البعد التنموي في استراتيجية العملية الشاملة "سيناء 2018"
20-2-2018

محمد فارس
* باحث في العلوم السياسية
على مر التاريخ، اندلعت حروب كثيرة بقرارات انفعالية وعشوائية، فكانت النتائج كارثية بين منتصر على جثث جنوده، ومنهزم بضياع أرضه، إلا أن ذلك ليس له سبيل أو مكان في مصر، لتعارضه مع  قيم العسكرية المصرية الراسخة في وجدان أبناء القوات المسلحة. فهذه المؤسسة العريقة تؤمن بأن امتلاك القوة يضمن السلام. فمنذ جيوش الشمس، التي قادها أحمس ومينا، مرورا بالسادات إلى عهد الرئيس السيسي، ومصر لا تحارب إلا حفاظا على أرضها ومقدرات شعبها، فهي لم تكن أبدا دولة معتدية، مهما يبلغ بها الحال من قوتها العسكرية التي لا تستخدم سوى في الحفاظ على الحياة.
من هذا المنطلق، بدأت القوات المسلحة المصرية في التاسع من شهر فبراير الجاري العملية الشاملة "سيناء 2018"، التي تهدف إلى القضاء على الإرهاب في شمال ووسط سيناء، والصحراء الغربية، وبعض الأماكن بمحافظات الدلتا، مع مجابهة الجرائم الأخرى المؤثرة فى الأمن والاستقرار الداخلي. وهذه العملية العسكرية، التي تشارك فيها الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، ووزارة الداخلية، لاقتلاع بذور الإرهاب، لم تكن وليدة اللحظة عند انطلاقها، مما يوضح أنها ليست كسابقاتها من العمليات التي يخوضها الجيش منذ بداية ما يسمى بأحداث الربيع العربي، الذي فتح الباب للتنظيمات الإرهابية لدخول سيناء بدعم من الدول المعادية لمصر والراعية لسيناريوهات هدم الدول العربية وتفكيك جيوشها، لكن هذا المخطط تحطم على صخرة القوات المسلحة المصرية، طبقا لما يؤكده الواقع.
 
مواجهة شاملة للإرهاب:
عقب ثورة الثلاثين من يونيو، اشتدت موجات الهجوم على مصر في شتى المجالات، وهو ما أدركته القيادة السياسية حينها، فكان لزاما عليها تطوير منظومة التسليح، لأن المستقبل القريب ينذر بالحرب. فمصر تخلصت من التبعية، واتجهت نحو البناء والتنمية المستدامة في رحلة صناعة المستقبل منذ أن تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عام 2014، لتدخل الدولة في ثورة العمل مع تعظيم الاستفادة من ثرواتها الطبيعية والبشرية، مستهدفة في ذلك تحقيق الفارق وبناء الإنسان من خلال منظومة متكاملة تتواكب مع المتغيرات التي يشهدها العالم.
ولأن مصر تمتلك من المقومات ما يجعلها عضوا في نادي الدول الكبرى، إذا توافرت الإرادة والإدارة الحكيمة، والمصحوبة بثقة الشعب فيمن يحكمه، كما هو الحال الآن، اشتدت المعركة عليها لوقف هذا التقدم، فهناك دول في محيطها الإقليمي لا تريد ذلك، وتدعم عدم استكمال مسيرته. إلا أن السياسات الحاكمة للدولة المصرية تتجاوز بشكل سلس تلك العقبات من خلال الحرب الشاملة على جبهات متعددة والعمل في شتى المجالات والقطاعات. فالرئيس، قبل أن يكون وزيرا للدفاع، كان رئيسا للمخابرات الحربية، لذلك يمتلك ويجيد من الفنون السياسية والعسكرية ما يجعله قادرا على تحقيق خططه الاستراتيجية.
 
تحركات محسوبة:
في التاسع والعشرين من نوفمبر 2017، أمهل الرئيس عبد الفتاح السيسي كلا من الفريق محمد فريد حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، واللواء مجدي عبد الغفار، وزير الداخلية، ثلاثة أشهر لتطهير سيناء من الإرهاب واستعادة الأمن والاستقرار بها، واستخدام القوة الغاشمة ضد الإرهاب واقتلاعه من جذوره، لتصبح تلك البقعة المحورية مؤهلة لتحقيق المستهدف فيها من التنمية التي بدأت بالفعل منذ القيام بأعمال حفر قناة السويس الجديدة، لتعظيم الاستفادة مما تتمتع به جغرافيا وما تحتضنه من ثروات، وما يمكن أن تحققه اقتصاديا في خطة التنمية 2030 لتصبح قاطرة للتنمية ذات مردود إيجابي في منظومة تحقيق الفارق.
وتعتمد استراتيجية وخطط مكافحة الإرهاب التي تقوم بها مصر على أربعة محاور رئيسية : 
1- امتلاك القدرة على محاربة الإرهاب بأسلحة متطورة وقادرة على سحقه، لأن قوة رد الفعل تمنع تكرار الفعل.
2- تأمين الحدود لمنع اختراقها وعودة العناصر الإرهابية لسيناء مرة أخرى، لضمان السلام الذي يحتاج إلى الاستعداد دائما للحرب. 
3- بناء ما يعين أهل سيناء على التخلص من آثار الإرهاب، وهو ما يدفعهم للارتماء في أحضان الدولة، ولتصبح مصالحهم مشتركة مع مصالحها، وهو ما يقوم به الجيش حاليا بشكل فعلي وملموس.
4 - العمل على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة بهذا الإقليم مع إحداث نقلة نوعية في استراتيجية محاربة الإرهاب عسكريا ووأده بسلاح التنمية، وهو ما ينتهجه الرئيس السيسي منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة.
 
رؤية جديدة لسيناء:
وما سبق يجب أن يصاحبه توطين مالا يقل عن خمسة ملايين مواطن في شمال ووسط سيناء بعد القضاء تماما على الإرهاب، بهدف خلق مجتمعات حديثة ومتطورة تكن حائط الصد لعودة تلك التنظيمات الإرهابية مرة أخرى، وحمايتها من المطامع، وذلك بالتزامن مع الرؤية المستقبلية لتطوير سيناء، والتي بدأت فعليا بالعمل على مشروع إقليم قناة السويس، لتصبح هذه المنطقة فيما هو قادم من الأيام نقطة ارتكاز للسياحة والتجارة الدولية والصناعات التكاملية والنقل كمركز لوجيستي عالمي، مع الاهتمام بالزراعة في سهول العريش الخصبة. 
لذلك، فإن العملية سيناء 2018 التي تخوضها قوات إنفاذ القانون من الجيش والشرطة تعد ملحمة جديدة تحمل أفكارا بالغة التطور في مفهوم الحروب. فالقوات تحارب على الجبهة لتطهير الأرض لتصبح ممهدة لنثر واحتضان بذور المستقبل ليتحقق الفارق. وفي الأثناء نفسها، تقوم الدولة بالحرب على الفقر، وإحداث التنمية، مما يجعل المعركة المصيرية - سيناء 2018 - تستحق، وعن جدارة، لقب الحرب الشاملة. 
 

رابط دائم: