الهند ونادى القوى العظمى
12-3-2018

حازم أبو السعود
* إعلامي مصري وزميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
 يتهاوى من حولنا عالم ويبزغ عالم آخر، ويظهر في الأفق نظام يحمل قواعد ومعايير مخالفة لما سبق، وتاريخ يخطو بسرعة فائقة، وكتل دولية قديمة تتشكل بصيغ جديدة، ويبرز في الميدان العالمي فاعلون جدد ولاعبون ينتمي بعضهم إلى الدولة الأمة والبعض الآخر عابر للقارات. قادمون برهانات جديدة وبقواعد مستحدثة، وبعضنا لا يزال يحفظ عن ظهر قلب قواعد اللعبة التي تكسرت أمام تحديات كبرى انتابت العالم( أزمات اقتصادية متلاحقة وانهيارات مالية طاحنة)، تحديات ومخاطر أثرت فى وغيرت من أوزان القوى الفاعلة في النظام العالمي، وأتاحت المجال لدول أخرى وجماعات استراتيجية ذات مصالح مشتركة  لتسهم في تشكيل خريطة جديدة للقوي العالمية المؤثرة في النظام الدولي المزمع إعادة تأسيسه في ضوء عنوان جديد هو"عالم بلا أقطاب".
وكثيرا ما تتم الإشارة إلى الهند بشكل متزايد " كـقوة عظمى صاعدة". ويمكن تعريف القوة العظمى بعدة طرق، أهمها التقليدى من خلال نفوذها السياسي أو قوتها العسكرية التى تدعمها قوتها الاقتصادية. وتعد الهند قوة اقتصادية رئيسية صاعدة بسرعة في الساحة العالمية. وهي الآن أكبر ديمقراطية في العالم، وثاني اكبر بلد من حيث تعداد السكان. وتظهر مقومات هذا الرخاء في كل مكان من النمو السريع للطبقة المتوسطة إلى توسيع شبكات الهواتف المحمولة وغيرها من مقومات التقدم الاقتصادى. إن الهند الان عضو نشط في المجتمع الدولي، ترغب القوى السياسية والاقتصادية في العالم فى كسب ودها،  وهو ما يعد مؤشرا قويا لمدى استعداد الهند للانضمام لنادي القوى العظمى.
 هل تضمن الهند مكانها في عالم القوى العظمى؟
وسط كل هذه الأحداث والتطورات المتلاحقة فى الهند، توجد عدة ملاحظات جديرة بالتوقف امامها، فلا يزال وراء كل هذا النجاح فجوة ضخمة بين الأغنياء والفقراء. صحيح أنه يوجد في الهند اكثر من 36 مليارديرا، لكن هناك 300 مليون هندي يعيشون على أقل من دولار في اليوم. إن الاقتصاد المتنامي للبلاد يخفي حقيقة انتشار الفقر والأمية وعدم المساواة. ومع بداية اهتمام العالم بالهند، زادت ثقة الناس في أنفسهم، وبدءوا يتأملون أنفسهم ويقولون (هل هذه هي الهند؟ هل هؤلاء نحن؟ إننا قادرون على إنجاز الكثير وإحداث كل التغييرات). وحول الأمر نفسه، هناك أيضا المرحلة التاريخية التي يمر بها العمل فى البلاد . فمنذ 400 عام، كانت الهند على الجانب الخاطئ من التاريخ، حيث تعرضت للاستعمار والخضوع. كما كانت تعاني مشكلات المجتمع الطبقي. أما اليوم، فهى على الجانب الصحيح من التاريخ، وبالفعل لا يوجد شيء يستطيع أن يوقف هذا المد الهندي الحادث الآن. إن الأمر يعتمد بالطبع على الازدهار الاقتصادي، لكن لا شك فى ان الثروة الثقافية هي التي ستخلق للهند من جهة اخرى وضعا يماثل القوى العظمى التي تعتقد أنها ستكون عليه. وحول ما إذا كان النمو الاقتصادي يفيد جميع قطاعات المجتمع، فإن الفروق  والاختلافات في الهند كبيرة للغاية. وإذا ما تحدثنا عن الناس الذين يستفيدون من النجاح والانفتاح الاقتصادي، فإن هؤلاء ينتمون إلى ما يطلق عليه ( الهند المـُشرق)، وهو الجزء المسلط عليه الضوء. لكن هناك من يعيشون في الجانب المظلم، لأنهم لا يستفيدون من هذا النمو. وحتى تتحول الهند لقوة عظمى، فعليها أن تتيح للجميع فرصا متساوية للعمل وفرصا متساوية للالتحاق بالتعليم. ويجب أن نفهم أن هذه تعد عملية تاريخية، ولن تحدث بين عشية وضحاها، فلن تصبح نيودلهي مثل نيويورك في ليلة واحدة. وعلى الجانب الاخر فى الهند، فهناك حركات جماهيرية كبرى. كما أن هناك تحريرا للطبقات الدنيا والمرأة. وحول ما إذا كان التقدم الاقتصادي يشمل الجميع بفوائدة، يمكن ملاحظة ان التقدم الاقتصادي يشمل الجميع بالفعل، وان كان فى احيان كثيرة لا يصل إلى الطبقات الدنيا في المجتمع في الوقت الحالي، لكنه يفيد الكثيرين. فأولا الطبقة المتوسطة بدأت في التوسع والازدياد، فقد ألقى التقدم الاقتصادي بظلاله على الجميع. ويمكننا أن نرى هذا من خلال بعض المجالات، مثل مجال الاتصالات. فعالم الاتصالات وفر وظائف لما يقرب من ستة إلى سبعة ملايين شخص بصورة غير مباشرة. ولا يقتصر الأمر على الموظفين ذوي الياقات البيضاء، بل تم توظيف الكثير من أفراد الطبقة الدنيا. وكذلك الحال في عالم الزراعة، حيث صارت النساء يحتلن مناصب كبيرة في عالم الزراعة، وازداد عدد وحجم المزارع الكبرى، التي توظف أشخاصا من مختلف الطبقات. فالمنصف يرى ان التقدم الاقتصادي ألقى بظله على الجميع
وبالرغم من منطقية هذة الرؤية، فإن هناك وجهة نظر مغايرة ترى ان التقدم الاقتصادي في الهند لم يشمل الجميع، حيث توسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وهناك فارق بين الهند المتقدمة اقتصاديا والتقدم الاقتصادي والتقدم التنموي، فلا شيء يحدث. ودائما ما يقال للشعب الهندى إن عليهم التزام الصمت والصبر. ومعظم الهنود لا يريدون أن تصبح مدينة مشرف أباد مثل نيودلهي، لكنهم يريدون بعض الخدمات الأساسية مثل المدارس والرعاية الصحية والفرص المتساوية.
أهم طموحات الشعب الهندى 
يشير بعض الكتاب الهنود لمقولة إنه " دائما ما يعوقنا هذه الأيام أسلوب الحكم السيئ. إن واحدا من أكبر أخطائنا هو النظام البيروقراطي. والآن يتجه نظام الحكم للنهج الصحيح مع الاهتمام بالصحافة. إننا نثق كثيرا في البيروقراطية التي وصفها نهرو في الخمسينيات بمزرعة الحديد الهندية. لكن البيروقراطية لم تؤت ثمارها، ولم نتمكن من مساءلتها".
مخاطر عدم العدالة الإجتماعية فى الهند
وحول ماهية المخاطر التي ستنتج في حال لم يلق التقدم الاقتصادي بظلاله على الجميع، يعتقد بعض الصحفيين الهنود أن هذه مشكلة حقيقية، لأن هناك أيضا حركات احتجاجية تستخدم العنف ضد الدولة. وعندما تغيب الحكومة، فإن هذا لا يعني أن المجتمع سيتحول إلى جنة، لأننا اكتشفنا مؤخرا أن نصف أطفال الهند يعانون نقص الوزن، فنحن نتحدث هنا عن نقص الطعام وسوء التغذية لعدد كبير من أطفال الهند، كذلك هناك نقص في التعليم. وهكذا، فإننا نرى الاختلافات والفروق ليس فقط في مستوى الدخل، ولكن في مجالات التعليم والرعاية الصحية، لو كانت هناك رعاية صحية. إن الأمر مكلف للغاية بالنسبة للفقراء للحصول على التعليم أو الرعاية الصحية، بل إن الأمر يتعلق أيضا بالإسكان. فأغلب سكان مدن مثل دلهي وبومباي يعيشون في أحياء وظروف متواضعة للغاية. ونتفق مع مقولة  إن نظام الحكم هو القضية الأهم، لأننا لو عالجنا نظام الحكم، فإننا سنعالج قضيتى التعليم والصحة وغيرهما. لذا، فهم يرون أن التعليم والصحة هما القضيتان الأكثر إلحاحا الآن، فلو لم يتعلم الناس، فإنهم لن يتمكنوا من اتخاذ قراراتهم. وإن لم يكونوا أصحاء، فإنه لن يكون من المهم وقتها ما إذا كانوا قادرين على اتخاذ قرار أم لا. اليوم هم يقولون إن الهند قد تكون البلد الأكبر في العالم، وإنها قد تشكل خطرا على بلدان أخرى فيما يتعلق بالعمالة. لكن لا يمكن إغفال ان هناك مشكلة فى الحصول على أشخاص متعلمين يمكنهم أن يمارسوا وظائفهم. الا ان هذا يعد أمرا جيدا، لأنه يعني أن الهند عليها أن تبدأ بالتعليم في المستقبل .
والخلاصة وبالنظر الى مكانة الهند الإقتصادية عالميا، فسنجد انها ثالث أكبر اقتصاد في آسيا بعد الصين واليابان. ومن المتوقع أن تصبح قوة فاعلة في النظام الدولي الجديد لما تتمتع به من نمو اقتصادي وارتفاع الناتج الإجمالي، وتوسيع القطاع الصناعي القائم على تكنولوجيا المعلومات، كما تتمتع باقتصاد متشعب أدى إلى تنوع اقتصاداتها، بالإضافة إلى القوى العسكرية التي ترشحها لممارسة دور محوري اكبر في الشئون الآسيوية والعالمية.  
 

رابط دائم: