تأمين الحدود.. المهمة الصعبة
15-1-2018

جميل عفيفي
* مدير تحرير جريدة الأهرام
تتعرض مصر في الفترة الأخيرة للعديد من التهديدات على الحدود الاستراتيجية المختلفة. تلك التهديدات تؤثر بشكل مباشر فى الأمن القومي، خاصة أن الحدود المصرية على تماس مباشر بمناطق صراعات مشتعلة منذ فترة طويلة، وقد تستمر لسنوات أخري، لذا لزم أن تكون الحدود المصرية على طولها ومساحاتها الشاسعة على درجة عالية من التأمين لمواجهة تلك التهديدات، والقضاء عليها في مهدها قبل الوصول إلى عمق الدولة.
معروف أن المسئولية الكبرى لتأمين الحدود المصرية تقع على عاتق قوات حرس الحدود التي تبذل في ذلك مجهودا خارقا، لحماية الدولة المصرية، في ظل الأخطار المتعددة، وأهمها، تهريب السلاح، والجماعات الإرهابية العابرة للحدود، والتي استشرت بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت الآن تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. 
جدير بالذكر أن مصر تقع في الركن الشمالي الشرقي من إفريقيا، وتبلغ مساحتها نحو مليون كيلو متر مربع، وتمتاز جغرافيتها بالبساطة النسبية، كما يغلب عليها الطابع الصحراوي على كافة الاتجاهات الاستراتيجية (الشمالي الشرقي - الغربي - الجنوبي)، ومن أهم التهديدات التي تواجه الدولة المصرية على الحدود المختلفة، ما يأتي: 
 (*) التهديدات على الاتجاه الشمال الشرقي: ومن أهم ما تتسم به تلك التهديدات في الوقت الحالي الأنفاق الحدودية على امتداد الشريط الحدودي المواجه لقطاع غزة، فضلا عن الزراعات المخدرة (بانجو - خشخاش) بجنوب سيناء. 
وتتصاعد أهمية هذه التهديدات، في ظل وجود قناة السويس، أهم مجرى ملاحي عالمي، فضلا عن (كوبري السلام - المعديات - نفق الشهيد أحمد حمدي)، وهو ما يثير احتمال تعرضها لبعض العدائيات لتعطيل الملاحة. وتتلخص أهم أعمال التهريب الحدودي في تهريب (الأسلحة - الذخائر- المواد المخدرة - المواد العضوية المستخدمة في تصنيع العبوات الناسفة)، مع اقتران تنفيذ تلك الأعمال بالعنف. 
(*) التهديدات على الاتجاه الغربي: ويعد هذا الاتجاه من أكثر الاتجاهات الاستراتيجية عموماً في معدلات التهريب، نظراً يأتي: 
- مواجهة الاتجاه إلى أوروبا، مما يسهل الوصول إليها بعبور البحر المتوسط بطرق غير شرعية. 
- وجود هضبة السلوم وبحر الرمال الأعظم (الذي تنتشر به الكثبان الرملية) على الحدود الغربية، مما يساعد على زيادة معدلات التسلل والتهريب.
- امتداد منخفض القطارة (أهم وأكبر منخفض بجمهورية مصر العربية) داخل عمق هذا الاتجاه الغربي، والذي يساعد على الإخفاء  للعناصر القائمة بالتسلل أو التهريب. وتتلخص أهم أعمال التهريب على الاتجاه الغربي للحدود المصرية في التسلل في تهريب (الأسلحة - الذخائر – البضائع غير خالصة الرسوم الجمركية – الهجرة غير الشرعية). 
(*) التهديدات على الاتجاه الجنوبي: وهو يتعلق باستنزاف الثروات القومية للدولة، عبر انتشار أعمال التنقيب عن المعادن (الذهب) باستخدام الأجهزة والوسائل التقليدية، مع العمل على تطوير تلك الوسائل باستمرار، نظرا للعائد المادي الكبير. وتتلخص أهم أعمال التهريب في تهريب (الأسلحة – الذخائر).
إلا أن هناك تهديدات أخرى خطيرة، من أهمها، العناصر الإرهابية الموجودة الآن في جميع المناطق الحدودية مثل غزة، وليبيا، والسودان، عن طريق عبور الحدود والتخفي مع المهاجرين غير الشرعيين. 
لقد وضعت مصر والقوات المسلحة المصرية خططا لمواجهة جميع التهديدات السابقة، خاصة بعد الثورات العربية، حيث ظهرت أنماط جديدة من التهديدات، ولاسيما ما يتعلق بتوطن تنظيمات إرهابية مثل، "داعش"، والتي دخلت في صدام مسلح مع الجيوش النظامية للدول، في محاولة لتفكيك تلك الجيوش، في إطار خطة غربية محكمة. 
لقد حاولت بعض الجماعات الإرهابية العمل على تهريب السلاح إلى الأراضي المصرية، عقب ثورة 25 يناير، وإيصالها إلى سيناء لتسليح الجماعات الإرهابية، وذلك لخوض معارك مع قوات الجيش والشرطة المصرية، وكانت تلك الأسلحة يتم تهريبها عبر الحدود مع ليبيا التي انتشر فيها السلاح بشكل كبير، بعد عمليات حلف الناتو ضد نظام القذافي في 2011، بالإضافة إلى السواحل المصرية في سيناء. وقد أسهمت جماعة الإخوان المحظورة في نقل وتهريب السلاح وحتى عناصر إرهابية، حيث اعترف بعضهم بذلك. 
وعندما بدأت الدولة في وضع الخطط لمواجهة تلك العمليات الخطيرة التي أثرت بشكل مباشر على الأمن، وخاصة في سيناء، أخذت قوات حرس الحدود الدور الأكبر في تلك المهمة، فتم تدريب القوات بشكل احترافي، كما تم التسليح بأحدث ما توصل إليه العلم من أجل تغطية الحدود بالكامل من جميع الاتجاهات، حتى تتم السيطرة ومنع عمليات التهريب بكافة أشكالها. 
إن تهديد تهريب المخدرات لا يقل خطورة عن السلاح، لأن المستهدف من تلك العمليات الشباب من هم في سن التجنيد، ذلك أن استهداف تلك الفئة ليس بالشكل العشوائي، بل هو مخطط له بعناية وبدراسة، لضرب عصب القوات المسلحة، وتدمير الشباب من هم في سن التجنيد الإلزامي. 
ولعل الخطر الأكبر الذي يواجه مصر في الاتجاه الشمالي الشرقي، خاصة الحدود مع غزة، يكمن في الأنفاق الحدودية، والتي يتم من خلالها تهريب السلاح والإرهابيين للدخول إلى أرض سيناء لتنفيذ عمليات إرهابية ضد رجال القوات المسلحة والشرطة والهروب مرة أخرى عبر تلك الأنفاق. وقد وصل عدد تلك الأنفاق إلى الآلاف، كما أن طولها يبلغ أكثر من كيلو مترين في عمق الأراضي المصرية. 
إن كل ما سبق من تهديدات تعاملت معه القوات المسلحة بمنتهى الدقة والاحترافية، واستطاعت تأمين الحدود المصرية، وهى تعمل على تدمير الأنفاق، وإلقاء القبض على المتسللين. كل ذلك تم في زمن قياسي، وهو ما يعد دليلا على قدرة وكفاءة القوات المسلحة المصرية، خاصة سلاح الحدود الذي يحمل المسئولية على عاتقه. 
 

رابط دائم: