لماذا تطمع إسرائيل فى المياه العربية؟
5-3-2018

حازم أبو السعود
* إعلامي مصري وزميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
نقلت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية عن هيئة المياه الإسرائيلية مخاوف كبيرة من إن إسرائيل تقترب من أزمة مياه حادة، مشيرة إلى أن الحكومة وضعت خطة لتوصيل المياه إلى المنازل والمزارع حتى عام 2050، بتكلفة 2.2 مليار دولار. ولفتت الصحيفة إلى أن مستويات الأمطار، في فبراير الماضى، كانت جيدة، وتسببت فى عدم حدوث موجة جفاف في البلاد هذا العام، رغم وجود تقارير باحتمال حدوث الجفاف من قبل سلطة المياه في إسرائيل.
ونقلت صحيفة "هاآرتس" عن مسئول إسرائيلي، رفض الكشف عن هويته، أن مستوى مياه بحيرة طبرية لن يعود إلى سابق عهده، مشيرا إلى أنها يمكن أن تختفي خلال عشرين عاما.
وذكرت الصحيفة أن أزمة المياه ستكون لها تبعات في العديد من نواحى الحياة في إسرائيل، مشيرة إلى أنه تم تأجيل إنشاء مجمعات سكنية لألف مواطن في مدينة هرتسليا لهذا السبب.
وتعد بحيرة طبرية مصدر المياه العذبة الأول في إسرائيل، ويمكنها أن تمد معظم إسرائيل بالمياه، في حال تعطلت محطات تحلية المياه في البلاد لأي سبب من الأسباب، وفقا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وبالرغم من جميع الجهود التى تبذلها إسرائيل للسيطرة على نقص المياه لديها، فإن مشكلة المياه ستظل هى المشكلة الرئيسية منذ نشأتها وحتى الآن والتى تحد من زيادة التوسع فى مجال الرقعة الزراعية، والعديد من المشاريع الإنمائية، والتأثير السلبى المباشر فى كيفية توفير الحاجات الأساسية من المواد الغذائية لدولة مفتوحة للهجرة، وتسعى بشتى الطرق للعمل على استقبال جميع يهود العالم للاستقرار بها. 
تبلغ جملة جميع موارد المياه فى إسرائيل ما لا يتجاوز (1.2 مليار متر مكعب) من المياه وهذه الكمية لا تكفى المتطلبات الإسرائيلية مستقبلا، حيث تقدر نسبة العجز (مليار متر مكعب) تقريبا.
ومن هنا، تأتى فكرة الأطماع الإسرائيلية في مياه النيل، وتعود جذورها إلى مؤسس المشروع الصهيوني "تيودور هرتزل" عام 1903، عندما تقدم إلى الحكومة البريطانية  بمشروع للحصول على جزء من مياه النيل عبر تحويلها إلى صحراء النقب من خلال سيناء، وهو ما أكد عليه ديفيد بن جوريون عام 1955من أن إسرائيل سوف تضطر مستقبلاً لخوض معارك مياه مع العرب، ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية للاستيلاء على مياه النيل. ففى عام 1974 طرح "إليشع كالي، مهندس إسرائيلي" مشروع يقضي بنقل مياه النيل عن طريق سحارة أسفل قناة السويس، ثم تبني الخبير الإسرائيلي، النائب السابق لمدير هيئة المياه الإسرائيلية"، تصوراً يستهدف نقل مياه النيل إلى إسرائيل عبر شق ست قنوات تحت مياه قناة السويس، وارتكز هـذا المشروع علي نقل مليار م3، لري صحراء النقب منها 150 مليون م3 لقطاع غزة.
ثم خلص مشروع "ترعة السلام" إلي أن حصص المياه التي تقررت لبلدان حوض النيل ليست عادلة، وذلك لأنها تقررت في وقت سابق على استقلالهم، وأن إسرائيل كفيلة بأن تقدم لهذه الدول التقنية التي تملكها من ترويض مجرى النيل.
وفى مرحلة لاحقة أوضح "ارنون سوفير، الأكاديمي في جامعة حيفا" في كتاب له بعنوان "الصراع علي المياه في الشرق الأوسط"، أن لإسرائيل مصالح استراتيجية في حوض النيل، وأن توزيع المياه بين دول الحوض يؤثر مباشرة في إسرائيل، ولذلك فهي تنسق في هذا السياق مع إثيوبيا وسائر دول الحوض، من خلال سياسات ومصالح استراتيجية. وفى نفس هذا الاطار، أكد "شيمون بيريز" في كتابه الشرق الأوسط الجديد الذي صدر في مطلع التسعينيات إلي أن إسرائيل احتاجت في الحرب إلي السلاح، وهي تحتاج في السلم إلى المياه. 
وفى سياق متصل، يأتى توضيح وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق، عضو الكنيست" في محاضرة استراتيجية في 30 أكتوبر 2008 أسباب اهتمام إسرائيل بالوضع في السودان ومنابع النيل والقرن الأفريقي وسعيها لتنفيذ خطة للتدخل في دارفور علي غرار ما فعلته في جنوب السودان، جاء فيها أن استهداف السودان ليس لذاته فقط، ولكن لأن السودان يشكل عمقاً استراتيجياً لمصر، وهو ما تجسد بعد حرب يونيو 1967، عندما تحول السودان إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية هو وليبيا، كما أرسل السودان قوات إلى منطقة القناة، أثناء حرب الاستنزاف التي شنتها مصر منذ عام 1968، وخلص لضرورة الدخول في علاقات مباشرة وشاملة مع دول المنابع والقرن الأفريقي.
مصادر المياه فى إسرائيل:
تتنوع موارد المياه فى إسرائيل ما بين مصادر سطحية، مثل نهر الأردن أو نهر الليطانى اللبنانى، أو بحيرة طبرية، ومصادر جوفية، مثل بعض الآبار أو مياه الأمطار، أو من خلال تحلية مياه البحر الموجودة على سواحل البحر المتوسط، أو البحر الأحمر أو إعادة استخدام، أو نقل من الخارج 
وهناك مبدآن يحكمان وجهة النظر الإسرائيلية فى موضوع المياه أولهما مبدأ حق الأسبقية، بمعنى أنه ليس من حق الفلسطينيين أن يطلبوا حقا ثابتا فى المياه التى استطاعت إسرائيل سحبها، أى أن تلك المياه كانت موجودة فى الأراضى الفلسطينية ولم يستغلها الفلسطينيون، بما أنه كانت لديهم مياه تزيد عن حاجتهم ولم يستغلوها (من وجهة نظر إسرائيل).
ثانيهما، مبدأ الملكية المنقولة والثابتة ويقصد به أن المياه تعد مصدراً ثابتاً، مثل الأرض، وبالتالى يستند الفلسطينيون إلى مبدأ حقيقى لأن عودة الأرض تعود معها المياه بينما تخالف إسرائيل هذا المبدأ وتقول إن هذه المياه من حقها لأنها نقلتها عبر أنابيب إلى إسرائيل.
نظرة مستقبلية:
تعد المياه أساسا مهما بالنسبة للفكر والأمن والاستراتيجية الصهيونية، لأن السيطرة على المياه كانت ولا تزال من أهم الأهداف التي يضعها هذا الكيان لتحويل الحلم الصهيوني بإقامة “دولته الكبرى” إلى واقع مادي في المنطقة العربية، حيث ارتبطت المياه طرديا بتحقيق أهم المرتكزات الأساسية لهذا الكيان كالهجرة والاستيطان، فكلما اتسعت السيطرة الإسرائيلية على المياه، اتسعت مساحته الاستيطانية، وزاد عدد مهاجريه، وتدعمت بالتالي أركانه.
وينبغى وضع عدة أسس عند تناول النظرة المستقبلية لمشكة المياه فى إسرائيل فوجود الكيان الصهيوني في المنطقة أوجد خللا في توزيع المياه، لأنه كيان استعماري يبحث عن الماء لجذب وإرواء عطش آلاف المستوطنين الذين يهاجرون إليه. فى حين لا تزال ردود الأفعال العربية في مواجهة الأهداف الإسرائيلية تقف عند حدود المواجهة الإعلامية، لا الفكرية، أو التنفيذية، أو التنظيمية. 
استراتيجية مجابهة الأطماع الإسرائيلية فى المياه العربية:

 

1- أهمية إيجاد سياسة عربية مائية موحدة لأن مشكلة المياه مشكلة مشتركة بين معظم الدول العربية، مما يجعل أية دولة عربية عاجزة عن حلها منفردة.
2- إنشاء هيئة عربية تابعة لجامعة الدول العربية تختص بشئون المياه، تكون مهامها وضع هذه السياسة، والإشراف ومتابعة تنفيذها، ودعم المشاريع المائية العربية.
3- وضع رؤية عربية لحماية الأمن القومي العربي المائى، ووضع حد للسيطرة الإسرائيلية على الثروات المائية العربية.
4- ضرورة دراسة المفاوض العربي للحسابات الإسرائيلية حول المياه، فى حال، إجراء مفاوضات تسوية في المنطقة.
5- أهمية الاحتفاظ بعلاقات استراتيجية مع دول الجوار المائى، مثل دول حوض النيل وتركيا ومواجهة التحركات الإسرائيلية لاستغلال الغياب العربى في هذا الشأن.
6- تفعيل دور المؤسسات التعليمية ومراكز البحوث والباحثين للقيام بالدراسات حول الوضع المائي العربي والاستفادة الفعلية من نتائج هذة البحوث.
7- توعية الشعوب العربية بأهمية المياه والحفاظ عليها وخطورة الصراع حول مصادرها، وأنها تمثل تهديدا للأجيال القادمة.
8- وضع خطة تنفيذية لاستغلال المياه المهدرة عند مصبات الأنهار العربية، من خلال تعاون اقتصادى عربى يهدف لإنشاء مشروعات رى للحفاظ على هذه المياه.
9- وضع آلية تنسيق سياسى اقتصادى عسكرى عربى يهدف الى منع الخضوع لضغوط الدول المتحكمة في منابع الأنهار.
والخلاصة أننا نقف أمام مجموعة من العلاقات والمصالح الدولية المتشابكة فى ملف تضعه إسرائيل على رأس أولوياتها لأنه يتعلق بأمنها القومى ومستقبل وجودها فى المنطقة ولعل هذة الأهمية تفسر لنا الكثير مما يدور حولنا فيما يتعلق بمشكلات المياه، سواء فى مصر أو فى الوطن العربى، فإلى متى سيستمر العالم العربى فى موقف المتفرج؟
 

رابط دائم: