أمريكا- إيران.. والمسكوت عنه
22-12-2017

لينا مظلوم
* كاتبة عراقية
التصريح الصادر الأسبوع الماضي عن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، مؤكدا عدم نية بلاده الرد عسكريا على التهديدات الإيرانية للمنطقة, لخص حالة التصادم المثير للجدل بين أمريكا و إيران، والتي قامت علنا على "حرب شعواء!" أسلحتها التهديدات و التصريحات العدائية. أمريكا التي احتضنت  آية الله الخميني- الزعيم الروحي للثورة الاسلامية- قبل عودته الى ايران, كانت على دراية بحدود طموحاته المتجاوزة للثورة الايرانية إلى طرح إيران لقيادة العالم الإسلامي.. العقبة التي سقطت من حسابات الخميني هى رفض الدول العربية الاسلامية الرضوخ لهذا المخطط. وبالتالي، فإن المشروع الإيراني، الذي اتسم منذ الثورة باعتماد سياسة العمل "تحت الأرض" بعيدا عن مظاهر الاستعراض العلني والإعلامي, بقى أمامه التركيز على قيادة المذهب الشيعي تحقيقا لأطماعه في المنطقتين العربية والإسلامية.
     الهدف بدا واضحا للعالم بشكل صارخ في مشهد  الحرب على العراق عام 2003. إيران، بحكم موقعها الجغرافي والاطماع التاريخية في احتواء العراق كجزء منها, مع وجود اغلبية شيعية فيه, تلقفت بكل ترحاب "الكنز الذهبي" الذي منحته لها امريكا بكل الفوضى والتخبط الذي حملته "ديمقراطيتها" المزعومة. لم تتوقف امريكا باهتمام امام زحف التنظيمات الارهابية الى المنطقة, ولا حتى تحذير  صدر عن ملك الاردن عبدالله بن الحسين عام 2004 عن خطورة مشروع "الهلال الشيعي" الايراني، سواء عن طريق ميليشيات مسلحة تابعة لها، او سيطرتها على القرار السياسي في لبنان والعراق. عبر حدود البلدين، نجح المشروع الطائفي الايراني في الدخول كطرف في الازمة السورية. خلافا للمساعي العربية التي اتسمت بالحكمة- على رأسها مصر- والداعية الى تسوية سياسية تضمن ارادة الشعب السوري بعيدا عن تدمير مؤسساتها السياسية و الامنية وعن سيطرة التنظيمات الارهابية على اراضيها, فان التدخل الايراني جاء مدفوعا بأطماع امتداد نفوذه الطائفي في اطار تأخر الطرف العربي عن التعامل بحزم في مواجهة مخاطر هذه التقسيمات على اراضيه.
     تصريح ماتيس لا يمكن قراءته بمعزل عن سلسلة حروب خاضتها امريكا ثم فشلت في الخروج منها مثل فيتنام, وافغانستان, والعراق، مما دفعها الى ان تنأى بنفسها عن القيام بدور فعلي و المشاركة بقواتها, مفضلة التحكم في مسار الصراعات عن طريق آليات متعددة في المنطقة. لعل اوضح الامثلة اقتصار ردود الفعل الامريكية على التصريحات العدائية ضد ايران في الحرب التي تخوضها قوات التحالف بقيادة السعودية ودول الخليج في اليمن كحق مشروع للدفاع عن حدودها الممتدة جنوبا من تهديد سيطرة ميليشيات تابعة لايران. من جانب اخر في العراق, ومع اكتمال التحرير العسكري لقضاء نينوى ومدن الموصل وتل عفر , اصبح الخط البري الواصل بين العراق-سوريا مفتوحا امام ايران, بهذا فهي بدأت فعليا استخدام خط طهران-الموصل-دمشق لاغراض عسكرية تدعم وجودها في سوريا، مكتسبة بذلك مساحة نفوذ جديدة لا تقدر بثمن مقابل اعلانات القلق والتحذير الموجهة لها من امريكا و منظمات المجتمع الدولي .
امريكا التي لعبت الدور الاكبر في نجاح ثورة الخميني, ادارت وجهها لاكثر من عقد عن ملف النشاط النووي الايراني قبل التوصل الى اتفاق (5+1) حرصا على تهدئة المخاوف الاسرائيلية مما يمثله هذا النشاط على أمن الثانية. في الوقت ذاته, فإن امريكا معنية بوجود كتلة شيعية تمتد من ايران-العراق-لبنان-سوريا, كما لم تبد ممانعة جادة من اضافة منطقة نفوذ ايرانية على الحدود الجنوبية لشبه الجزيرة العربية. المؤكد ان مثل هذه التقسيمات القائمة على أسس طائفية (سنة-شيعة) او قومية (عرب-فرس) هي النموذج الامثل للصراعات التي تبقي المنطقة تحت السيطرة بما يخدم النفوذ والمصالح الامريكية, بدليل انها صنفت المعارضة الايرانية (مجاهدي خلق) كمنظمة ارهابية وبذلت كل المساعي لمحاصرة انشطتها رغم كونها منظمة علمانية لا تقوم على اي مرجعية دينية. 
      التاريخ اثبت ان الحروب ذات الطبائع الدينية او القومية لا تحسم بانتصار يحقق هدف احد طرفيها، كونها صراعات قائمة على قناعة أو فطرة مذهبية. على هذه الارضية، فاوضت ايران امريكا, وضمنت الضوء الاخضر امام طموحاتها, فهي الكتلة الطائفية الحاضرة دائما للصدام مع الكتلة الاخرى.
      حالة الوهن السياسي التي سادت المنطقة العربية, لتكتفي منذ حرب الخليج بدور المتفرج, بالاضافة الى الاصرار الامريكي على التدخل العسكري في العراق كل ذلك اسبغ عليها طابع الحرب الشخصية بين صدام حسين وجورج بوش, حتى إن رضوخ الاول– في اللحظات الاخيرة- للحلول التي حاولت مصر انذاك طرحها انقاذا للمنطقة من  حرب ستمتد تبعاتها الكارثية لعقود, لم يلق ترحيبا من الجانب الامريكي. كما ساعدت موجة التغييرات و الفوضى التي سادت بعض البلاد العربية على تمهيد الطريق لامتداد اطماع ايران الى جنوب شبه الجزيرة العربية .
      هذا التراث المتراكم من الصفقات السرية بين امريكا-ايران, و المسكوت عنه من الجانب العرب ايضا، لا يمكن قراءته بعيدا عن تخطيط مستقبلي للمنطقة تعد له امريكا, تحديدا بعد صدمة قرار الرئيس الامريكي ترمب, علما بأن "سابقة" التدخلات الايرانية في دول عربية لم تقم على التهدئة او تحقيق السلام, بل في اثارة الانقسامات الطائفية خدمة لمصالحها.
 

رابط دائم: