ملاحظات حول العملية "سيناء 2018"
14-2-2018

أحمد بديوي
* كاتب وصحفي مصري
تتواصل العملية العسكرية الأمنية الشاملة (سيناء 2018) وسط أجواء إقليمية متوترة.. في الجوار، تتم أكبر مناورات عسكرية إسرائيلية- أمريكية، للتدريب على خوض معركتين في توقيت متزامن مع لبنان، وقطاع غزة، وزيادة الميزانية العسكرية الإسرائيلية (للمرة الأولى) إلى 19 مليار دولار.. يتصاعد أيضا التوتر التركي القبرصي بشأن حقول الغاز، وسط استعراضات تركية لتعطيل شركة "إيني" الإيطالية حتى لا تساعد القبارصة في اكتشاف حقول الغاز الخاصة بهم في مياههم الاقتصادية.. هزائم متتالية تتعرَّض لها تنظيمات وميليشيات وجماعات إرهابية في بعض دول المنطقة، تدفعها للبحث عن مناطق جديدة للتمركز، تمهيدًا لمعاودة أنشطتها، ومن ثم فالعملية العسكرية الأمنية المصرية تضمن رسائل وملاحظات كثيرة، كما أنها تقطع الطريق على مخطط كبير يجرى التخطيط له في نطاق الأمن القومي المصري.
 
محليا، الواقع يوضح أن قوات "إنفاذ القانون"، المشاركة في العملية (سيناء 2018)، حققت نتائج مهمة حتى الآن في المناطق والنطاقات المستهدفة، بعدما رفعت الجهات المشاركة حالة الاستعداد للدرجة القصوى.. عمقت العملية خسائر فلول الإرهاب والجريمة المنظمة، قبل نهاية المهلة التي حددها الرئيس عبد الفتاح السيسي (في 29 نوفمبر الماضي) للقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية، بالمجابهة الشاملة للإرهاب والعمليات الإجرامية، ومن واقع المتابعة (عن قرب) يمكننا الوقوف أمام عدة ملاحظات بخصوص ما يحدث على جبهات القتال المفتوحة (في منطقتي شمال ووسط سيناء، والدلتا، والظهير الصحراوي غرب وادي النيل).
 
تكشف العملية (ميدانيًا) عن حجم القدرات العسكرية والأمنية المصرية، ونجاحها في تنفيذ المهام الاستثنائية (ذات الطبيعة الخاصة) دون أن يؤثر ذلك على المهام التقليدية اليومية (تأمين الحدود في جميع الاتجاهات الاستراتيجية، ومهام القوات البرية والبحرية والجوية، ودور الشرطة في ضبط الأمن الاجتماعي بالمحافظات).. تظهر أيضا، ملامح العقيدة القتالية للقوات المشاركة (جملة المبادئ والأفكار التي تشكل استراتيجية الدولة عسكريا، وأمنيا)، وقياس مدى الكفاءة القتالية (مستوى استعداد القوات المشاركة في تنفيذ مهام القتال.. قدرة الأفراد على استيعاب الأسلحة والمعدات واستفادتهم من التدريب وارتفاع روحهم المعنوية.. مستوى الضبط والربط داخل الوحدات العسكرية والتشكيلات القتالية وقدرتها على تنفيذ تعليمات القتال...).
 
تؤكد العملية مدى تناغم أداء الأسلحة المشتركة في القوات المسلحة، وترجمتها لخطط التدريب القتالي التي تضعها القيادة العامة (سنويًا) بهدف رفع الاستعداد داخل التشكيلات التعبوية في الجيوش الميدانية والمناطق العسكرية، ومدى الدقة في التعامل مع الأهداف المحددة.. وتظهر ما وصلت إليه العناصر المشاركة من مهارات ميدانية وقتالية عالية وقدرة علي استخدام الأسلحة والمعدات وتنفيذ أعمال التجهيز الهندسي بما يلائم طبيعة الأرض والمهام الطارئة باستخدام أحدث وسائل السيطرة والتعاون، وهو الأمر نفسه بالنسبة لقطاعات الشرطة المدنية المشاركة في العملية "سيناء 2018" .
 
تعيد الاعتبار للفلسفة التي تبنتها القيادة العامة للقوات المسلحة بشأن خطط التسليح خلال السنوات الأخيرة، وطبيعة الاستخدامات النوعية للصفقات (متعددة الجنسيات) التي تم إنجازها، ليس فقط في القوات الجوية، وحرس الحدود، والدفاع الجوي، لكن ظهر ذلك في جهود عناصر القوات البحرية بعد تطوير منظومات التسليح والاستشعار، ورفع الكفاءة الفنية للوحدات البحرية الموجودة بالخدمة، وتعزيزها بكل ما هو جديد (حاملات المروحيات، والفرقطات والغواصات ولنشات الصواريخ)، لتنفيذ المهام المخططة بكل دقة، خاصة إبرار المجموعات القتالية لعناصر الوحدات الخاصة البحرية من حاملة المروحيات (مسترال) لتمشيط السواحل، وتشديد إجراءات التأمين على المسرح البحري، وقطع خطوط الإمداد عن العناصر الإرهابية، مع تأمين الشواطئ المصرية (أكثر من 2000 كم، على البحرين المتوسط، والأحمر)، والمجرى الملاحي لقناة السويس، وجميع الموانئ المصرية (22 ميناء) و98 هدفًا بحريًا، وأهداف ساحلية، وحقول الغاز الجديدة (خاصة حقل غاز شروق بالبحر المتوسط، مستقبل مصر في التنمية الاقتصادية).
 
باتت قوات "إنفاذ القانون" على بعد خطوة من إجهاض مخطط شيطاني ضخم، هدفه الوقيعة بينها وبين الشعب.. كانت التنظيمات الإرهابية تستهدف استنساخ خطة (أثبتت نجاحها في الخارج)، تعتمد على تخفيف معدل العمليات الإرهابية في المدن الكبرى وتكثيفها على الأطراف في المناطق الحدودية (شمال سيناء نموذجًا)، كان يعتمد على عمليات دموية- استعراضية (مهاجمة أكمنة، وتمركزات أمنية وعسكرية، ومنشآت عامة) للإيحاء بفشل المؤسستين العسكرية والأمنية في تحمل مسئولياتها الميدانية، بالتزامن مع ترويج خطاب إعلامي موجه، توظف من خلاله التنظيمات الإرهابية الشائعات لزعزعة الثقة الشعبية في المؤسسات الوطنية، وهو أمر كانت تتولاه مراكز إعلامية إرهابية (تم تدمير أكبرها وأكثرها تجهيزا خلال العملية سيناء 2018، وتم العثور بداخله على أجهزة كمبيوتر ووسائل اتصال لاسلكية وكتب ووثائق ومنشورات تكفيرية) معدة لهذا الغرض.
 
لم يكن مقبولا أو معقولا مطاردة فلول الإرهاب، والتغاضي عن عناصر الجريمة المنظمة (السلاح، والمخدرات وتهريب البشر والبضائع)، لذا بادر المخططون للعملية العسكرية- الأمنية الشاملة منذ البداية بتوسيع نطاقها الميداني (على الحدود، والعمق)، ارتباطا بالعلاقة الوطيدة بين الإرهاب والجريمة المنظمة خاصة خلال السنوات الأخيرة، بعدما أصبح مسرح العمليات بين النشاطين مشترك في المناطق الحضرية والجبلية، حيث تشترك الجريمة المنظمة مع الإرهاب في طبيعة العمل الذي يتميز بالعنف والتنظيم والقيادة عبر مجموعات أو منظمات تخطط للقيام بأعمالها بسرية ودقة.. كلاهما يتسبب في زعزعة أمن المجتمع، ومن ثمّ تحتم على قوات "إنفاذ القانون" تنفيذ العملية على مسارين، لتضييق الخناق على العناصر الإرهابية والإجرامية على السواء، وضبط الأمن الشامل.
 
بينت العملية رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي (ومؤسسات الدولة الوطنية) في مكافحة النشاط الإرهابي، فمنذ حصوله على تفويض شعبي (26 يوليو 2013) أدرك الرئيس أن المعالجة العسكرية- الأمنية (رغم كونها أحد أهم أدوات مكافحة النشاط الإرهابي) ليست الحل الوحيد، وأنه لابدَّ من تكاتف وتعاون كل المؤسسات الرسمية لمواجهة خطر الإرهاب، من خلال تطوير رؤية واستراتيجية متكاملة للتعامل مع هذا التحدي.. لم تتبع مصر نهج الاستراتيجية الأمريكية (2001 حتى 2012) في مواجهة التنظيمات الإرهابية المعادية لمصالح واشنطن في العالم.. أقصد المواجهة العسكرية الأمنية كحل وحيد، ترتبت عليه نتائج كارثية تسببت في انهيار دول إقليمية (الصومال.. أفغانستان.. العراق.. سوريا.. ليبيا.. اليمن...) قبل ولادة أجيال جديدة من التنظيمات الإرهابية، ذات القدرات المتنوعة، التي تتكيف مع طبيعة البيئة التي تعيش فيها.
 
في الطريق إلى العملية العسكرية الأمنية (سيناء 2018) اعتمدت الدولة المصرية استراتيجية واضحة (على الأقل للمؤسسات المشاركة في تعقب وتجفيف منابع الإرهاب) تراعي طبيعة ومسارح المواجهات، مع تحديد الآليات والأدوات المناسبة.. نجحت مصر في اعتماد المواجهة العسكرية المدعومة أمنيًا، بالتزامن مع توسيع مظلة التنمية الشاملة للمناطق الحدودية، كونها أدركت منذ البداية أن الفقر والتهميش بيئة خصبة لتنامي وتمدّد التنظيمات الإرهابية.. لم تستسلم الدولة المصرية منذ البداية للواقع المعقد في مجال محاربة الإرهاب (العابر للحدود) ارتباطًا بقدرات غير تقليدية للتنظيمات والجماعات والميليشيات التي راحت تتمدد في الإقليم، وعلى أطرافه، مع قدرة الإرهابيين على تطوير خططهم التكتيكية بسرعة، مدعومين بوسائل التكنولوجيا الحديثة، والدعم الإقليمي والدولي غير المسبوق، وتناقض الخطاب الرسمي الدولي، مع تقاطعات مشبوهة من قوى المصالح الدولية مع التنظيمات الإرهابية.
 
شرعت الدولة مبكر (منذ 30 يونيو 2013) في عملية المجابهة الفكرية للتنظيمات الإرهابية، اعتماد على خبرة المؤسسات المصرية وتجربتها السابقة (خطة تصحيح المفاهيم التي بدأتها في التسعينيات من القرن الماضي، التي مهدت للمراجعات الفكرية، والفقهية لتنظيم الجماعة الإسلامية عام 1997، وتنظيم الجهاد، بعدها بسنوات).. أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي دعوته المبكرة للمؤسسات الدينية المصرية إلى تبني وإنتاج خطاب ديني وسطي، يصحح ما يستخدمه الإرهابيون وسيلة للتجنيد، ويوضح ما يتبناه هؤلاء من مزاعم يتخذونها ستارًا للأعمال الدموية، كما تم تكليف المؤسسة التعليمية (في مستوياتها المتعددة) بإصلاح العملية التعليمية، عبر وضع مناهج مفتوحة تساعد الطالب على اتخاذ القرار الصحيح، وتغيير أسلوب التلقين والحفظ المتبع في نظام التدريس المعمل به سابقًا، كونه المسئول عن إجهاض التفكير المستقل، وتنشئة أجيال يسهل انقياد خلف أي أفكار هدامة.
 
في غيبة الأحزاب، والقوى السياسية الفاعلة (لأسباب يطول شرحها)، لم تقف الدولة صامتة، لكنها ركزت خلال خطة المواجهة السياسية للإرهاب على مشروع دمج الشباب في الحياة السياسية، عبر فتح ممرات آمنة (البرنامج الرئاسي للشباب نموذجا)، رغم أنها مجرد خطوة تتطلب تكاتف التيارات الرئيسية في مصر (من خلال حاضنة حزبية تدرك طبيعة، وحساسية المرحلة) لدمجهم في المشهد السياسي، والارتقاء بالوعي لدى المواطنين، وتعميق إدراكهم بخطورة التحديات على كل الأصعدة، لاسيما الأفكار المتطرفة والتهديدات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية على أمن واستقرار البلاد.
 
لم تتوقف جهود الدولة خلال السنوات الأخيرة (رغم حملة تحريض إقليمية ودولية معادية لمصر) على تشجيع وتحفيز الأغلبية الصامتة على المشاركة في الحياة العامة، دعمًا للاصطفاف الوطني، ليس فقط وفق المفهوم السياسي للمشاركة، لكن عبر كل القطاعات.. بدأ ذلك بالعمل على إعادة الثقة بين الحكومة والشعب، عبر خطة التنمية الشاملة، وخلق فرص عمل عبر مئات الشركات الوطنية- المدنية المشاركة في تنفيذ هذه المشروعات، في محاولات جادة للقضاء على البطالة وزيادة الاستثمارات ورفع مستوى الخدمات وإعادة النظر في أوضاع المناطق الفقيرة والريفية المعزولة وتخطيط العشوائية، بهدف رفع المستوى المعيشي للمواطنين، وضرب الفساد في مقتل.
 
بادرت الدولة المصرية (رغم حملة تشويه بأموال قطرية تركية، ودعم من جماعة الإخوان) بوضع إطار تشريعي يقنن مطاردة التنظيمات الإرهابية (قانون تنظيم التظاهر نوفمبر 2013.. قانون حماية المنشآت العامة أكتوبر 2014.. قانون الكيانات الإرهابية فبراير 2015.. قانون مكافحة الإرهاب أغسطس 2015) بهدف الفصل بين الحقوق والحريات العامة من ناحية، والتخريب والإرهاب من ناحية أخرى، بعدما كان يتم تحويل التظاهرات التي ترفع شعارات سياسية زائفة إلى أعمال عنف وتخريب تستهدف المنشآت والممتلكات، وتبدد جهود المؤسسات المعنية بمكافحة الإرهاب (الشرطة.. الجيش.. أجهزة المعلومات.. القضاء).
 
اتبعت الدولة خطة واضحة لوقف عمليات التمويل (في الداخل) وفق إجراءات قانونية- قضائية تحسم ملف الاستثمارات المشبوهة في مصر، حيث يجرى توجيه جزء من عائداتها لتمويل الأنشطة الإرهابية، (خارجيا) نجحت جهود مصر (بتعاون إقليمي مع منظومة العمل الخليجي) في قطع الجسور أمام شبكات المال الاجتماعي التي غزت مصر من باب الأعمال الخيرية، وأنشطة حقوقية مزعومة.. ظهرت نتائج التحركات المصرية عبر تحالف "الدول الداعية لمكافحة الإرهاب"، الذي يضمّ إلى جانب مصر "السعودية، والإمارات والبحرين".. نجح التحالف (وفق تنسيق وحصيلة معلومات ووثائق) في فضح الدور القطري في دعم شبكة واسعة من التنظيمات الإرهابية في عموم المنطقة العربية، جاءت متوافقة مع وثائق دولية تدين عشرات المنظمة والجمعيات والأشخاص المرتبطين بالديوان الأميري في الدوحة، وكيف أنهم يأتمرون بأوامره، وبعضهم من العائلة الحاكمة نفسها.
 
أعادت وزارة الداخلية النظر في استراتيجيتها الأمنية في مكافحة الإرهاب، ومن ثم اعتمدت خطة جديدة تقوم على تفعيل جهود كل أجهزة الوزارة، وفق نسق متكامل الأدوار، موحّد الهدف، لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه وروافد دعمه على كل المستويات، والاعتماد على مبدأ الحسم الأمني، والإجهاض المبكر لحركة التنظيمات الإرهابية، وإحباط مخططاتها العدائية في إطار القانون، من خلال إحكام السيطرة الأمنية على الموانئ الجوية والبحرية والمنافذ البرية، والاستعانة بكل أساليب وتدابير المواجهة الأمنية المتطورة في مكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في كل المجالات المتصلة بعمليات المواجهة.
 
نجحت الوزارة بصياغة استراتيجية أمنية شاملة للارتقاء بالمنظومة الأمنية بشكل متكامل، ارتكزت أبرز محدداتها على تحقيق الاستقرار الأمني بمفهومه الشامل لمكافحة الجرائم ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، وتهيئة المناخ الآمن للاستثمارات الوطنية والأجنبية، والتطور التكنولوجي لكل عناصر المنظومة الأمنية، واستكمال منظومة مكينة الخدمات الشرطية المقدمة للمواطنين، والارتقاء بالدعامة البشرية وفق أحدث المعايير والنظم التدريبية، بالإضافة إلى تعظيم مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان في كل مجالات العمل الأمني.
 
هذه التحركات والجهود المصرية في مواجهة الإرهاب تردّ على مزاعم لاتزال تتحدث عن غياب استراتيجية مصرية واضحة لمكافحة الإرهاب، وتزعم أيضًا أنه لا توجد شراكة بين مؤسسات الضبط الاجتماعي (العسكرية والأمنية القضائية) من ناحية، وبين المجتمع المدني من ناحية أخرى.. يتناسى هؤلاء أنه فيما يسقط الضحايا من القوات المسلحة والجيش والقضاء بل ومدنيين بالمئات بسبب أعمال العنف والإرهاب، كان تيارات وشخصيات تختطف قرار المجتمع المدني (وتتحدث باسمه)، تطالب بحماية حقوق الإرهابيين، وتعجز في الوقت نفسه (لارتباطات وتقاطعات) عن المشاركة في المواجهة الشاملة لمكافحة الإرهاب.

رابط دائم: