المسئولية الدولية تجاه مكافحة إرهاب ما بعد "داعش"
25-3-2018

د. ياسمين صالح
* دكتوراة في العلوم السياسية
يحتل موضوع الإرهاب حيزاً كبيراً من اهتمام فقهاء القانون الدولي والقانون الجنائي لما تشكله هذه الظاهرة من خطر جسيم على المجتمع، فضلا عن أن الدول لم تعد تتفق فيما بينها على تحديد مفهوم واحد للإرهاب. فالتوازنات الدوليـة المتغيرة أفـرزت تناقضات في وضع تعريف محدد لهذه الظاهرة بسبب تباين مصالحها. ففي وقت الحرب الباردة كانت الدول الغربية ترفض الإقرار بحق تقرير المصير للشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار لما يمثله ذلك من تهديد خطير يفقدها مصالحها. وهكذا غابت المعطيات واختلفت المفاهيم وزاد العنف، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بحيث أقدمت الإدارة الأمريكية على إشاعة أوهام وافتعال أحداث بحثا عن عدو يليق بمكانتها.
الإرهاب في نظر القانون الدولي:
إن جهود المجتمع الدولي من أجل مكافحة الإرهاب لجأت إلى عقد اتفاقيات تعني بتجريم أفعال محددة على أنها تشكل إرهابا دوليا، وتفرض التزامات محددة على الدول الموقعة لمكافحة هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها إلى المحاكمة. غير أن هذه الاتفاقيات لم تميز بين الإرهاب وعدد من الجرائم. ولقد ثابرت الأمم المتحدة في إطار جهودها لمكافحة الإرهاب على وضع عدة اتفاقيات.
موقف الأمم المتحدة من الإرهاب:
لقد نصت الأمم المتحدة على مجموعة من الاتفاقيات، ودعت الدول إلى التصديق عليها. وذلك عن طريق هيئاتها. ومن هذه الاتفاقيات اتفاقية طوكيو لسنة 1964، الخاصة بمكافحة الجرائم، وبعض الأعمال الأخرى المرتكبة على متن الطائرات، واتفاقية لاهاي لسنة 1970، المتعلقة بمكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، واتفاقية مونتريال لسنة 1971 المتعلقة بالأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني، واتفاقية منع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية، بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون، والمعاقبة عليها، واتفاقية نيويورك لسنة 1979 لمناهضة أخذ الرهائن، واتفاقية 1980 المتعلقة بالحماية المادية للمواد النووية، واتفاقية 1988، المتعلقة بقمع أعمال العنف غير المشروعة في المطارات التي تخدم الطيران المدني، واتفاقية 1988 لقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية، واتفاقية 1991 لتمييز المتفجرات البلاستيكية بغرض كشفها، وقرار الجمعية العامـة رقـم 52/165 لسنة 1997 لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل، والاتفاقية الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 54/109 لسنة 2000، المتعلقة بقمع وتمويل الإرهاب. والسؤال الذي يمكن طرحه هو: هل أن الإرهاب الدولي يشكل جريمة دولية أم لا؟ للإجابة على هذا التساؤل، يجدر بنا الرجوع إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث نصت المادة 20 على أنه: "لا جريمة إلا بنص" كما: "لا يسأل الشخص جنائيا بموجب هذا النظام الأساسي ما لم يشكل السلوك المعني، وقت وقوعه، جريمة تدخل في اختصاص المحكمة" غير أنه يمكننا البحث عن تجريم الإرهاب بصفة عامة.
الإرهاب وتشريعات الدول الكبرى:
اعتمدت دول العالم في قوانينها الداخلية خطر الإرهاب. فقد عدد القانون البريطاني، الإرهاب بأنه: "كل فعل يقصد به التأثير على الحكومة أو إخافة عامة الناس أو شريحة محددة منهم وذلك بدافع تحقيق هدف سياسي أو ديني أو أيديولوجي، والأفعال التي تسبب بضرر فادح للملكية وتهدد حياة شخص غير ذلك الذي ارتكب الفعل أو هدد بارتكابه وتنطوي على خطر للصحة والأمن العام". كما عَّرف النظام الأمريكي الإرهاب الدولي بأنه: "الأعمال التي تحرض على استخدام العنف أو أفعال خطيرة على حياة الإنسان، والتي تعتبر جرائم بمقتضى قوانين الولايات المتحدة الأمريكية أو أية دولة أخرى، ويكون القصد من هذه الأعمال إخافة مجموعة من المدنيين أو إجبارها على أمرها". أما القانون الكندي فيرى: "أن جريمة الإرهاب هو الفعل الذي يرتكب بغرض إخافة عامة الناس أو شريحة محددة منهم بالتعرض لأمنها بما في ذلك أمنها الاقتصادي أو إجبار شخص أو حكومة أو منظمة محلية أو عالمية على القيام بأي فعل أو الامتناع عنه، كما يقصد بالإرهاب قتل شخص أو التسبب له بإيذاء بدني جسيم عن طريق العنف وتعريض الصحة العامة والأمن العام للخطر". أما القانون الجزائي الفرنسي، فقد نصت المادة 421 منه على أنه: "تعتبر أعمالا إرهابية الأعمال التالية عندما ترتكب بشكل متعمد من قبل فرد أو جماعة بقصد إحداث اضطراب خطير في النظام العام باللجوء إلى التخويف والتهديد. غير أنه يظهر من خلال قوانين هذه الدول أنه لا يرقى لتعريف محدد لاعتبار الإرهاب جريمة دولية لأنها لا ترقى إلى وضع مبادئ عامة".
لذلك نرى أن الاختلاف حول  مفهوم الإرهاب وتحديد  عناصر الجرائم الإرهابية يعد من العوامل المساهمة في عرقلة  مكافحة الظاهرة والحد من تصاعد حدتها، فكافة النصوص القانونية التي عالجت الظاهرة الإرهابية سواء اتفاقيات دولية أو تشريعات داخلية للدول لم تتحر الدقة في ذلك حيث اتسمت بالعمومية أحيانا وبالغموض أحيانا أخرى. وعلى هذا الأساس يكون من الضروري  توحيد الجهود الدولية، وصولا إلى اتفاق يتضمن تحديدا دقيقا لمفهوم الإرهاب ضمانا لفعالية  مكافحة الظاهرة وصيانة لسيادة الدول وحماية للحقوق والحريات.
تنظيم "داعش" فى نظر القانون الدولى:
تشكّل تنظيم “داعش” الإرهابي في أبريل عام 2013، وقدّم في البدء على أنه اندماج بين ما يسمى بـ “دولة العراق الإسلامية”، التابع لتنظيم القاعدة الذي تشكّل في أكتوبر 2006 على يد أبوبكر البغدادى بعد اجتماع للفصائل المسلحة واختار “أبوعمر” قائدا للتنظيم، وهو آخذ في التطور وحصد الأسلحة والأموال والاستيلاء على المدن في العراق وسوريا وآبار النفط، بالإضافة إلى العمليات النوعية والتفجيرات الذي تبناها التنظيم والمجموعة التكفيرية المسلحة في سوريا المعروفة بـ”جبهة النصرة”. إلا أن هذا الاندماج الذي أعلن عنه أبوبكر البغدادي، رفضته “النصرة” على الفور.وبعد ذلك بشهرين أمر زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري بإلغاء الاندماج، إلا أن البغدادي أكمل العملية ليصبح تنظيم ”داعش” واحدة من أكبر الجماعات الإرهابية الرئيسية التي تقوم بالقتل والدمار في سوريا والعراق وينتشر بشكل رئيسي في العراق وسوريا وله فروع أخرى في جنوب اليمن وليبيا وسيناء والصومال ونيجيريا وباكستان
يتبنى تنظيم "داعش" الفكر السلفي الجهادي، وهو تنظيم مسلح بالدبابات والصواريخ والسيارات المصفحة والسيارات الرباعية الدفع والأسلحة المتنوعة التي حصلت عليها من الجيش العراقي والسوري، بالاضافة إلى الجيش البريطاني والأمريكي، وبعض قطاع الطرق الذين ظهروا بعد سقوط بغداد، ويحارب التنظيم حاليا الجيش العراقي، والشرطة العراقية، وقوات الصحوة العراقية، وقوات البشمركة، والجيش العربي السوري، وفصائل شيعية متنوعة، مثل حزب الله اللبناني والحرس الثوري الايراني، وحزب العمال الكردستاني، والجيش الحر في سوريا، والجبهة الإسلامية، وبالطبع التحالف الأمريكي.
وهنا يأتي التساؤل الأهم .. ما هي مصالح أمريكا ودول الغرب الاستعمارية في وجود تنظيم داعش في البلاد العربية، وهو أكثر التنظيمات إجراما ووحشية وقوة حتى الآن، فلا يمكن إنكار التقدم الذي أحرزه التنظيم لدرجة احتلال مدن كاملة في العراق.
إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح للعالم العربي بأن يتحد، وأن يكون قوة وفكراً يضاهي إحدى دول الغرب، وإن كانت تلبس ثوب الديمقراطية والتحرر إلا أنها من أكثر دول العالم عنصريةً وتشددا وإرهاباَ، فحرب العراق التي قتلت أكثر من مليون عراقيا، والتي زعمت الولايات المتحدة بوجود أسلحة نووية لتسهل أهدافها لم تكن أبداً لهذه المزاعم التي عرضتها، بل لأن العراق في عهد صدام شهد تطوراً حضارياً وعلمياً وتطوراً في صناعة الأسلحة، بعدما استقطب صدام حسين العلماء الروس بعد سقوط الإتحاد السوفيتي. من جهة أخرى، فإن تكاثر المسلمين في أمريكا وأوروبا وكثرة المراكز الإسلامية سبب أرقاً لهذه الدول، فكانت الحاجة لتنظيم يستقطب المسلمين من الدول الأوروبية ملحة.
فالاسم “الدولة الإسلامية” وحده سيجعل الإسلاميين المتشددين ينهمرون من العالم لمناصرة هذا التنظيم، وبالتالي تفرض أمريكا نفوذا أكثر في الوطن العربي تحت شعار محاربة الإرهاب، وتجلب دول الخليج بحجة دعم القضاء على الإرهاب والمخاطر التي قد تواجه الدول العربية، خصوصا دول الخليج من خطر "داعش". ومن جهة أخرى، تساعد على الإطاحة بالأسد وجيشه وهو من أكبر حلفاء إيران في المنطقة.
لقد بات الإرهاب ظاهرة لها أسبابها المتنوعة، وآثارها البالغة الخطورة. فالعالم بأكمله يبدو متفقا على عنصر الترويع، غير أن هناك عنصرا أساسيا يظل ناقصا، وهو إرادة الدول التي لا ترغب في أن تترك للمحكمة الدولية أو أية دولة أخرى أن تحكم على أشخاص يهددون بشكل مباشر أمنها الداخلي، ومن هذا المنطلق، فإننا نجد أن هذا العمل يمكن أي يلحق أضرارا بأية دولة، خاصة أن الحدود بين الأمن الداخلي والأمن الخارجي أصبحت متقاربة.
 

رابط دائم: