العراق..تحديات ما بعد التحرير
2-12-2017

لينا مظلوم
* كاتبة عراقية
تحرير المحافظات و المدن العراقية من احتلال تنظيم داعش استحوذ على الاهتمام العالمي و العربي منذ بدء عملياته العسكرية. مواقع تمركز التنظيم كانت تمثل خطوط امداد تسليح بين ما عرف "عواصم" التنظيم (الموصل-الرقة).. على الصعيد الاقليمي, من البديهي ازدياد وتيرة الصراع على هذه المناطق. تركيا ,بعدما اصبحت نموذج صارخ للظاهرة الصوتية بكل التصريحات التي اطلقتها حول اصرارها على المشاركة في تحرير الموصل, ومن المؤكد انها لم تدر ضمن منظومة الحرب على تنظيم ارهابي بقدر ما تتجه هواجسها نحو العرق الكردي سواء في العراق او سوريا..موقع مدينة الموصل كان- قبل احتلال داعش لها- يمثل خط اتصال طبيعي بين اكراد الدولتين, بالتالي مع كل التهديدات الامنية التي تستشعرها تركيا نتيجة عودة هذا الخط بعد تحرير اقليم نينوى وعاصمتها الموصل, بالاضافة الى ان مدينة"تلعفر" اصبحت بعد التحرير الممر النموذجي لعبور الامدادات من ايران الى سوريا, ما يدعم مستقبلا قوى و ميليشيات تناصب تركيا العداء. ايران التي انتهجت عبر تاريخها سياسة الهدوء و التخفي في مسارات تحقيق اهدافها التوسعية, تتجه هواجسها- -بعد تحرير العراق- التى استمرار هيمنتها على "غنيمة العراق" التي حصدتها بعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003 , امام صمت عربي انذاك ادى الى سلخ العراق عن جذوره العربية .
         الانتصارات العسكرية و استعادة سيطرة الجيش على الاراضي العراقية بالتاكيد لن يكتب مشهد النهاية في التحديات المرتقبة امام العراق. الملفات الاخطر امام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تكمن في انجاز انتصار سياسي ينقذ العراق من واقع هش, ينخر في عظامه الفساد و الطائفية التي اصبحت تُقحم كقاسم مشترك في ابجديات حياة المواطن البسيط. صراخ الغضب المشروع اصبح السمة السائدة في الشارع العراقي.. الحقوق,السلطة,البذخ,تقتصر حدود التمتع بها على الساسة,نواب البرلمان,و الاحزاب, بينما تحولت حياة المواطن البسيط الى جحيم من المعاناة اليومية , حتى بين عمال المقاهي الشعبية ومحلات التسوق و سائقي سيارات التاكسي ممن كانوا يشغلون مناصب حكومية و دبلوماسية مرموقة..الرد المتكرر على ما دفعهم الى هذه المهن البسيطة هو البحث عن لقمة العيش, بعدما عجزت حكومة (اغنى دولة عربية) عن توفير مرتبات تقاعد تضمن لهم ادنى متطلبات الحياة الكريمة !.
       حالة اليأس الجماعي لم تتراكم من فراغ, التكتلات و المنظمات المدنية الداعية للاصلاح,للاسف, في حالة انقسام بين كيانات صغيرة عاجزة عن الخروج من حالة التشرذم و تشكيل كتلة اصلاح مؤثرة رغم ان المطالب واحدة و معروفة.. ابرزها محاربةالفساد, اجراء اصلاح جذري لا يعتمد على حلول المسكنات, بناء عملية سياسية قائمة على اساس صلب و مشاركة حقيقية بين اطياف العراق و لا تعتمد مجرد العبارات (البراقة)و الدعاوى الزائفة التي تابع العالم مؤخرا احدى تداعياتها المتوقعة مع اشتعال الازمة بين الحكومة المركزية في بغداد و اقليم كردستان. المواطن العادي لم يعد يعنيه اشكالية عراق ما قبل او بعد 2003.. هو ببساطة يترحم على الطرق,المرافق,الخدمات,السلع التموينية التي كانت توفر له باقل الاسعار.. يريد بارقة امل تخفف معاناته اليومية بغض النظر عن شكل المنظومة السياسية الحاكمة سواء كانت دكتاتورية او طائفية!. رغم التصريحات المعلنة رسميا ضد كل مظاهر الطائفية.. الا ان العين لا تخطئ الاصطدام بمظاهرها الواضحة علنا سواء عبر اعلام مرفوعة على اسطح المنازل,ملصقات و اعلام تملأ الشوارع و الميادين, حتى جدران المؤسسات الحكومية! كلها تحمل بعد طائفي مرفوض, و هو امر مستحدث على عراق ما بعد 2003.. بل حتى الشهادات المصورة التي جمعتها خلال لقاءاتي مع مجموعة سيدات مهجرات من مختلف المدن التي احتلت من داعش, اكدن لي فيها ان السبب وراء عدم عودتهن الى مدنهن و البقاء في المخيمات هو النزاعات الطائفية .
       الحشد الشعبي ايضا ملف تصل خطورته الى (قنبلة موقوتة) ما لم يعالج بحكمة سياسية من العبادي. المؤكد ان جميع خطوات تقنين وضع الحشد الشعبي التي سبق للعبادي و البرلمان الاعلان عن دمجها ضمن الجيش العراقي- دون الكشف عن آليات و تفاصيل هذا الدمج- يجب صدورها من العراق و ليس وفق حسابات ايرانية. تصريحات و ممارسات بعض قادة و افراد هذه الفصائل تتفاخر بولائها الى ولاية الفقية في ايران, ضاربة عرض الحائط بانتمائها الى ثوابت عقيدة الجيش من عدم الانحياز الى طائفة او عرق.. الاخطر ان الخلافات بين هذه الفصائل, ويتجاوز عددها الستين فصيل, و التي ظلت كامنة تحت السطح طوال فترة حرب التحرير, من المرجح ظهور و تصاعد صراعاتها الى العلن في ظل واقع سياسي هش, مما يهدد ما تحقق من بعض مظاهر الاستقرار الامني في العراق .
     الواقع ان الضغوط و التحديات التي يتعرض لها العبادي هائلة.. على الصعيد الداخلي, يواجه صراعات مع معسكر صقور حزبه (الدعوة) المنتي كليا الى ايران و الرافض توجهات العبادي باقامة علاقات متوازنة مع كل الاطراف الاقليمية و العربية على خلفية عودة القرار السياسي المستقل الى موضعه الطبيعي في يد العراق. ايران تضغط سياسياو امنيا على العبادي حفاظا على مكاسبها بعد 2003 و تحقيق الحلم التاريخي بوضع يدها العليا على القرار العراقي . التحالف المصري-السعودي- الاماراتي في مساعيه الدؤوبة عربيا و دوليا الى اعادة استقرار المنطقة العربية, خصوصا ان سيطرة التنظيمات الارهابية- باختلاف مسمياتها- على الدول التي شهدت زعزعة استقرارها السياسي و الامني اصبحت نمط مكرر منذ بدأ في العراق عام 2003 . هذا التحالف العربي يدرك جيدا ضرورة عودة العراق الى المشهد العربي و الى جذوره الطبيعية, تحديدا في توقيت ظهور بعض المخاوف مؤخرا من ترتيب مسرح حرب عربية-فارسية في المنطقة .
       الالغام التي على العبادي مواجهتها بعد التحرير العسكري , تحقيق انتصار سياسي و اقتصادي و اصلاحي ينقذ العراق من حالة الوهن التي تنخر في عظامه. الفوضى و التخبط الحاليين لا يمكن اعتمادهما اساس لبناء اي عملية سياسية قادرة على مواجهة ملفات قابلة للانفجار, منها الانسانية المتمثل في اعادة مئات الاف المهجرين الى مدنهم, ملف لم تنجز فيه الحكومة سوى خطوات محدودة.. الاقتصادية عبر مواجهة فساد مالي يلتهم خيرات اغنى بلاد المنطقة العربية.. السياسية في تحجيم اطماع ايرانية بكل ضغوطها نحو اقصاء تام و ممنهج يسعى الى سلخ العراق سياسيا و امنيا عن واقعه العربي .
       في ظل هذا المشهد المتشابك تجري خلال شهر مايو المقبل الانتخابات البرلمانية التي تم دمج انتخابات مجالس المحافظات المحلية معها رغم اعلان بعض رؤساء المحافظات المحررة صعوبة اقامة انتخابات فيها نتيجة عدم اكتمال اعادة توطين و تسجيل سكانها الاصليين, بالاضافة الى مطالبات ملحة بضرورة اعادة تشكيل مفوضية انتخابات جديدة بعيدا عن كل الاتهامات التي طالت اعضاء المفوضية الحالية بتغليب الولاءات الطائفية و الحزبية على مبدأ الحياد التام . 
 

رابط دائم: