‎ ترامب والقدس..الغباء وعدم الخبرة
13-12-2017

مايكل مورجان
* باحث بمركز لندن وإعلامي مصري
‎في الحقيقة لا أجد الكلمات المناسبة للتعبير عن غضبي من قرار ترامب الأخير عن القدس، ولكنني أعتقد أن ترامب بدأ في تحطيم آمال الكثيرين بقراره الخطير ليس فقط على المستوى العالمي، وإنما أيضا عليه بشكل خاص وعلى الولايات المتحدة الأمريكية بصفة عامة، والسبب وراء خطورة هذا القرار تكمن في كواليسه وتداعياته. 
فى عامه الأول، بل وقبل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية واجه دونالد ترامب مقاومة عنيفة من الإعلام الأمريكي والحزب الديمقراطي والليبراليين الأمريكيين، وكنا قد تعاطفنا معه كثيرا، ليس عشقا فيه ولكن بسبب العداء الشديد الذي واجهنا من قبل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وكان محتملاً تضاعفه في ظل رئاسة هيلاري كلينتون إذا لم تخسر الانتخابات أمام دونالد ترامب. 
‎معظم المؤشرات عن دونالد ترامب، كانت إيجابية في اتجاه علاقته بمصر وعداءه للإرهاب وخططه تجاه منطقه الشرق الأوسط، وحدوث تغيير في موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة بعد رحيل باراك أوباما. لكن من الواضح الآن، أن ترامب يريد أن يدير الولايات المتحدة الأمريكية كما أدار شركاته الخاصة، فهو يتخيل أن السياسة تدار بنفس أساليب إدارة الأعمال، وهذا بالطبع تقدير خاطئ جدا، حشد أكبر عدد من أعدائه وجمعهم في صف واحد ضده، مما يهدد بقاءه في السلطة أو على الأقل فوزه بفترة ثانية إذا مرت الحالية بسلام. 
‎أتصور أن دونالد ترامب يتعامل بطريقه الـ " over shooting " فهو يحاول معالجة بعض الأمور بأفعال قد تؤثر بالسلب على مصلحته الشخصية أو المصلحة العامة، فعلى سبيل المثال أعتقد أن أحد أسباب إعلانه أن القدس عاصمة إسرائيل، هو محاولة تشتيت الرأي العام وتحويل الأنظار بعيدا عن قضية التدخل الروسي في نتيجة الإنتخابات الرئاسية التي أصبحت خطرا كبيرا عليه، وخاصة بعد اعتراف مستشار الأمن السابق مايك فلين بالكذب علي الـFBI، مما يستوجب علي فلين التعاون الكامل مع التحقيقات، حتى لو انتهى الأمر بالشهادة ضد الرئيس ترامب شخصيا، وهو ما يمثل خطرا شديدا علي ترامب، لأنه ليس من المعقول أن يتواصل مايك فلين مع الحكومة الروسية بدون علمه.
‎ورغم أنني لا أجد أي مشكلة في هذا الموضوع، حيث إن مايك فلين كان يستعد لدخول البيت الأبيض، فكان من واجبه أن يهيئ الطريق لتهدئة الأوضاع بين الولايات المتحدة وروسيا، وخاصة بعد العقوبات –الطعم- التي أقرها الرئيس السابق باراك أوباما قبيل مغادرته للبيت الأبيض بأيام قليلة للإيقاع بالرئيس المنتخب دونالد ترامب في مصيدة القانون. ولكنني لمت كثيًرا على فلين أنه تعامل مع الإدارة السابقة بمنتهى الطيبة، ولم يحترس أو يتوقع الخيانة على الرغم من تحذيري الشخصي له، وقد تحدثت معه شخصيا لأنه صديق عزيز، وسبق أن حاورته قبل الانتخابات الأمريكية في برنامج "النبض الأمريكي". 
‎أعتقد أنه كان على "فلين" و"ترامب" تجنب كل هذه المشكلات بخصوص التعامل مع السفير الروسي مباشرة، وكان يتعين على كل منهما أن يستخدم وسائل الإعلام التي عاداياها منذ بداية المشوار الانتخابي، وذلك من خلال إلقاء كلمة أو حوار عن العلاقات الأمريكية الروسية، وعن نيتهما في إعادة دراسة الملف بعد تولي ترامب السلطة. وهنا كان من الممكن تفادي إدانتهم نظرا لتحدثهم للرأي العام، وللعالم كله، ولروسيا من خلال الصحافة والتليفزيون. أيضا لم يكن ينبغي على فلين الكذب على الـ FBI مما أدى إلى إدانته في المحكمة أيضا. ومن الواضح تماما أن إسرائيل استطاعت بخبرتها السياسية ومكرها من استغلال الموقف، وقامت بعرض مساعداتها على الرئيس الأمريكي من خلال قوتها السياسية بين أفراد الكونجرس، وبالفعل تم تعطيل طلب أحد النواب لعزل دونالد ترامب، وذلك بعد يوم واحد من إعلان ترامب أن القدس هي عاصمة  إسرائيل.
الواضح أيضاً، أن اللوبي الصهيوني بدأ في الضغط علي ترامب من ناحية، كما ضغط صهره كوشنر من ناحية أخرى، حيث تبنى كوشنر الخطة، وكان هذا واضحا تماما من خلال تحركاته الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط و إسرائيل. 
رغم مساعي ترامب، فإنني أعتقد أن عرشه بدأ يترنح، وخاصة بعد أن تبنى الرأي العام حملة #me_too عن التحرش، والتي في رأيي أن المستهدف الرئيسي منها هو، دونالد ترامب، حيث أن الرأي العام سيندفع بقوة وراء CNN ، وفريق عمل هيلاري كلينتون". وبما أن العديد من رموز المجتمع تم عزلهم واستقالتهم من مناصبهم العامة نظرا للاتهامات بالتحرش، فلابد من ربطها بالرئيس، وعندئذ سيحاول الليبراليون الضغط عليه للاستقالة أيضا أسوة بمن سبقه من الشخصيات العامة.
‎أعتقد أيضًا أن ترامب كان يحاول جاهدا أن يظهر للناخب الأمريكي أنه "ملتزم بما يصرح به" أو أنه يوفي بما يعد، حيث وعد دونالد ترامب اللوبي الصهيوني في مؤتمر الـ" AIPAC" قبل الانتخابات بشهور قليلة، بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، فكأن ترامب بهذا الإعلان يطلب من مؤيديه ومن المجتمع الأمريكي ومن الإعلام الذي يتحكم فيه اللوبي الصهيوني أن يتغاضوا عن سقطاته أو مشاكله الأخرى.
‎ما لم يدركه ترامب أنه بهذا القرار قد يكون خسر العديد من المجموعات المؤيدة بمرجعياتها المتفاوتة من المسلمين والمسيحيين والعرب وغيرهم فقط من أجل إرضاء الكيان الصهيوني، وسوف يعلم لاحقا أنها صفقه خاسره من حيث المبدأ والتوقيت. حيث إنها تقتل عملية السلام، وأتذكر أنه عندما التقى دونالد ترامب مع نتيناهو أول مره في البيت الأبيض بعد تولي ترامب السلطة، لوح بأنه مع عملية السلام في جميع الحالات، إما عن طريق حل الدولتين، أو حل الدولة الواحدة، وعلقت يومها في مداخلة هاتفية لشبكة On E بأنني غير مطمئن من تلويح ترامب بأن السلام من الممكن أن يكون في حل الدولة الواحدة، والذي بالضرورة يعني الدولة الإسرائيلية فيما يلغي تمامًا وجود الدولة الفلسطينية مما يجسد الحال الآن، وهو الوضع غير المقبول جملة وتفصيلا. 
يعد أيضا من أضرار هذا القرار، أنه بمثابة قبلة الحياة للمنظمات الإرهابية، وجماعة الإخوان المسلمين، حيث سيندسون بين المسلمين المعتدلين وغير الموافقين على قرار نقل السفارة، بما سيؤدي إلى خلط كبير في الأوراق، وبذلك لا تستطيع الحكومات الفصل بين من هو إرهابي ومن يدافع عن حقه أو على الأقل يطالب به.
‎ورغم أننا نلاحظ  في الآونة الأخيرة انهيارا ملحوظا في صفوف أكبر التنظيمات الإرهابية، كما نرى ضعفا واضحا في تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، ولكن بعد هذا القرار من الممكن أن يتناسى الجميع ما فعلته تلك التنظيمات في بلادنا، ويتحدون مع تلك التنظيمات الإرهابية في سبيل تحرير القدس مما يعني تطورا خطيرا جدا، قد يؤدي إلى حرب دينية.
‎وفى الختام، أود أن أشيد بدور شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذوكسية في اتخاذ موقف واضح من القرار، ورفض مقابلة نائب الرئيس الأمريكي. وأيضا أشيد بدور الرئيس عيد الفتاح السيسي، وتحركاته المحسوبة والمسئولة تجاه حل المشكلة سياسيا ودبلوماسيا، فيما لا يتعارض مع موقف مصر أولا، وشرعية القضية الفلسطينية والمطالب العربية ثانيا.
 

رابط دائم: