بين إنكار الحقائق وتزييفها.. الحيل النفسية للإخوان في التعاطي مع العملية "سيناء 2018"
14-2-2018

عزة هاشم أحمد
* باحثة في العلوم السياسية
تعد سيكولوجية الشخصية الإخوانية مجالا خصبا للبحث والدراسة، خاصة في ظل ما تتضمنه من تعقيدات نفسية وإشكاليات في التعامل مع الواقع المحيط والآخر بشكل عام. فالاعتقاد بالسمو وحيازة الحقيقة والحق المطلق جعل من الشخصية الإخوانية نموذجا للانحراف النفسي الذي بدا بوضوح في رفض الاعتراف بالواقع وإنكاره، والهروب منه إلى تصورات مشوهة حول الذات والآخر. وعلى الرغم مما تعرضت له الجماعة من "عري نفسي" عقب 30 يونيو، إلا أنها لا تزال غارقة في أوهام الاضطهاد ورافضة الاعتراف بالأمر الواقع، هذا الرفض هو الذي يجعل إطلاق عملية بحجم العملية سيناء 2018 مصدرا للتأزم والصراع النفسي لدى عناصر الجماعة والموالين لها، خاصة أنها تأتي بنقيض الرسائل التي عكفت وسائل إعلام الجماعة على ترويجها الفترة الماضية، بل يمكن وصف العملية بأنها بمثابة "صفعة نفسية" تلقتها الجماعة لتبدي ردا تقليديا وتفاعلا مستهلكا، استخدمت فيه نفس الحجج والتبريرات والشائعات التي تقوم بتصعيدها عقب كل إنجاز يتم تحقيقه، وهو ما دفع النوافذ الإعلامية للجماعة، والمواقع المتحدثة بلسانها، على مواقع التواصل الاجتماعي إلى اللجوء لعدد من الحيل النفسية في التعامل مع العملية ونتائجها.
البعد النفسي في خطاب الإخوان:
لقد خلق إطلاق العملية سيناء 2018 حالة من الارتباك لدى جماعة الإخوان والموالين لها، وقد ظهر هذا الارتباك بوضوح في الخطاب المعلن للجماعة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. ولعل تحليل البعد النفسي في تعامل جماعة الإخوان المسلمين مع العملية ونتائجها لا يقل أهمية عن التحليل السياسي، خاصة في ظل حرص الجماعة على الاستغلال النفسي لوسائل الإعلام للتأثير على اتجاهات المواطنين وقناعاتهم وأيضا أفعالهم، ويبدو أن الخطاب الإعلامي لجماعة الإخوان يهدف بصورة رئيسية إلى محاولة دفع المتلقين إلى دائرة الفعل، وهو ما يتواءم مع سياسة الإخوان التي تحقق دوما مكاسبها السياسية اعتمادا على الآخر، فلجأت إلى فبركة الصور، وتشويه الحقائق، وصياغة خطاب إعلامي اتجه في ثلاثة مسارات نفسية، شملت: 
مسار المظلومية، والذي جاء متمثلا في محاولة تصوير عناصر الجماعة بأنهم ضحايا ضعفاء يعانون من الاضطهاد، وذلك بهدف كسب التعاطفين وإعادة حشد مريدين جدد.
مسار  الهجوم المباشر، الذي يهدف إلى إثارة حماسة أنصار الجماعة ودفعهم إلى الاحتجاج ونشر الفوضى.
المسار الديني، من خلال استغلال الخطاب الديني المسيس، في محاولة التأثير على الأفراد وإثارتهم أو على أقل تقدير كسب تعاطفهم ودعمهم.
الحيل النفسية للإخوان في التعامل مع العملية سيناء 2018:
يمكن إجمال أهم الحيل النفسية التي اعتمدت عليها جماعة الإخوان في رد فعلها على العملية سيناء 2018 فيما يأتي:
1.الإنكار: يعد الانكار واحدا من أبرز ميكانيزمات الدفاع التي طرحها عالم النفس سيجموند فرويد، ولعل الهدف من هذه الميكانيزمات بشكل عام مقاومة الإحباط، وينظر علماء النفس للإنكار بشكل خاص على أنه مؤشر على عدم النضج النفسي، ووسيلة للهروب من الشعور بالذنب، ويأخذ العديد من الصور، والتي تتمثل في:
- إنكار الحقائق الواضحة والمعززة بالأدلة، ويهدف هذا النوع من الإنكار إلى التقليل من جدوى الفعل الايجابي، وهو يأتي هنا متمثلا في العملية سيناء 2018، والتي على الرغم من ضخامتها ونجاحها ووضوح جدواها فقد حاول خطاب الجماعة إظهار العكس من خلال استخدام معايير مضللة لتقييم العملية.
- إنكار المسئولية، وهو ما بدا بوضوح في محاولة تبرئة العناصر الإرهابية وفرض التعامل معها بوصفها ضحايا أو محاولة إثارة التعاطف مع هذه العناصر، من خلال محاولة التشكيك في إدانتها، وتحاول الجماعة هنا إنكار مسئولية العناصر الإرهابية عن العنف، بهدف تحويل الأنظار إليهم بحسبهم أبرياء لا جناة. 
- خداع الذات، والذي يعد بمثابة النوع الأخطر من الإنكار، والذي يقوم على محاولة إرغام الذات على تصديق وقائع غير منطقية بهدف الهروب من الإحساس بالذنب، وهو ما يعانيه العديد من المتعاطفين مع الجماعة والمتأثرين بخطاب المظلومية التي تقوم الجماعة ببثه.
2.التشويه: محاولات التشويه واحدة من الحيل التي تحرص جماعة الإخوان والموالين لها على استخدامها بصورة متكررة لتحقيق أهدافها، وعند التطرق إلى العملية سيناء 2018، والتي حظيت بتغطية استثنائية تناولت ضخامة العملية والأداء والتخطيط والتسليح للقوات المشاركة، نجد الخطاب الإعلامي للجماعة يحاول ليس فقط غض الطرف عن هذه الوقائع وإنما محاولة فبركة وخلق وقائع أخرى بهدف التشويه، وقد اعتمدت في هذا على إطلاق الشائعات، ومحاولة نشر المعلومات المغلوطة، واتجهت بدلا من الحديث عن العملية ونتائجها إلى محاولة اختلاق تداعيات ونتائج سلبية زائفة وتكرار تداولها بغرض التشويه، كالحديث مثلا عن وقائع تهجير لمواطنين في سيناء من منازلهم، أو الحديث عن وقوع ضحايا من المدنيين، أو ما ردده البيان الصادر عن الجماعة من أن العملية تهدف إلى إخلاء سيناء لتوطين الفلسطينيين في إطار ما يعرف بـ "صفقة القرن".
3.التحريف وقلب الحقائق: يهدف التحريف وقلب الحقائق إلى العمل على استخدام الوقائع الايجابية وإعادة طرحها لتحقق عكس الهدف المرجو منها. أي ببساطة استخدام الوقائع الإيجابية لإيصال رسالة سلبية، وذلك بهدف إحداث تأثير نفسي مباشر على قناعات المتلقي، أو على أقل تقدير الحد من التأثير الإيجابي للحدث. فقد استخدمت قنوات فضائية محسوبة على الإخوان مثل قناة مكملين صور القوات المصرية وعمليات الانتشار التي قامت القوات المسلحة بتوثيقها بهدف توصيل الحقائق والإشراك الفاعل للمواطنين في كافة مراحل العملية، وهو الهدف المباشر من التوثيق، ليتم تحريفه بادعاء أن الهدف من هذا التوثيق هو الاستعراض فقط، وعلى الرغم من عدم منطقية ومعقولية هذا الطرح، إلا أنه كان هناك حرص على تكراره في عدة قنوات تابعة للجماعة. 
4.التشكيك: يهدف التشكيك بشكل عام إلى زعزعة الثقة، وقد حاول الخطاب الإعلامي الإخواني التشكيك في الحقائق ومحاولة إثبات عدم صحتها، وقد عزز محاولته تلك من خلال الإغفال المتعمد لجوهر العملية ونتائجها، والحديث عن موضوعات أخرى غير جوهرية بهدف تشتيت الانتباه، هذا بالإضافة إلى محاولة صياغة أهداف بديلة للعملية بدلا من الهدف الرئيسي المتمثل في القضاء على الإرهاب، وقد حرص الخطاب الإخواني الذي طرحته قناة الجزيرة بشكل خاص على تكرار الحديث حول وجود أهداف أخرى خلاف مكافحة الإرهاب وراء العملية، مع الحرص على شخصنة الأهداف العامة للعملية، وإعادة صياغتها لتوصيل رسالة تهدف بصورة أساسية إلى إثارة شكوك المتلقين فيما يتم إعلانه من بيانات ومعلومات رسمية.
5.التهوين والتهويل: يبدو أنها الحيلة الأكثر شيوعا، والتي يحرص خطاب الجماعة على مواقع التوصل الاجتماعي ووسائل الإعلام على اتباعها، حيث يتم التهويل فى الخسائر في صفوف قوات الجيش والتهوين المبالغ فيه من نتائج العملية، والتي تم طرحها بوصفها لا تعدو أن تكون عملية استعراض عسكري، وليست عملية عسكرية شاملة، حيث تم التركيز على التحرك الأولي للقوات، وعدم عرض الصور التي توثق لنتائج العملية، ولعل تكرار اللجوء إلى التهويل والتهوين يعود لسهولته كحيلة دفاعية مع شريحة من الموالين المهيأين نفسيا إلى تلقي هذا الشكل من الطرح وتقبله على الرغم من عدم معقوليته.
وفي النهاية، وعلى الرغم من هذه المحاولات، فإن جماعة الإخوان قد عجزت عن التغلب على معضلتها الأساسية في الخطاب الذي يتسم بالانغلاق، واتجاه التفكير الذي يفتقر إلى المرونة ويظل معتمدا بصورة متكررة على نفس الوسائل والآليات التي أثبتت فشلها. فالرئاسل النفسية التي يحاول الإعلام المحسوب على الجماعة توصيلها لا تزال موجهة بصورة أساسية للمهيأين نفسيا لاستقبالها، وهم في الغالب من أعضاء الجماعة أو الموالين لها، والذين يرفضون سواء بصورة شعورية أو لاشعورية استقبال أي رسائل تتنافي وقناعاتهم.

رابط دائم: