مستقبل التنظيمات الإرهابية في العالم في عام 2018
28-12-2017

د. سماء سليمان
* خبير الدراسات المستقبلية
تتوقع العديد من الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث الدولية أن يستمر الإرهاب الدولي كمصدر تهديد رئيسي للدول، خاصة في منطقة الشرق الأوسط خلال عام 2018على الرغم من هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا.
ماذا يحدث حولنا؟
وفقًا للتوقعات السابقة، فإن المشهد الدولي مرشحا ليكون أكثر اضطرابا، وقد أعلن بعض الكتاب، مثل ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الأمريكية والدبلوماسي الأمريكي السابق،بداية "عصر الفوضى" ونهاية النظام العالمي الذي تشكل منذ نهاية الحرب الباردة، أي سيكون الحكم في العديد من الدول أكثر صعوبة وسترتفع التوترات في جميع المناطق وستؤثر على الحكومات، سواء داخل البلدان أو فيما بينها. كما ستزيد التحديات الاقتصادية والتكنولوجية والأمنية، وستسعى بعض القوى الكبرى والإقليمية إلى تأكيد مصالحها من خلال القوة وزيادة الهجمات السيبرانية والطقس المتطرف وستسهم هذه الظروف في الأجل القريب في توسيع التهديد الذي يشكله الإرهاب.
وقد كتب العديد من المحللين أن داعش ربما هزم في ساحة القتال في سورية والعراق، لكنه لم تتم تصفيته وسيعيد إنتاج نفسه في دول شمال أفريقيا وبعض الدول الإفريقية، مثل النيجر، ونيجيريا، ومالي، ودول بجنوب آسيا، خاصة باكستان وأفغانستان، فضلا عن انتقالها إلى اليمن.
فلم يكن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى، بشأن انتقال العناصر الإرهابية الفارة من سوريا والعراق، إلى ليبيا ومصر، وتحديدًا سيناء، إلى جانب غرب إفريقيا، مجرد كلمات عابرة، ولكنها بمثابة تحذير بالغ الخطورة مما قد يمكن أن يجرى على أرض مصر مستقبلا من عمليات إرهابية، خاصة عام 2018.
وقد ذكر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، جادي إيزينكوت، أنه: "من السابق لأوانه تأبين داعش. فالأمر يتعلق بظاهرة وفكرة أبعد من التنظيم. إن مواجهة داعش ستستمر لسنوات كثيرة".
وأكد وزير الاستخبارات الإيرانية ،محمود علاوي على أن داعش لا تزال يشكل تهديدا لأن بحوزته كميات كبيرة من السلاح، مضيفا أنه بعد أن فقد داعش موقعه في سوريا والعراق، يمكن أن يتوجه إلى دول مثل باكستان أو أفغانستان واستغلال ضعفها للسيطرة عليها، أو على الاقل أن يؤسس لنفسه موطئ قدم فيها.
كما اتهمت وزارة الدفاع الأفغانية يوم  24/12/2017  باكستان بأنها تقود عناصر داعش في أفغانستان.وأضافت الوزارة أن أغلبية المقاتلين هم من قبائل تتخذ من باكستان مقراً لها، إضافة إلى مقاتلين من طاجيكستان، وأوزبكستان، والشيشان. 
يزيد من صحة التوقعات، خاصة تلك المتعلقة بانتقال داعش لشمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، توسع دائرة التنظيمات الإرهابيّة التي بايعت "داعش" فضلا عن استمرار  وسائل الإعلام بلعب دور الوسيط بين التنظيم في سوريا والعراق، والجماعات التكفيريّة في شمال إفريقيا وجنوب الصحراءمن خلال الترويج لمبايعة التنظيمات والجماعات التكفيرية للتنظيم، الأمر الذي يدفع إلى استقطاب وتجنيد العديد من العناصر، خاصة من فئة الشباب.
فعلى الرغم من تراجع النشاط الارهابي في الجزائر الذي قادته عدة تنظيمات وجماعات تكفيرية، ظهر على المشهد الجزائري نشاط إرهابي جديد، حيث أعلن أخيراً تأسيس تنظيم جديد تحت مسمى "جند الخلافة في أرض الجزائر"، والذي بايع تنظيم "داعش".وقد كشفت صحيفة "الشروق" الجزائرية عن مخطط لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ"داعش"، للتوغل في الجزائر واتخاذها مركزاً لتنظيمه الجديد الذي سيطلق عليه اسم "تنظيم الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي" (دامس)، حيث تعمل زعامات جهادية في ليبيا مرتبطة بأجندة "داعش" منذ مدة على زرع قدم لها في الجزائر من خلال اتخاذ تونس كنقطة عبور.
وشهدت تونس تصاعداً في النشاط الإرهابي بدأه تنظيم "أنصار الشريعة" الذي يتزعمه المدعو أبو عياض، الموجود في ليبيا، حيث تواجه تنظيماً جديداً قديماً يدعى كتيبة "عقبة بن نافع" بقيادة الجزائري لقمان أبو صخر.
في حين تعاني ليبيا فوضى التنظيمات المسلحة التي اختلفت بين الإرهابية والإجرامية السياسية، أهمها جماعة "أنصار الشريعة" التي تسيطر على عدة مناطق كبنغازي ودرنة، إضافة إلى تنظيم "المرابطون" الذي كان ينشط في شمال مالي بقيادة الجزائري مختار بلمختار، وكذلك جماعة "البتار" التي توصف بالخطيرة بسبب عناصرها القادمة من "داعش".
هذا وقد أعلنت المبعوثة الأمريكية الخاصة إلى أفغانستان وباكستان، أليس ويلز، 9/11/2017  أن تحقيق النصر على حركة "طالبان"، هو الطريق الوحيد لتدمير تنظيم "داعش" في أفغانستان، مما يعني توجه أمريكا بإصرار لنقل الحرب إلى آسيا للنيل من كل من روسيا والصين.
القوى المحركة لانتشار تنظيم داعش:
تتمثل القوى المحركة لانتشار داعش في دول شمال وجنوب الصحراء في أفريقيا، والتي ستكون دافعة للشباب للالتحاق به، في الآتي:
تزايد عدد الشباب المتعلمين والشباب الحضري وارتفاع التضخم، وارتفاع معدلات البطالة، وضعف أداء الحكومة، مما يدفع إلى الانتماء الديني والاحتجاجات، وتصاعد التوتر العرقي، والتطرف الديني، وخاصة الإسلام الراديكالي والأصولية المسيحية.
افتقار الجيوش الوطنية والإقليمية إلى التمويل، في حين يستطيع الإرهابيون مثل بوكو حرام وتنظيم داعش وأنصار الشريعة والقاعدة الحصول على أسلحة وموارد أخرى بسهولة من الشبكات الدولية عبر العديد من المناطق الإفريقية التي يسهل اختراقها.
الصراع على السلطة داخل دول شمال وجنوب الصحراء.
الصراع من قبل دول صاعدة وكبرى على ثروات هذه الدول من الغاز والبترول، ومن ثم السيطرة على طرق نقلها والشركات التي ستقوم بالتنقيب عنها ويعد هذا صراعا بين الدول الأوروبية وأمريكا والصين وروسيا.
القوى المحركة لانتشار داعش في جنوب آسيا كالآتي:
انعدام الأمن على الحدود بين أفغانستان وباكستان.
الصراع على السلطة في أفغانستان.
وجود أكثر من 30  جماعة متطرفة، مثل جماعة الأشقر الطيبة وحركة طالبان الباكستانية، والقاعدة والجهات التابعة لها ووجود الحركات الراديكالية في الهند.
وجود كراهية عرقية ناتجة عن تناقضات حادة بين الأغنياء والفقراء في مدن جنوب آسيا موطن أكبر الأحياء الفقيرة في العالم، وبسبب انتقال المهاجرين من المناطق الأكثر فقرا إلى المناطق التي تتوافر فيها فرص أكبر، مما يزيد من التنافس على التعليم، أو العمل، أو السكن، أو الموارد، كما في الهند.
تواجه باكستان العديد من التهديدات الأمنية الداخلية، فضلا عن التدهور التدريجي للمعدات المستخدمة في هذه العمليات، وتدني الموارد المالية، وزيادة مساحة التطرف. 
عدم الثقة الطائفية بين الهند وباكستان وبنجلاديش بسبب محاولة حزب بهاراتيا جاناتا أكبر حزب سياسى في الهند دمج هيندوتفا في السياسة بشكل متزايد الحكومة، مما أدى الى زيادة التوتر في الأقلية المسلمة الكبيرة الحالية، بالإضافة الى باكستان وبنجلاديش ذات الأغلبية المسلمة.
الدور الإيراني الداعم للجماعات الشيعية في باكستان وأفغانستان وتوافق سياسة إيران مع تنظيم داعش الذي يعمل على أضعاف الدول المحيطة بها، وبالتالي فإن عملهما على الأرض يخدم الأمن القومي.
الصراع الأمريكي والصيني والروسي على المنطقة، ومحاولة أمريكا منع تمدد الصين وروسيا واستمرارهما في تحقيق التنمية ووقف تصدير روسيا الغاز لأوروبا لمنع التنافس على النفوذ على القارة الأوروبية وإشغال أمريكا لكلا البلدين بحالة عدم الاستقرار الناتجة من انتقال داعش لجنوب آسيا ودول مثل طاجكستان وأوزباكستان، فضلا عن وجودها في بورما جنوب الصين ومحاولة الضغط على الأخيرة بالتعاون الأمني مع اليابان لمنع تمددها في النظام الدولي.
 
ومن ثم يمكن القول إن عام 2018  سوف يشهداستمرار المواجهة والحرب على الإرهاب واستمرار وجود الجماعات المتطرفة،والتي ستتطور مع تطور المجتمع وتفاعل الدولة معها، وهو ما يؤدي إلى استمرار تأجيج الصراع الديني والطائفي والمذهبي في مناطق جديدة في شمال إفريقيا وجنوب الصحراء وفي جنوب آسيا. كذلك سيسمح هذا الوضع باستمرار إقامة بعض الدول في هذه المناطق وخارجها لعلاقة مباشرة مع بعض حركات الإسلام السياسي المتطرفة، بل وتمويلها، ومساعدتها في التخطيط على كيفية الاستيلاء على الحكم، وهو ما حدث بعد ثورات ما سمي الربيع العربي.

رابط دائم: