ما الذي ينتظر العالم من أزمات في 2018 ؟
28-12-2017


*
بينما شهد عام 2017، اتجاها إقليميا في الشرق الأوسط لتخفيض حدة بعض الأزمات، مثل تنظيم داعش في سوريا والعراق، فلا تزال المنطقة تواجه أزمات متعددة لم تخفت، سواء في ليبيا أو اليمن أو تطور ظاهرة الإرهاب. كذلك فلا يزال الصراع بين القوى الإقليمية والدولية، خاصة روسيا والولايات المتحدة، على النفوذ الدولي مثيرا للأزمات في الشرق الأوسط. 
بدوره، شهد العالم في هذا العام أزمات متعددة مثل الإرهاب العابر للحدود وتصاعد النزعة الانفصالية، فضلا عن التدهور الإنسانى في العديد من المناطق، لاسيما مع تعرض مسلمي الروهينجا لتطهير عرقي. ويثير ذلك تساؤل حول ما ينتظره العالم من مخاطر وأزمات في عام 2018 ؟.
 
تصاعد النزعة الانفصالية: 
شهدت العلاقة بين الدولة والمجتمع حالة من عدم التوافق في العديد من أقاليم العالم، نتيجة التضارب حول المصالح فيما بينهما، والتي انعكست بشكل سلبي على سيادة الدولة الوطنية من خلال المطالب المتنامية بالانفصال. 
إذ سعي إقليما كردستان العراقى وكتالونيا الإسباني إلى الانفصال عن البلدين، عبر إجراء استفتاء في عام 2017، إلا أن تعثر في ظل الرفض المحلى والإقليمى والدولي. أضف لذلك تنامى المطالبات بالاستقلال في اسكتلندا بالانفصال عن بريطانيا، ومقاطعة جنوب تيرول في إيطاليا، وإقليم الباسك في شمال إسبانيا، وجزيرة كورسيكا التابعة للجمهورية الفرنسية، وولاية بافاريا بألمانيا، بالإضافة إلى جزر فارو، والتى تقع شمالي المحيط الأطلسي وتتبع الدنمارك، وغيرهم.   
 
 تصاعد الأزمات السياسية : 
استطاع الشرق الأوسط الاستئثار بأبرز الأزمات السياسية في عام 2017 ، ففي الأزمة السورية، استمر الدعم الأمريكي لمنظمة "ب ي د" الكردية المتهمة بممارسة الإرهاب برغم تعهد ترامب بوقفه هذا الدعم، وكذلك في ظل التقدم النسبي الذي حققه مسار "أستانة" للمفاوضات بين المعارضة والنظام السوري. 
بينما شهد اليمن موجات لتصعيد عسكري بين الحوثيين والقوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، مع الاستمرار في تعثر مساعي الحلول السلمية. وفي ليبيا، تعثرت جهود المبعوث الأممي، غسان سلامة، وخطته لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في عام 2018، في ظل استمرار الخلاف حول تعديلات الصخيرات.
بالنسبة للقضية الفلسطينية، فعلى الرغم من تمسك ترامب بما عُرف بـ"صفقة القرن"، إلا أن القضية شهدت تحولا نوعيا بعد قرار ترامب الأخير بشأن نقل السفارة الأمريكية للقدس، وهو ما قُوبل بتفاعلات مضادة إقليميا ودوليا.  
وشهد النصف الثاني من عام 2017  تصاعدًا لوتيرة أعمال العنف في الصومال، والذي يتهم حركة "الشباب المجاهدين" الإرهابية بالوقوف ورائها، وذلك بعد هدوء نسبي شهده النصف الأول من العام، في ظل التوترات الداخلية المتلاحقة، جراء الحروب المستمرة منذ عقود.  
شهد أيضا، العام بروز أزمة مقاطعة الرباعية العربية ( مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين) لقطر في يونيو 2017، اعتراضا على سياسات الدوحة في تمويل الإرهاب والتدخل في الشئون الداخلية للدول. كما تصاعد خلال هذا العام "حراك الريف" بالمغرب ومطالبهم بتحقيق التنمية في المنطقة، وما نتج عن ذلك من إعادة هيكلة للنسق الحكومى، دون إحداث تغيير جذرى لأجندة الحراك. 
كذلك تنامت أزمات اللجوء غير الشرعى لأوروبا من الشرق الأوسط وإفريقيا، وذلك دون إغفال الملف النووى، والعلاقات المضطربة ما بين الولايات المتحدة وكل من كوريا الشمالية وإيران، إثر تجاربهما النووية وتهديدهم لإستقرار أقاليمهم. 
 
تصاعد التيارات الشعبوية:
يؤسس ذلك التيار لظاهرة "الرؤساء الممثلين للقومية الشعبوية"، أى الذين يحظون بشعبية كبيرة بين كل أرجاء بلادهم، وخاصة في المناطق الريفية والفقيرة، لكنهم يفتقدون تلك الشعبية في عواصم بلادهم ومدنها الكبيرة وأيضا بين الشباب المثقفين. 
ولعل السبب الرئيسى في هيمنة تلك التيارات المتطرفة على انتخابات عام 2017 بأوروبا والولايات المتحدة، يمكن إرجاعه لعدد من العوامل، في مقدمتها: انتشار معدلات البطالة بشكل غير مسبوق في الدول الأوروبية، وتزايد الهجرة لتلك الدول عقب الاضطرابات في الشرق الأوسط بعد الثورات، وما تلاها من تداعيات أمنية، مما أحدث تحولا ديموجرافيا أدى لإضعاف الهوية الأوروبية، بالإضافة إلى ضعف خطط الإصلاح والتقشف الاقتصادى التى تتبعها تلك الحكومات الأوروبية.  
 
انفراجات حثيثة:
  لعل أولى تلك الشواهد، وهى "الانفراجة الاقتصادية" لإحدى الأزمات الدولية، وما يتعلق برفع العقوبات الأمريكية عن السودان في 6 أكتوبر الماضي، والمفروضة منذ عام 1997، مما أنعش آمال السودانيين بالخروج من الأزمات الاقتصادية الخانقة وتباطؤ التنمية. 
كذك، شهد عام 2017 انفراجة أمنية تتعلق بانحسار تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق، وذلك بعد تحرير الموصل العراقية، ونجاح عملية "درع الفرات"، بالإضافة إلى خسارة التنظيم لأهم معقلين له في البلاد، الرقة في الشمال، لصالح قوات "ب ي د" المدعومة من الولايات المتحدة، ودير الزور في الشرق، لصالح قوات النظام وحلفائه. 
بالإضافة إلى ذلك، شهد عام 2017  إنفراجة سياسية بالملف الفلسطينى الفلسطينى، وذلك بتوقيع اتفاق المصالحة ما بين حركتى فتح وحماس في أكتوبر الماضى، ويقضي الاتفاق بتمكين "حكومة الوفاق" من إدارة شئون القطاع بشكل كامل. 
 
استشراف لعام 2018:     
تؤكد الشواهد العامة أن هناك ترحيلاً للعديد من أزمات عام 2017 إلى عام 2018، ففي ظل الارتباك والانقسام المؤسسى الذى تعانيه إدارة ترامب، بالاضافة إلى سعى بوتين لإعادة إنتاج "القومية الروسية" والتنافس على صدارة العالم، نجد أن جميعها يسهم في خلق حالة من "عدم اليقين"، لتُنذر بثلاث جبهات رئيسية ناشئة قد تقرع جرس الإنذار بشأن احتمالية نشوب حرب باردة، قد تتطور إلى صراع عالمي ثالث، وذلك من خلال:   
(*) جبهة أوروبا- روسيا حول الصراع الأوكراني:  فلا يزال الوضع في أوكرانيا متوترًا، كما أن تصاعد حدة الاحتجاجات والمظاهرات أثارت تساؤلات حول مدى استقرار الحكومة في كييف. ففي حين أن انهيار الحكومة الأوكرانية سيعزز من فرص موسكو التوسعية "نظريا"، فإنه قد يتسبب في إحداث حالة من عدم الاستقرار، في ظل صعود المتشددين اليمينيين إلى السلطة، الأمر الذي من شأنه أن يعزز من احتدام الصراع في المقاطعات الشرقية. 
(*) جبهة آسيا- المحيط الهادى، والمتعلقة بالصراع الأمريكي- الصيني: فالأجندة الجديدة للولايات المتحدة تستهدف التحول باتجاه آسيا، ولذلك، فلن تنسحب من المحيط الهادى الذي يُعد "خط الدفاع المتقدم" عن الأمن القومي الأمريكي، وفقا لمايكل جرين في كتابه "الاستراتيجية الكبرى والقوة الأمريكية في آسيا -المحيط الهادى منذ 1783"، ومن ثم، فالانتشار العسكري الأمريكي في بحر الصين الجنوبي ستتصاعد كثافته مع استمرار الصعود الصيني والتهديدات النووية لكوريا الشمالية مما ينذر بصراع مستقبلى بالمنطقة الآسيوية. 
(*) جبهة الشرق الأوسط، وقوامها "تهديدات أمنية" لتنظيم الدولة وتداعيات مابعد الحرب السورية: فمع اقتراب الأزمة السورية نحو الحل، سيتحول الاهتمام إلى المواجهة بين إيران والسعودية، ومن ثم نجد أن أحد المسارات المحتملة يتمثل في تصاعد الصراع بين الرياض وطهران. كذلك، نجد أن أجندة داعش تهدف إلى خلق المزيد من العنف والفوضى في مناطق أخرى، سيما المتماسة بين إفريقيا والشرق الأوسط، وخاصة بعد انحساره في سوريا والعراق. 
ختاما، فإن مجمل التحولات السياسية، والتى تمت خلال عام 2017، ستؤتى ثمارها، إما بمزيد من الفوضى، أو بالدفع نحو بناء أطر أكثر دعما للاستقرار والسلام. إلا أن الفرضية الرئيسية لعام 2018 لا تزال تتمثل في أن "استراتيجيات الحسم" لأزمات الأقاليم المختلفة لم تعد ذات أولوية، في ظل تصاعد أزمات الهياكل البنيوية، وتراخى أسس الحوكمة، وفشل عمليات التنمية، وإشكالية السلطة الشرعية بالتوازى مع التغيرات المتلاحقة لأجندات "فواعل" الإقاليم، في ظل تصاعد أحداث العنف المصاحبة للتنظيمات التكفيرية والإرهابية العابرة للقومية، فضلا عن إعادة إنتاج نمط من التكالب الدولي الجديد للقوى الكبرى، كالولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وغيرها.
 

رابط دائم: