التطورات اليمنية في ضوء تحرير صعدة
24-2-2018

د. عبد الناصر سعيد
* خبير العلاقات الدولية
تدخل الحرب اليمنية عامها الرابع، وسط أجواء تؤهلها للاستمرار سنوات عديدة، انطلاقا من تعدد الأطراف المتصارعة، وعدم تمكن أي طرف منها حسم الحرب لصالحه حتى الآن، وما تكتظ به الساحة اليمنية من مصالح متعارضة، و تدخلات خارجية متشابكة.
وتوضيحا لما سبق، يمكن كشف التطورات الأبرز على الساحة اليمنية في ضوء الجهود التي تبذلها قوات الشرعية والتحالف العربي للانتهاء من تحرير محافظة صعدة، والاستعداد لتحرير باقي المناطق الخاضعة للسيطرة الحوثية، خاصة العاصمة صنعاء ومحافظة عمران.
تطورات جبهات القتال:
كان لمقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح ديسمبر الماضي تأثير كبير فى تراجع قوة الميليشيات الحوثية، فقد انسحبت غالبية أفراد وضباط الحرس الجمهوري الموالي للرئيس الراحل، كما أدى مقتله إلى نفور شعبي وقبلي واسع من الحوثيين. 
وتشير التطورات الأخيرة للصراع في اليمن إلى قرب تحرير محافظة صعدة، من خلال سعي القوات الشرعية إلى فرض سيطرتها عليها، وعلى مينائها بشكل كامل، وهو ما يعد ضربة موجعة للميليشيات الحوثية لما تمثله هذه المحافظة على وجه التحديد من أهمية استراتيجية، كونها معقلهم الرئيسي، فقد يؤدي سقوطها إلى انهيار قوتهم العسكرية بشكل متسارع.
وفي حال تمكنت القوات الشرعية من إحكام سيطرتها على صعدة، سيمنح ذلك فرصة لتقدمها الميداني على الجبهات الأخرى، مما يفقد الميليشيات الحوثية السيطرة والتحكم بمجريات المعارك، لاسيما مع استمرار الخسائر الكبيرة التي تكبدتها في الفترة الأخيرة، وتمكن القوات الشرعية من أسر عدد كبير من عناصرهم.
وقد أدت التطورات الأخيرة على الساحة اليمنية إلى وجود حالات تمرد ضد الحوثيين في العاصمة صنعاء، وتهديد عدد من المسئولين التابعين للجماعة بالاستقالة، فضلا عن فرار عدد غير قليل من عناصرها إلى الخارج، وانضمام بعضهم إلى القوات الشرعية، وهو ما أدى إلى نقص شديد في عدد مقاتليها، ودفع الجماعة إلي تدشين حملة تجنيد واسعة في المناطق التي تسيطر عليها لتعزيز جبهة العاصمة صنعاء خشية سقوطها.
أهمية تحرير صعدة:
 تكمن أهمية تحرير محافظة صعدة من قبضة الميليشيات الحوثية في عدة مؤشرات: 
سيؤدي تحرير صعدة إلى انحسار الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، وإلى تتابع سقوط باقي المناطق الخاضعة لسيطرتهم في يد القوات الشرعية بشكل متسارع.
تضييق الخناق على الميليشيات الحوثية يوما بعد يوم، ووضع حد لعمليات تهريب الأسلحة القادمة إليهم، وتعزيز فرص القوات الشرعية في بدء عملية واسعة لتحرير باقي المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات، لاسيما محافظتي صنعاء وعمران.
تغير في ميزان القوى لصالح الحكومة الشرعية، مما يصعب الوضع على الميليشيات الحوثية، التي ستضطر إلى القبول بالتفاوض، إن لم تبادر هي بطلبه، تحت ضغط العمليات العسكرية، ولعل هناك اتجاها حوثيا نحو ذلك بالفعل.
عدم قدرة الحوثيين على إنهاء الصراع في اليمن لصالحهم، مما يجعلهم يلجأون إلى المناورة العسكرية أحيانا، والسعي إلى التفاوض أحيانا أخرى، خشية هزيمتهم وخروجهم من المشهد السياسي اليمني بلا أية مكاسب، وهو ما تقاتل الميليشيات الحوثية للحيلولة دون حدوث ذلك بالأساس.
كما أن هزيمة الحوثيين تعد بمثابة هزيمة للمشروع الإيراني في اليمن، وهو ما لا يمكن أن تقبله إيران بسهولة، رغم نفيها بشكل مستمر وجود أية علاقة لها بما يحدث في اليمن، الأمر الذي يدفع إيران إلى مساندة الميليشيات الحوثية بكل السبل، خشية تداعي النفوذ الإيراني في المناطق الأخرى.
هل باتت هزيمة الميليشيات الحوثية وشيكة؟
تعكس المؤشرات السابقة قرب الحسم العسكري في الصراع اليمني إلى حد كبير، وإن كان ذلك لا يعني التحول إلى الاستقرار بين عشية وضحاها. فرغم أن إنهاء الصراع اليمني مطلب كل الأطراف اليمنية، إلا أن ذلك مرهون بما قد يحققه كل طرف من مكاسب على الأرض، قبل الانتقال إلى التفاوض، وقبل القبول بأي حل لا يرضي عنه كل الأطراف، كون الصراع في اليمن صراعا سياسيا بالدرجة الأولى.
مما سبق، يمكن القول إن هناك أيضا مصلحة قوية لدى الأطراف الإقليمية والدولية في إنهاء الصراع في اليمن، ذلك لأن الجميع خاسر من هذا الصراع، وعدم وقف الصراع سيفاقم الخسائر المادية والبشرية لكل الأطراف المتصارعة، ولن يتمكن أي منها من بلوغ أهدافها، أو حتى حماية مصالحها، في ظل توافر جميع الشروط التي تجعل الصراع مستمرا.
وبالتالي، هناك ضرورة حتمية إلى لجوء كافة الأطراف اليمنية لعملية تفاوضية - متوقع لها أن تأتي عاجلا أو آجلا، وقد تطول – قد تفضي على الأقل إلى وقف تدهور الأوضاع الإنسانية، وتضع حدا لمعاناة الشعب اليمني، الذي بات يرزح تحت وطأة كارثة إنسانية من أسوأ ما يمكن أن يتعرض لها شعب.
في الوقت ذاته، فإن عدم انزلاق الصراع إلى تطورات مفاجئة يدفعه للامتداد لسنوات قادمة، خاصة أن تجربة الحروب اليمنية السابقة أثبتت عدم إمكانية حسم الصراع لأي من الأطراف، وإن كان هناك من يرفض التفاوض مع الحوثيين بالأساس، باعتبار أن أي حوار معهم إهدار لدماء الشهداء ولتضحيات الشعب اليمني طيلة السنوات الماضية.
 

رابط دائم: