هل يقطع ترامب المساعدات عن رافضي قراره حول القدس؟
27-12-2017

د. نهى بكر
* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية
طلبت كل من اليمن وتركيا، كممثلين عن المجموعتين العربية والإسلامية، وتفعيلا لآلية الاتحاد من أجل السلام الذي هو إحدى آليات الأمم المتحدة  وفقًا لقرار رقم 377 المعروف بقرار "الاتحاد من أجل السلام" الذي تم التصديق عليه عام 1950. وينص على أنه في أية حالة يخفق مجلس الأمن، بسبب عدم توافر الإجماع بين أعضائه الخمسة  دائمي العضوية، في التصرف كما هو مطلوب للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، يمكن للجمعية العامة أن تبحث  المسألة بسرعة،  وقد تصدر أي توصيات تراها ضرورية بأغلبية ثلثي أعضاء الجمعية العامة،  من أجل استعادة الأمن والسلم الدوليين، وإذا  لم يحدث هذا في وقت انعقاد جلسة الجمعية العامة، يمكن عقد جلسة طارئة وفق آلية الجلسة الخاصة الطارئة. 
في هذا الإطار، تم عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس 21 ديسمبر2017، ردا على توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 6 ديسمبر الجاري قرارا  بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والذي يعكس اعتباره القدس عاصمة لإسرائيل، في خطوة أثارت غضب الدول العربية والإسلامية.
 وقدمت الدولتان مشروعا اعتمده  قرار الجمعية العامة في دورتها الطارئة، يؤكد امتثال الدول لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس، وبعدم الاعتراف بأي إجراءات، أو تدابير مخالفة لذلك القرار.
وسبق جلسة الجمعية العامة تقديم مصر بصفتها عضواً غير دائم في مجلس الأمن في  19 ديسمبر الجاري، مشروع قرار لمجلس الأمن يعبر عن أن " أي تغيير في وضع القدس ليس له أي مفعول قانوني ويجب إبطاله"، ويشدد على أن قضية القدس "يجب حلها عبر المفاوضات"، ويعبر "عن الأسف الشديد للقرارات الأمريكية الأخيرة، وأن أي قرارات وأعمال تبدو وكأنها تغير طابع القدس، أو وضعها، أو تركيبتها السكانية، ليس له أي مفعول قانوني، وهو باطل ويجب إلغاؤه". 
ودعا مشروع القرار، المقدم من مصر، كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى عدم الاعتراف بأي إجراءات تخالف قراراتها في شأن وضع المدينة المقدسة، كما حض كل الدول على الامتناع عن فتح سفارات لها في القدس، وقد أيد مشروع القرار المصري أربع دول من الدول الخمس دائمة العضوية، مما يظهر خلق فجوة استثنائية بين أمريكا وحلفائها الرئيسيين، من بينهم بريطانيا وفرنسا. 
وأيد مشروع القرار الدول العشر غير دائمة العضوية، ليوقف إصداره الفيتو الأمريكي. تبع ذلك التوجه للجمعية العامة كخطوة دبلوماسية تعبر عن إرادة المجتمع الدولي، علما بأن الرئيس الأمريكي ترامب قد وجه تهديدات صريحة للمجتمع الدولي، وللدول التي ستعارض تنفيذ قراراته. قائلا "إنهم يأخذون مئات الملايين من الدولارات، حتى مليارات الدولارات، ثم يصوتون ضدنا. حسنا، سنتابع هذا التصويت، دعهم يصوتون ضدنا، سنوفر الكثير من الاموال، نحن لا نهتم"، في إشارة منه إلى الدول التي تصوت ضد الولايات المتحدة.
يأتي تهديد ترامب بعد تهديدات علنية مماثلة لمندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، نيكي هيلي، وجهتها لممثلي الدول الأعضاء قبل تصويت مماثل على مشروع قرار قدمته مصر أمام مجلس الأمن. إذ قالت هيلي إن "ترامب طلب منها تسجيل أسماء الدول التي ستصوت ضد الولايات المتحدة". 
تتناول هذه المقالة تحليل الكتل التصويتية التي صوتت على قرار الجمعية العامة، ومحاولة استشراف هل سينفذ ترامب تهديداته أم لا.
دلالات السلوك التصويتي:
جاءت نتيجة التصويت  في الجمعية العامة لصالح القرار بموافقة 128 دولة، ورفض تسع دول، وامتناع 35 دولة عن التصويت. ولعل تصويت الـ 128 دولة، يوضح أنها  ضد قرار ترامب في الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ويعد شهادة رسمية على تراجع النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في العالم، إذ رفضت هذه الدول التهديدات الأمريكية السابقة للقرار الأخير بقطع المعونات عن الدول التى تصوت ضد قرار الرئيس الأمريكى، علما بأن المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية هي إحدى أدوات السياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.  
ومن بين الدول الرافضة لقرار ترامب، والتي تحصل علي مساعدات اقتصادية وعسكرية من الولايات المتحدة: مصر، وأفغانستان، وباكستان، والأردن. فخلال عام 2016، حصلت أفغانستان على 1.51 مليار دولار، في حين حصلت مصر على 1.46 مليار، والأردن على مليار دولار، وتحصل باكستان على مساعدات قيمتها 803.8 مليون دولار، فيما حصلت كينيا على 630 مليون دولار أمريكي. 
وطبقا للأرقام المعلنة من قبل وكالة المساعدات الامريكية (USAID) لعام 2016، فإن الولايات المتحدة قدمت نحو 13 مليار دولار، كمساعدات اقتصادية وعسكرية لدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونحو 6.7 مليار لدول في جنوب ووسط آسيا، و1.5 مليار دولار لدول أوروبا وأوراسيا.
وقدمت الولايات المتحدة حوالي 13 مليار دولار مساعدات إضافية لدول إفريقية جنوب الصحراء الكبرى، و1.6 مليار دولار لدول شرق آسيا وأوقيانوسيا. كما تخلى حلفاء الولايات المتحدة الأساسيون، مثل بريطانيا واليابان، عنها. كما تخلى أيضا عن إسرائيل كل من روسيا والصين والهند التي كثيراً ما أعلنت إسرائيل عن تحسن علاقاتها معها.
 ورفضت تسع دول مشروع القرار الصادر من الجمعية العامة، تأتي على رأسها الولايات المتحدة الامريكية، وإسرائيل. أما الدول السبع الأخرى، فهى دول صغيرة من حيث المساحة على خريطة العالم، ومنها دول حديثة العهد نشأت نتيجة عمليات التقسيم والانفصال، وجميعها تخضع للنفوذ الأمريكي، وهي: جواتيمالا، وهندوراس، وتوجو، وميكرونيزيا، وناورو، وبالاو، وجزر مارشال.
 وامتنعت 35 دولة عن التصويت، مما يعد تصويتا حياديا، وإن كان غير مؤيد. من بين الـ 35 دولة، 3 دول تقع فى حوض النيل (أوغندا، ورواندا، وبوروندى)، وهذا الموقف الذى اتخذته تلك الدول الثلاث يكشف عن نجاح التغلغل  الإسرائيلي- الأمريكي بدول المنبع والمجرى فى حوض النيل، عبر علاقات التبادل الاقتصادى، والتجارى، والاستخبارى، والعمل التنموي، كما زار نتنياهو تلك الدول الأفريقية خلال العام الأخير. 
أما امتناع دولة بوتان عن التصويت، وهي دولة بوذية صغيرة ومعزولة بجوار الهند، وليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فيمكن تفسير سلوكها التصويتي بأنها استضافت قبل شهر زيارة لوفد إسرائيلي برئاسة مدير عام قسم آسيا في الخارجية الإسرائيلية، جلعاد كوهين، والسفير الإسرائيلي في الهند، دانيال كرمون. كما امتنعت كل من المجر، وتشيكيا، ولاتفيا وكرواتيا، ورومانيا، وبولندا عن التصويت على القرار شذوذاً عن موقف الاتحاد الأوروبي، مما يوضح عمق علاقتهم بإسرائيل.
ويُظهر التصويت في الجمعية العامة تراجع أهمية آلية المساعدات الأمريكية، وهي إحدى آليات سياستها الخارجية ، بل يدلل كذلك على إمكانية عزلة الولايات المتحدة عن المجتمع الدولى، في حالة تنفيذ التهديدات التي أعلنها ترامب، وهو موقف وضع الرئيس الأمريكى بلاده فيه، لاعتبارات داخلية، أسفرت عن نتائجها سريعا، حيث رفض مجلس النواب بالكونجرس الأمريكي البدء في إجراءات محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ في إطار احتمالية عزله.
كما أظهر الرفض الدولى الكاسح لقرار ترامب حول القدس وحدة رؤى المجتمع الدولى بشأن القضية الفلسطينية،  وهو توجه لا بد من البناء عليه والانطلاق منه لخطوات قادمة فى المحافل الدولية، لأجل إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ويبقي التساؤل: هل سينفذ ترامب تهديده،  بعد أن تخلى عنه حلفاؤه المقربون منه، ليقف في المشهد الدولي وحيدا، علما بأن هؤلاء الحلفاء لهم دور مهم في محاربة الإرهاب، أم يتراجع عن تهديداته مع مساعدة المجتمع الدولي لحفظ ماء وجهه؟. قد يكون السيناريو الأخير هو الأوقع، وإن كنا أمام رئيس أمريكي غير نمطي لا نستطيع التكهن بخطواته. فقد يتخلى عن تهديداته على المدى القصير لينفذها في حالة كسبه الانتخابات الرئاسية القادمة في 2020، أو استمرار الأغلبية الجمهورية في الكونجرس الأمريكي في الانتخابات التشريعية القادمة.
 

رابط دائم: