التطورات في عدن بعد السيطرة على مقر الحكومة
11-2-2018

د. عبد الناصر سعيد
* خبير العلاقات الدولية
عكست أحداث عدن الأخيرة -بعد سيطرة قوات الحراك الجنوبي على مقر الحكومة في عدن- مدى تعقد المشهد اليمني، وتغير شكل التحالفات وموازين القوى بين الأطراف اليمنية، خاصة بين قوات الحكومة الشرعية، وقوات الفصائل الجنوبية، التي حاربت معا ضد الميليشيات الحوثية، وبالتالي لم تكن أحداث عدن مفاجئة، بقدر ما كانت تحولاً في طبيعة تلك التحالفات.
 
بداية الأزمة:
جاءت بداية الأزمة مع إصدار الرئيس عبدربه منصور هادي قرارات رئاسية في 27 أبريل 2017، من ضمنها إقالة محافظ عدن "عيدروس الزبيدي"، وإعفاء وزير الدولة "هاني بن بريك"، من منصبه. وردا على تلك القرارات؛ أعلنت فصائل من الحراك الجنوبي، في 4 مايو 2017، ما سمته "إعلان عدن"، تضمن تفويض "الزبيدي" بتشكيل ورئاسة تكتل يتولى إدارة وتمثيل الجنوب، تحت اسم "المجلس الانتقالي"، يتشكل من سبع وعشرين شخصية من العسكريين والسياسيين وكبار القبائل الجنوبية.
وقد رفضت الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي قيام هذا المجلس، لما يمثله من تقويض للسلطة الشرعية في اليمن، وتعزيزا للميليشيات الحوثية، وتحقيقا للاستراتيجية الإيرانية، الساعية لفصل الجنوب عن الشمال.
ومع تفاقم الأوضاع الأمنية، وسوء الظروف المعيشية في الجنوب، مع عجز الحكومة الشرعية عن تحسين تلك الأوضاع، قدمت السعودية وديعة بمبلغ ملياري دولار، كمحاولة لإنقاذ العملة اليمنية، وأعلنت الحكومة الشرعية الموازنة العامة للدولة، وعزمها عقد أولى جلسات البرلمان في عدن لإقرار الموازنة، وهو ما قابله المجلس الانتقالي بالرفض، مبرراً ذلك بأنه "حفاظ على المستقبل السياسي للجنوبيين". 
وقد اتهم المجلس الانتقالي الحكومة الشرعية بالفساد، وعدم الكفاءة، وطالبها بالاستقالة، وتعيين حكومة جديدة يحصل خلالها الجنوبيون على ثلث الحقائب الوزارية، ومنح الرئيس عبدربه منصور مدة زمنية محددة لتلبية مطالبه، والتي رفضها الرئيس عبدربه منصور، خشية أن يعطي ذلك مجالاً لتمرير مطالب أخرى يكون من ضمنها انفصال الجنوب.
بالمقابل، واجه المجلس الانتقالي رفض مطالبه بدعوة الجنوبيين إلى التظاهرات. وبانتهاء المدة المحددة لتلبية مطالبه، أعلن في 28 يناير 2018، حالة الطوارئ في مدينة عدن، وقامت قواته بالسيطرة على مقر الحكومة الشرعية؛ بعد اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الحكومة الشرعية.
وتعكس تلك الأحداث النية الانفصالية للمجلس الانتقالي، وهي رغبته في انفصال الجنوب، وهو ما أكده الرئيس الجنوبي السابق، علي سالم البيض، فى أثناء المظاهرات، والذي اعتبرها على حد قوله "ثورة جنوبية تحررية انطلقت لكي تنتصر انتصارا يفضي إلى استقلال أرض الجنوب، وبناء دولته الجديدة المستقلة على حدودها الدولية ما قبل عام 1990، هذا الهدف الاستراتيجي الذي لن نحيد أو نميل عنه".
ولعل ذلك يكشف النية الحقيقية للمجلس الانتقالي، الذي يعلن تأييده للرئيس هادي، وفي الوقت ذاته يقود مظاهرات مطالبة بالانفصال، بل ويقوم بالاستيلاء على مقر الحكومة الشرعية في عدن بالفعل، وإن جاءت تلك الخطوة في ظروف غير مواتية للمجلس الانتقالي، في ظل عدم تمكنه من السيطرة على الأوضاع الأمنية والعسكرية والإدارية في الجنوب.
 
مواقف متباينة:
اختلفت رؤى الأطراف اليمنية المتصارعة تجاه أحداث عدن؛ فقد أعلنت الحكومة اليمنية أن ما قام به الانفصاليون من اقتحام للمعسكرات والمؤسسات السيادية في محافظة عدن، هي محاولة انقلابية تستهدف إسقاط الشرعية، وهو الموقف ذاته الذي تبنته الأحزاب اليمنية، التي أكدت رفضها لدعوات الانقلاب على الشرعية، وتقويض مؤسسات الدولة، والخروج على المرجعيات المتفق عليها محليا وإقليميا ودوليا.
وفي حين دعت دول التحالف العربي أطراف الصراع في عدن إلى الحوار وضبط النفس، وأهمية استشعار اليمنيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم للمسئولية الوطنية، لاستكمال تحرير جميع الأراضي اليمنية، وخشية تطور الأحداث، وانزلاقها نحو الفوضى، وصل وفد من قيادة التحالف العربي إلى مدينة عدن، لاحتواء الأزمة بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي، ودعم وقف إطلاق النار، وفي الوقت ذاته تبديد الشكوك حول وجود خلاف سعودي - إماراتي بخصوص تلك الأحداث.
 
دلالات الأزمة:
تعكس أحداث عدن الأخيرة عدداً من الدلالات في الساحة اليمنية، لعل من أهمها:
كشف النوايا الحقيقية للجنوبيين ورغبتهم في الانفصال كهدف نهائي، وذلك رغم تأييدهم للرئيس هادي، ومشاركتهم في القوات الشرعية؛ حيث يبدو ذلك خطوة مرحلية، وكسب المزيد من الوقت لإتمام الترتيبات اللازمة لإعلان الانفصال عن الشمال. إلا أن عدم قدرة المجلس الانتقالي على حسم الموقف في عدن لصالحه حال دون بلوغ ذلك، وإن تمكن من تحقيق مكسب سياسي، من خلال إقناع التحالف العربي بأن يكون له حضور في الحكومة اليمنية، وهو ما تضمنه بيان التحالف العربي، الذي اعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي طرفاً سياسياً، رغبة في تهدئة الموقف. وهو ما رفضته الحكومة الشرعية؛ معتبرة المجلس الانتقالي متمردا، ووصفت ما قام به في عدن  بانقلاب على الشرعية، وأن تلبيتها لمطالب الجنوبيين سيدفعهم إلى الإقدام على خطوات جديدة.
استمرار حالة عدم الثقة بين الأطراف اليمنية، خاصة بين الأطراف اليمنية المتحالفة فصديق الأمس، قد يصبح عدو الغد، الأمر الذي يزيد من التأثيرات السلبية في علاقة الأطراف اليمنية، ويعيق الوصول إلى تسوية سياسية للصراع في اليمن في المستقبل.
رغم مرور ما يقرب من شهرين على مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح؛ فإن القوات الموالية له بقيادة نجله، وابن أخيه، لا تزال لا تعترف بشرعية الرئيس عبد ربه منصور حتى الآن، مما يعني استمرار التوترات بين الحكومة الشرعية والأحزاب المعارضة لها. 
إن اندلاع الصراع في الجنوب، من شأنه عرقلة تقدم القوات الشرعية نحو تحرير محافظات الشمال، وهو ما يصب في مصلحة الميليشيات الحوثية، التي ترغب في تخفيف الضغط عليها من قبل قوات الشرعية والتحالف العربي، والتي استطاعت التقدم نحو العاصمة صنعاء، وعلى عدد من جبهات الشمال في الأيام الأخيرة.
إنه رغم تهدئة الأوضاع في عدن، فإنه في حالة ما سنحت الفرصة للأطراف الجنوبية لاستعادة السيطرة على عدن مرة أخرى، سيتجدد الصراع، والمزيد من الفوضى، ويعطي فرصة أكبر لتدخل الأطراف الإقليمية والدولية، التي لها مصالح في استمرار حالة عدم الاستقرار في اليمن، سواء القوى التي ترغب في السيطرة على باب المندب، أو التي تدعى محاربة الإرهاب هناك.
إذا كانت أحداث عدن الأخيرة تشير إلى تغير خريطة التحالفات، بيد أن ذلك لا يعبر عن أن دولة الجنوب صارت في مرمي البصر. فالمجلس الانتقالي لا يمكنه السيطرة الفعلية على الجنوب، نظرا لوجود الكثير من الأطراف الفاعلة هناك، على رأسها الحكومة اليمنية الشرعية، بالإضافة إلى القوات الموالية للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، والتنظيمات الجهادية مثل (القاعدة وداعش)، إلى جانب قبائل الجنوب المنقسمة حول مسألة الانفصال.
 
تحديات جديدة:
دون شك، ألقت أحداث عدن الأخيرة، المزيد من التحديات أمام الحكومة اليمنية والتحالف العربي:
التحدي الأول على مستوى العمليات العسكرية، لم يعد القضاء على الانقلاب الحوثي هو الهدف الأول للحكومة الشرعية، بل أصبح استمرار وجود الدولة اليمنية الموحدة هو الأهم الآن. فقد هددت أحداث عدن الأخيرة مستقبل الوحدة اليمنية، وهو ما يمثل تحديا كبيرا للحكومة الشرعية والتحالف العربي معا.
تحدي آخر يرتبط بكيفية احتواء الحراك الجنوبي، وإفشال مساعيه نحو الانفصال، لاسيما أن وضع المجلس الانتقالي سيكون على المحك أمام الموالين له، وسيفقد مصداقيته في حال ما لم يتم إدماجه في الحكومة اليمنية، وقد يدفعه ذلك إلى تمرد مسلح على الشرعية على غرار الميليشيات الحوثية.
تحدي ثالث يتعلق باستمرار غياب الأمن والاستقرار وضرورات الحياة اللازمة للشعب اليمني، منذ نحو ثلاث سنوات، حيث يعيش اليمن، بحسب الأمم المتحدة، أسوأ أزمة إنسانية فى العالم، ولا شك فى أن استمرار تلك الأوضاع يدفع اليمن إلى المزيد من التعقيد والانقسام بين أطياف الشعب اليمني كافة، ويصبح مستقبل اليمن أكثر ضبابية، وتبقى الساحة مهيأة للكثير من المفاجآت التي لا يحتملها الوضع المتأزم الحاصل الآن.
 

رابط دائم: