النفط المصرية في سيناء، استولت عليها إسرائيل عقب حرب يونيو 1967، فحرمت مصر من هذه الثروة فترة طويلة، لحين استردادها). كذلك، فإن الموارد التعدينية المهمة والخطرة، والضرورية للآخرين، تصبح مصلحة حيوية لهم، يهتمون بالدفاع عنها وتأمينها، وهو ما ينتقص من أمن الدولة القومي، لاستخدامها قوات أجنبية (من تلك الدول ذات المصلحة الحيوية لديها، أو غيرها) لتأمين مواردها التعدينية. 
 

رابط دائم: