الأبعاد المحتملة لدور التنظيمات الإرهابية فى المشهد اليمنى
12-12-2017

أحمد عليبة
* باحث فى الشئون الأمنية والعسكرية
يعيد التطور الراهن فى المشهد اليمنى الخاص بانفراد الميليشيا الحوثية بالهيمنة على العاصمة صنعاء عقب تفكك تحالفها الانقلابي مع الرئيس السابق على عبدالله صالح وقيامها باغتياله، طرح الحديث مجددا عن احتمالات صعود التنظيمات الإرهابية، كالقاعدة و"داعش"، فى ظل ترقب اندلاع مزيد من الفوضى فى المشهد القادم، وهو ما يشكل بيئة مثالية لتنامى دور هذه التنظيمات، وتصاعد تمددها طردياً مع تفاقم مستوى التدهور على الصعيدين الأمنى والسياسي.
ومقابل هذه المعطيات النظرية، ربما تطرح المؤشرات الميدانية رؤية عكسية. فالمشهد الحالى من فصول الصراع يأتى عقب إخفاق تلك التنظيمات فى التمدد فى اليمن بشكل كبير، على الرغم من البيئة المثلى التى شكلتها تداعيات الصراع، بل قد يكون من اللافت للنظر أن هناك حالة من ضعف الصعود المتزامن لهذه التنظيمات بشكل بالتزامن مع المنعطف الأخير فى الصراع. فتنظيم مثل القاعدة الذى شكَّل حالة رسوخ طويلة لعقود من الزمن فى اليمن شهد تراجعاً ملحوظاً فى معاقله الرئيسية فى اليمن. وفى المقابل، لم ينجح تنظيم داعش فى استنساخ تجربته الاقليمية فى الحالة اليمنية، كما شهد التنظيم تراجعاً مماثلا على الصعيد الإقليمى .  
وفى ضوء هذه السياقات، فإنه من الأفضل إعادة طرح التساؤل حول احتمالية عودة تصاعد نشاط هذه التنظيمات فى المشهد اليمنى مجددا، بعد الانكسارات التى منيت بها بالنظر إلى تطور الحالة اليمنية؟ وهو ما يمكن مناقشته، من خلال التطرق لكل حالة تنظيمية على حده، وذلك على النحو الآتى:
 
 أولا-  بالنسبة للقاعدة:
خسر تنظيم القاعدة فى أغسطس الماضى أهم معاقله فى "شبوه"، إثر هزيمته من قوات "نخبة شبوه" التى تم تدريبها على يد قوات التحالف، وذلك فى منطقة المكلا التى شكلت حتى أبريل 2015 أحد مرتكزات التنظيم التى كانت أشبه بإمارة قاعدية، وهو ما أفقده الحاضنة الشعبية القبلية التى كانت تستوعبه وتسانده من قبل، لاسيما فى ظل تصادمه مع بعض القبائل.
وبالتالى فمن المتصور أن القبائل التى باتت خصما للتنظيم، ربما لا تسمح بعودته لمواجهة عدو مشترك هو الحركة الحوثية. فمثلا بالنسبة لقبائل شبوه التى أصبح لديها ثأر حالى مع الميليشيا الحوثية، نظرا لاغتيالها الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبى العام، عارف الزوكا، الذى ينحدر منها، وذلك خلال مرافقته للرئيس السابق على عبدالله صالح، لن تسمح للتنظيم بمشاركته فى توجيه ضربات انتقامية للميليشيا الحوثية، خاصة أن مثل هذا الهدف يتعارض مع أولويات القاعدة فى عدم دعم حزب المؤتمر كواجهة سياسية لسلطة صالح الذى كان يشكل عدوا للتنظيم، لاسيما أن التنظيم خاض معارك متقطعة فى مواجهة الجيش اليمنى الموالى للشرعية قبل انقلاب الحوثى – صالح على الشرعية وإسقاط صنعاء فى 21 سبتمبر 2014، معتبرا أن الأولوية لديه فى تلك المرحلة هى الحفاظ على مكتسباته الميدانية فى شبوه، وأبين والمكلا، وارحب، وغيرها من المناطق الجنوبية، وبالتالى لا توجد قواسم مشتركة لاحتمالية عودته لمناصرة قبائل شبوه انطلاقا من هذا الهدف.
كما لم يضع التنظيم استهداف الحركة الحوثية على قائمة أولوياته, ولم ينخرط فى مواجهتها إلا بشكل محدود فى بعض مناطق المقاومة الجنوبية المتاخمة لمناطق نفوذه باتجاه الجنوب الشرقى نحو إقليم حضرموت، وربما كان دافعه المرحلى آنذاك محاولة مواجهة نفوذ تنظيم "داعش" الوافد الجديد فى تلك المرحلة.
ومع مقتل أمير التنظيم فى اليمن ونائبه، ناصر الوحيشى، فى غارة أمريكية منتصف 2015، عاد التنظيم من جديد إلى سيرته الأولى باستهداف العدو البعيد، وهو الولايات المتحدة، وهو ما أكده قاسم الريمى – خليفة الوحيشي - فى أول رسالة صوتية له فى أغسطس 2015 بقوله "إن على الجميع توحيد الصفوف، وتوجيه الرماح والسيوف نحو أمريكا." 
 
ثانيا- تنظيم "داعش":
على الرغم من أن تنظيم داعش كان المرشح الأقوى لمناوأة ميليشيا الحوثي، لاعتبارات تتعلق بأفضلية البيئة الحاضنة ومعطياتها المثلى له، وهى البيئة المزدوجة الصراع الطائفى والسياسي، وهو ما تعزز تصوره بإعلان التنظيم ما يسمى بولاية صنعاء فى نوفمبر 2014، أى بعد أقل من شهرين على سقوط العاصمة على أيدى الميليشيا الحوثية، فإن الفرصة لم تكن مواتية له للتمدد فى هذه الساحة، بالنظر إلى إحكام الميليشيا قبضتها الأمنية على المدينة وتحصينها لمنع اختراق جيش الشرعية لها، وهو ما أسهم فى بشكل غير مباشر فى تقييد حركة "داعش" فيها ، إلى جانب احتراز التنظيم من المغالاة فى المظاهر الطائفية فى صنعاء. فعلى سبيل المثال، كان تقييم بعض المناسبات، مثل الاحتفال بالمولد النبوى، فى مقر الفرقة الأولى مدرع فى العام الأول من هيمنتها على صنعاء، ولم يتمكن التنظيم من منع أو استهداف الاحتفال، وبالتالى كانت صنعاء عصية على اختراق التنظيم.
ولاحقاً، كشف الانتشار الميدانى والعمليات اللاحقة عن انتقال التنظيم جنوبا باتجاه عدن، وليس الشمال، أنه يعد بمنزلة إعلان فشل فى تحقيق هدفه الرئيسي أو الذى كان يروج له باستهداف الحركة الحوثية، بدعوى أنها تمثل " الروافض"، كما ورد فى خطاب مبايعة البغدادى لفرع اليمن، وضاعف من هذا الفشل فى التمدد سيطرة القاعدة وصعوبة اختراقها بشكل كبير أيضا، حتى إن بعض القيادات التى أعلنت الولاء لها عادت مرة أخرى إلى القاعدة، كالقيادى مأمون حاتم المتحدث باسم القاعدة، لذا بدا حضور التنظيم خلال الفترة الأخيرة باهتاً، نظراً لأنه لم يتمكن من إقامة إمارة فى الجنوب أيضا.  
 
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن وضع مؤشرات تمثل تحديات إضافية لكل من "القاعدة" و"داعش" فى العودة مجددا كفاعل قوى على الساحة اليمنية، ومنها على سبيل المثال:
القوة المتصاعدة للحوثيين: فالحركة الحوثية التى تمثل سلطة أمر واقع فى صنعاء فى المرحلة الراهنة، فرضت مظاهر التوحش فى العاصمة واستخدام القوة الغاشمة أكثر مما فرضه تنظيم مثل داعش فى مناطق وجوده السابقة فى الإقليم، بدت هذه المظاهر فى عملية تصفية الخصوم السياسيين بقتلهم والاحتفال بمشاهد القتل وتسويقها إعلاميا على نمط يفوق وحشية "داعش"، إلى جانب تفجيرها لأكثر من 600 منزل، وفقا لتقديرات محلية، وهذا ما سيجعلها قوة لا يصعب التغلب عليها أو الصدام معها خلال المرحلة القادمة.
العامل الإقليمى: الانحسار شبة الكامل لتنظيم "داعش" على المستوى الإقليمى، يجعل من إعادة إنتاجه فى اليمن أمراً فى غاية الصعوبة، نظراً لأنه يحتاج إلى إعادة بناء تنظيمى، ربما يبدو صعبا فى ظل المعطيات الإقليمية الراهنة، فضلا عن أن الاعتماد على ظاهرة العائدين قد يشكل ظهوو بعض الخلايا على الساحة، لكنها لن تمثل قوة تشكل تهديداً للحوثيين . 
وعلى ضوء التحديات السابقة، هل تلغى هذه التحديات كلية احتمالات عودة هذه التنظيمات مجددا إلى الساحة بقوة؟
 ربما من الصعوبة بمكان أيضا استبعاد هذا الاحتمال، فى ظل السيناريوهات المستقبلية، لكن من المتصور أنها لن تكون هناك فرص لعودة طوعية، وإنما بناء على استغلال هذه التنظيمات للأوضاع فى اليمن، وفقا لبعض الاحتمالات، ومنها على سبيل المثال:
طول فترة الفوضى: فقد تنجح بعض جيوب المقاومة قيد التشكل استنزاف قدرات الميليشيا الحوثية تدريجيا، بما يضعف سيطرتها على مناطق النفوذ، وهو ما سيقود إلى مشهد من الفوضى قد يعيد تشكل تلك تنظيمات، ولو بشكل ثانوى، خاصة مع صعوبة حسم الصراع فى فترة قصيرة .
احتياج الحوثيين لعدو إضافى: على الرغم من تعدد خصوم ميليشيا الحوثى فى المشهد الحالى، لكنها قد تحتاج مستقبلا لمبرر للتغطية على زيادة مستوى التنكيل بخصومها، خاصة إذا تحركت بعض الخلايا النائمة إلى استهدافها، أو ظهور مقاومة لها فى مناسبات طائفية سوف تلبسها قناع التنظيمات المتطرفة، وما دامت هناك حالة تطرف طائفى محسوبة على الطائفة الشيعية، فستخلق فى المقابل المُناظر حالة تطرف سنياً. 
دخول الولايات المتحدة كطرف فى تحرير صنعاء: أو الجبهات الأخرى بما يزيد عن حدود دورها السابق فى الإسناد الجوى، أو ظهورها فى الساحل البحرى لليمن سيجعلها هدف لتنظيم القاعدة مجددا والعودة تحت هذا الإطار.
فى الأخير، يظل المشهد اليمنى مكتظاً بالكثير من السيناريوهات المتوقعة، فى ظل توالى مشاهد وجولات الصراع التى لا يتوقع أن يكتب لها نهاية فى الأفق المنظور، وهو ما يعنى ديمومة الصراع وتحولاته، وبالتبعية سيسهم ذلك فى خلق مساحة لإعادة إنتاج دور التنظيمات الإرهابية على مسرح الأحداث فى اليمن، لكن سيتوقف ذلك على تطور الأحداث والصراع فى اليمن.
 

رابط دائم: