دلالات زيارة وزير الخارجية الفرنسي لطهران
25-3-2018

د. عبد الناصر سعيد
* خبير العلاقات الدولية
جاءت زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى إيران الأسبوع الماضي تلبية لدعوة نظيره الإيراني، والتي أرجئت من يناير الماضي بسبب المظاهرات في إيران. واستهدفت الزيارة، التي جاءت بعد 12 عاما على آخر زيارة لوزير خارجية فرنسي لإيران، تحريك العلاقات طويلة الأمد بين فرنسا إيران، بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، الذي مهد لرفع العقوبات الدولية، التي حالت دون تطور تلك العلاقات.
وقد سعت فرنسا إلى اتخاذ العديد من الإجراءات العملية في سبيل فتح المجال أمام التعاون مع إيران، على المستوى الاقتصادي والاستثمار في قطاعي الطاقة والسيارات، وفتح خطوط ائتمان للتعاون التجاري والمصرفي، وأعلن عن زيارة وفد اقتصادي فرنسي لإيران سبتمبر القادم في إطار تطوير العلاقات الاقتصادية المشتركة.
غير أن ملف العلاقات الفرنسية لم يكن الملف الوحيد المطروح للتباحث فى أثناء الزيارة، بل ثمة عدد من المطالب التي طرحها الوزير الفرنسي على إيران، لعل من أبرزها تبديد المخاوف الغربية عامة، والأمريكية خاصة، تجاه ما يتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، إلى جانب دفع إيران إلى الكف عن أنشطتها السياسية والعسكرية المزعزعة لأمن واستقرار المنطقة، وحثها على لعب دور فاعل لإنهاء الأزمة السورية، فضلا عن ملف حقوق الإنسان المتداعي بشدة في إيران، لاسيما بعد الاحتجاجات الشعبية الأخيرة.
- طمأنة وتهديد:
على الرغم من أن زيارة وزير الخارجية الفرنسي سبقتها أجواء من التوتر بين إيران والغرب، على خلفية ممارسات طهران الاستفزازية في المنطقة وبرنامجها للصواريخ الباليستية، فإن الوزير الفرنسي سعى إلى طمأنة إيران بوجود رغبة أوروبية حقيقية للإبقاء على الاتفاق النووي، بما يسهم في فتح الاقتصاد الإيراني أمام الاستثمارات العالمية، شريطة التزام طهران بتبديد المخاوف الغربية التي تتلاقى مع المطالب الأمريكية. ذلك أن عدم تعليق التجارب الصاروخية من شأنه إعادة العقوبات الدولية، التي بلا شك ستلحق المزيد من الضرر بالاقتصاد الإيراني المنهك بالأساس.
ومع إمعان إيران في رفض المطالب الغربية، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، ما لم تلتزم به إيران، وكذلك بقرار الأمم المتحدة رقم (2231)، الذي يفرض قيودا على تطوير إيران لقدراتها الصاروخية، بما يمكنها من حمل رءوس نووية، إضافة إلى القبول بمراجعة شروط الاتفاق، والتي تتعلق بالمدة الزمنية، وضمان تفتيش محكم من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمواقع الإيرانية، ومسألة رفع القيود المفروضة على البرنامج النووي. 
كما تتركز المخاوف الغربية في أن تطوير إيران لبرنامج الصواريخ الباليستية لا يتوافق مع حاجاتها الدفاعية الفعلية، واستمرار ذلك سيجعل إيران قادرة على تهديد المصالح الغربية في منطقة الخليج العربي، إضافة إلى إمكانية نقل الخبرة الإيرانية الصاروخية إلى أطراف إقليمية أخرى، أو تنظيمات إرهابية، فضلا عن أن إعادة العقوبات على إيران ستوقف الفرص الاستثمارية الأوربية لدى إيران، لذلك لا ترغب الدول الأوربية في فشل الاتفاق النووي. 
وكذلك عبرت إيران عن رغبتها في استمرار الاتفاق النووي، لكنها ترى أن الرضوخ للمطالب الأمريكية من شأنه أن يدخلها في دائرة الابتزاز الأمريكي، والمطالبة بما هو أكثر، مما يؤدي إلى إضعاف موقعها، وهو ما لا يمكن أن تقبله، خاصة بعد تمدد نفوذها في الشرق الأوسط، والذي يجب ألا تغفله الولايات المتحدة.
- مؤشرات سلبية:
بنهاية زيارة وزير الخارجية الفرنسي لإيران دون تحقيق أية مؤشرات إيجابية، نتيجة رفض إيران مناقشة برنامجها الصاروخي، بل وتأكيدها استمرار أنشطتها في المنطقة، ودون اكتراث بحقوق الإنسان، يصبح الاتفاق النووي في النهاية يواجه الفشل، خاصة أن المدة التي منحها الرئيس ترامب لإيران، والتي تنتهي في 12 مايو القادم، لا تكفي لاتخاذ قرار إيراني متوازن بشأن برنامجها للصورايخ الباليستية.
ذلك أن إصرار طهران على مواصلة تطوير برنامجها الصاروخي، ليبلغ مداها إلى 5000  كلم، إلى جانب التصريحات الاستفزازية للمسئولين الإيرانيين، يعكس الكثير من المؤشرات السلبية التي تدعم المخاوف الغربية تجاه البرنامج الصاروخي الإيراني، والذي يؤدي إلى انهيار الاتفاق النووي، على الرغم من كل المساعي الأوروبية لمنعه.
- ماذا لو فشل الاتفاق؟
يصبح التساؤل الآن: ماذا لو نفذت الولايات المتحدة تهديدها بالانسحاب من الاتفاق النووي؟ هل يمكن أن تشهد المنطقة أجواء حرب إقليمية رغم ما تعانيه من صراعات وأوضاع مأساوية؟ 
ترى الدول الأوروبية أن فشل الاتفاق النووي يفتح الباب أمام دول المنطقة للحصول على أسلحة نووية، ويشجع دولا أخرى على المضي قدما في برامجها النووية. لذلك، ورغم تمسكها بالاتفاق النووي، فإنها لا تمانع فى فرض عقوبات جديدة على طهران، حال عدم الاستجابة للمطالب الغربية.
بالمقابل، هددت إيران- حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي- بمعاودة التخصيب بنسبة20%، في أقل فترة ممكنه، وبعيدا عن الرقابة الدولية، وإن كانت التهديدات الإيرانية تعكس مدى قلق طهران خشية إجبارها في نهاية المطاف على إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي، أو برنامجها الصاروخي أمام عودة العقوبات مرة أخرى، بعد أن منحها الاتفاق النووي الفرصة لتعافي اقتصادها.
وبالرغم من تأكيد المسئولين الإيرانيين المضي قدما نحو تطوير برنامج الصواريخ الباليستية، والذي يأتي في إطار محاولات الهيمنة السياسية والأمنية على المنطقة؛ فإن الأوضاع داخل إيران قد تدفعها إلى القبول بالمطالب الغربية، خشية انهيار نظامها بأكمله، لاسيما أن القيود المفروضة على برنامجها النووي سترفع عام 2026، وبالتالي فهي تحاول المناورة مع الغرب بغية تحقيق المزيد من المكاسب، في ظل استمرار الخلل الاستراتيجي بينها وبين دول الخليج العربي.
لكن ما ينبغي تأكيده هو أن إيران والقوى الكبرى يسعى كل منهما لضمان مصالحهما، دون الالتفات للمصالح العربية عموماً، ولدول الخليج العربي خصوصاً، وهو ما تؤكده الحقائق السياسة، التي لا ينبغي أن تفوت على ذهن قادتنا، ولا ساستنا، ولا شعوبنا العربية.
إن العرب بحاجة إلى تحسب خياراتهم، وإلى وجود رؤى عربية مشتركة أمام المعضلة الإيرانية، في ضوء التطورات الإقليمية الراهنة، خشية أن يفاجأوا بتحول إيران إلى قوة نووية، تصبح على أثرها مسألة خلق حالة من التوازن معها ضرورة حتمية.

رابط دائم: