التحالف المصري-اليوناني-القبرصي وتغيير موازين شرق المتوسط
2-12-2017

د. منى سليمان
* باحثة فى العلوم السياسية.
شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة الثلاثية المصرية – القبرصية – اليونانية الخامسة التي عقدت بالعاصمة القبرصية نيقوسيا في 21 نوفمبر الجاري، وقد نجحت آلية التعاون الثلاثي بين تلك الدول في التوصل إلى ترسيم الحدود البحرية، مما أتاح الفرصة لاكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط. كما يمثل تطابق وجهات النظر بين الدول الثلاث في عدد من القضايا الدولية الآنية، مثل (مكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وتوحيد جزيرة قبرص) نواة لتشكيل تحالف استراتيجي بينها، يمثل مصالح دول شرق المتوسط ويدافع عنها. 
نتائج قمة قبرص: 
عقب انتهاء القمة الخامسة للمباحثات الثلاثية بين الرئيس السيسي، ونظيره القبرصي، نيكوس أنيستاسياديس، ورئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، التي عقدت بنيقوسيا، شهد الرؤساء الثلاثة افتتاح المركز التكنولوجي بمدينة برج العرب بالإسكندرية عن طريق الفيديو كونفرانس، كما تم توقيع اتفاقية تعاون ثلاثى في مجال السياحة، وكشف الرئيس السيسي عن عقد أسبوع ثقافي للجاليات في كل دولة، وتم إعلان عام 2018 عاما للصداقة بين مصر واليونان، وصدر بيان ختامي، وعقد مؤتمر صحفي مشترك لخَّص فيه الرؤساء الثلاثة نتائج مباحثاتهم التي تمثلت في الاتفاق على:
التعاون فى مجالات الطاقة: اتفقت الدول الثلاث على استمرار التعاون والتشاور فيما بينها لاستكمال مشروعات اكتشاف الغاز الطبيعي، شرق المتوسط واستخراجه، ووجه الرئيس السيسي دعوة للدول الأوروبية لاستغلال غاز شرق المتوسط. وهي دعوة مهمة، حيث إنها ستوفر الطاقة لدول القارة، وستكون بديلاً جيداً ومناسباً لتقليص الاعتماد على الغاز الروسي، كما ستوفر أيضا عائداً اقتصادياً كبيراً للدول الثلاث من بيع الغاز الطبيعي لأوروبا. 
ودعا أيضا رئيس وزراء اليونان، ألكسيس تسيبراس، إلى تكثيف محاولات التعاون في مجال الطاقة بين بلاده وكل من مصر وقبرص، وهو الأمر المهم لنقل الغاز ولاتصال الشبكة الكهربائية بين الدول الثلاث، كما سيكون هذا التعاون جسرًا للربط بين إفريقيا ودول شمال أوروبا، من خلال تصدير الغاز المصري، عبر أنبوب يمر باليونان لشمال أوروبا، مما سيجعل مصر هدفا استثماريا مهما للطاقة المتجددة والبديلة.
دعم القضيتين القبرصية والفلسطينية: أكد الرئيس السيسي، في المؤتمر الصحفي المشترك، اتفاق الدول الثلاث على ضرورة توحيد جزيرة قبرص، وفق قرارات الأمم المتحدة، وفي إطار نظام فيدرالي يجمع شَطْرَي الجزيرة في سلام، دون أي تدخلات خارجية، ودعم الدول الثلاث للتوصل إلى تسوية نهائية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية. وبدوره، أوضح أنيستاسياديس أن حل القضية القبرصية كان ممكنا، خلال الجولة الأخيرة للمفاوضات التي جرت برعاية الأمم المتحدة فى منتصف العام الجاري. بيد أن إصرار تركيا على متطلبات غير مقبولة، ووجود وحدات عسكرية تركية في قبرص قد مثَّلا حائلاً دون التفاوض. 
مكافحة الإرهاب: أكد الرئيس السيسي أن الإرهاب سيظل خطرًا كبيرًا يهدد شعوب المنطقة، بل والإنسانية كافة، الأمر الذى يستدعى تكاتف جميع الدول، وتسخير إمكاناتها للتصدي له، بحسبان أن توفير حياة آمنة لمواطنيها هى أبسط حقوق الإنسان.
الهجرة غير الشرعية: أكد أنيستاسياديس أن تلك القضية تشغل بال كل دول الاتحاد الأوروبى، حيث تعد قبرص واليونان من أكثر الدول الأوروبية التي تستقبل مهاجرين بطرق غير شرعية، مما يمثل عبئًا على اقتصادى البلدين، فضلا عن الآثار الاجتماعية لتلك الظاهرة. بينما أكد الرئيس السيسي أن تلك الظاهرة نتجت عن الأوضاع السياسية التى تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط والدول العربية تحديدًا، لاسيما أن الهجرة العابرة للبحر المتوسط هي الأخطر عالميًا، ولذا يمكن للدول الثلاث تشكيل آلية قانونية وسياسية لمواجهة هذه الظاهرة. 
دعم الدور المصري بالقضايا العربية: أكد الرؤساء الثلاثة تناولهم لبحث القضايا العربية الراهنة، ومنها الأزمات اللبنانية، والسورية، والليبية، ودعوا لضرورة إحلال السلام في مختلف دول المنطقة، وجددَّت قبرص واليونان دعمهما للدور المصري لحل تلك الأزمات. 
 
أسس التحالف الثلاثي: 
حظيت آلية التعاون الثلاثية بين مصر وقبرص اليونان باهتمام متوسطي وأوروبي،  حيث إنها المرة الأولى التي تعقد قمم رئاسية دورية بين الدول الثلاث، برغم التاريخ الممتد بينها والعلاقات الاستراتيجية، والدعم الذي وجهته اليونان وقبرص لمصر، بعد ثورة 30 يونيو 2013. وقد دعا الرئيس السيسي لعقد القمة الثلاثية الأولى بالقاهرة في نوفمبر 2014، حيث: 
- أعلنت الدول الثلاث إدراكها للتحديات الكبيرة التي تواجه الاستقرار، والأمن، والرفاهية، والتنمية في شرق المتوسط والحاجة إلى التنسيق، وتعزيز التعاون بالبناء على الروابط التاريخية والحضارية والتراث الثقافي الذي يجمعها، وأن الآلية الجديدة للتعاون الثلاثي بين (القاهرة، ونيقوسيا، وأثينا) تهدف لتدشين عهد جديد من المشاركة الثلاثية التي تعزز السلام والاستقرار والأمن والازدهار في شرق المتوسط، في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والتجارية، والثقافية، والسياحية.
- أكد الرؤساء الثلاثة، منذ عقد القمة الأولى بينهم في القاهرة 2014، على احترامهم للقانون الدولي والأهداف والمبادئ التي يجسدها ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك الالتزام بالعلاقات الودية، والسلام والأمن الدوليين، واحترام المساواة بين الدول في السيادة، واستقلال الدول، والحفاظ على وحدة أراضيها، وحل الخلافات الدولية بالسبل السلمية، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها، وإن المشاركة الثلاثية الحالية تؤهلها لأن تصبح نموذجًا لحوار إقليمي أشمل، بما في ذلك طرق التنسيق الوثيق، والتعاون في إطار المحافل متعددة الأطراف، والجهود التي تصب في اتجاه دعم العلاقات بين العالم العربي والاتحاد الأوروبي.
 - عقدت القمة الثانية في إبريل 2015 بقبرص، والثالثة في ديسمبر 2015 باليونان، ثم الرابعة في 2016 بالقاهرة ثم القمة الخامسة في نوفمبر 2017. وكان أبرز نتائج القمم الخمس الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين الدول الثلاث في منطقة شرق البحر المتوسط، مما أتاح اكتشاف احتياطيات الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية المصرية. 
 
المصالح الاستراتيجية لمصر:
هناك العديد من المصالح الاستراتيجية التي ستعود على مصر، جراء تعاونها مع قبرص واليونان، منها: 
(*) تحول مصر لمركز إقليمي للطاقة: حيث إن التعاون مع قبرص واليونان يؤهل مصر لكي تتحول لمركز إقليمي فى شرق المتوسط للطاقة، مستغلة في ذلك موقعها الجغرافي المتميز، بالإضافة إلى وجود تسهيلات نقل الغاز والزيت الخام، مثل خط سوميد الناقل للخام من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، بالإضافة إلى قناة السويس، وأيضا تسهيلات البنية التحتية لتسييل الغاز الطبيعى، كما يوجد بمصر مصنعين لإسالة الغاز الطبيعي، الأول: مصنع الإسالة بإدكو، المملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال، والآخر في دمياط، ويتبع شركة يونيون فينوسا الإسبانية-الإيطالية.
(*) تعزيز التعاون المصري-القبرصي: حيث سبق القمة الثلاثية الخامسة زيارة قام بها الرئيس السيسي لنيقوسيا، وتعد أهم زيارة لرئيس مصري لقبرص، حيث إنها شهدت إلقاء كلمة للرئيس السيسي أمام البرلمان القبرصي أكد خلالها دعم مصر لتوحيد شطري جزيرة قبرص، وهي القضية الاستراتيجية لنيقوسيا. وقد منح الرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسيادس، السيسي قلادة "مكاريوس الثالث" التي تعد أرفع وسام قبرصي، نتيجة مجهوداته لحفظ الأمن بالمنطقة، والخطي نحو مستقبل أفضل، وتقديرًا للعلاقات المتميزة بين البلدين. 
كما افتتح الرئيسان منتدى الأعمال المصري-القبرصي لتفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، كما شهد الرئيسان توقيع 38 اتفاقية بين البلدين في مختلف المجالات، وأعلنت قبرص أنها ستعيد لمصر 14 قطعة آثار كانت قد نقلت من مصر بشكل غير مشروع.
ولم يقتصر التعاون على المجالات الاقتصادية والثقافية فحسب، بل إن الدولتين وقعتا على أول اتفاق للتعاون العسكري بينهما في نوفمبر 2015، وأعقبه مجموعة من الزيارات المتبادلة بين وزراء الدفاع والقيادات العسكرية بالبلدين. وبدوره، أكد أناستاسيادس أن قبرص ستبقي دوما حليفاً لمصر يمكنها الاعتماد عليه داخل الاتحاد الاوروبي. 
(*) تعزيز التعاون المصري-اليوناني العسكري: سبق عقد القمة الثلاثية الخامسة لشرق المتوسط إجراء المناورات البحرية المصرية - اليونانية المشتركة "ميندوزا 5"، والتي استمرت أسبوعا وانتهت في 8 نوفمبر 2017، مما يعزز فرص التعاون العسكرى بين القاهرة وأثينا، عبر إقامة مشروعات مشتركة لتصنيع الأسلحة بين البلدين، بمشاركة وزارة الإنتاج الحربى، والمصانع التابعة لها، والهيئة العربية للتصنيع مع نظيرتها اليونان، التي تعد من الدول صاحبة القدرة العسكرية العالية، وعضو بحلف شمال الأطلنطى (الناتو)، مما يتيح للقوات المسلحة المصرية التعامل مع خبراتها العالية في مجال القوات البحرية والجوية. 
(*) فتح آفاق مستحدثة للتعاون الاقتصادي: اتفقت الدول الثلاث، منذ عقد القمة الأولى لها بالقاهرة في 2014، على مواصلة البحث في سبل حماية البيئة، من خلال تشجيع الاقتصاد الأزرق (المراد به الإدارة المستدامة للموارد المائية)، والاقتصاد الأخضر (المعنى بتحسين الوضع البشرى والاجتماعى، مع الحد من المخاطر البيئية)، والإنتاج، والاستهلاك المستدام. 
(*) دعم مصر داخل الاتحاد الأوروبي: حيث تتمتع اليونان وقبرص بعضوية الاتحاد الأوروبي، مما يفتح أسواق دول الاتحاد للصادرات المصرية، كما سيدافعان عن المواقف المصرية داخل البرلمان الأوروبي الذي يصدر في بعض الأحيان بيانات سلبية حول وضع حقوق الإنسان والحريات بمصر.   
(*) دعم المواقف المصرية دوليًا: حيث تتولى مصر حاليًا رئاسة مجلس الأمن، كما ترأس لجنة مكافحة الإرهاب بالجمعية العامة للأمم المتحدة، ولذا فالقرارات المصرية في المنظمات الدولية والإقليمية تحتاج إلى دعم مستمر من الدول الصديقة، مثل اليونان وقبرص. 
 
اعتراض تركي: 
منذ بدأ عقد القمم الثلاثية بين رؤساء "مصر، وقبرص، واليونان" تنظر بعض المصادر التركية إلى تلك القمم على أنها موجهة ضدها، نظرًا لأنها على خلاف مع الدول الثلاث، وهو ما نفته القمة الثالثة بأثينا في ديسمبر 2015 التي جاءت تحت عنوان "التعاون الثلاثي ليس ضد أحد". بيد أن العداء التركي للقمم استمر، وأعلنت عنه أنقرة صراحة عقب قمة قبرص الخامسة، وكان هناك سببان لاعتراضها:
(*) السبب السياسي: حيث أكد كل من البيان الختامي والمؤتمر الصحفي للقمة على دعم حل القضية القبرصية، وفق قرارات الأمم المتحدة.وهو ما آثار اعتراض تركيا التي تسيطر على الجزء الشمالي من الجزيرة، وتعرف باسم "قبرص التركية". وقد انقسمت الجزيرة منذ عام 1974، بعد الحرب التركية-اليونانية، حيث ترغب أنقرة في حل القضية، وفق رؤيتها، كما أنها ترسل سفنًا للمياه الإقليمية لقبرص، بحثا عن "الغاز الطبيعي". 
وتدعو أنقرة الاتحاد الأوروبي للاعتراف بدولة شمال قبرص التركية، والتي لا يعترف بها بين دول العالم سوى تركيا فقط، كما أصدرت وزارة الخارجية بجزيرة قبرص التركية (بتحريض من أنقرة) بيانًا يوم 22 نوفمبر الجاري يؤكد عدم اعترافها بالاتفاقيات الثنائية بمجال الغاز الطبيعي الموقعة بين مصر وقبرص، وأن تلك الاتفاقيات غير ملزمة لأتراك شبه الجزيرة القبرصية. 
(*) السبب العسكري: حيث اعترضت تركيا على إجراء اليونان ومصر مناورات (ميندوزا5) العسكرية البحرية قرب سواحل جزيرة "رودوس"، ووصفتها بغير القانونية، حيث أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانا يوم 4 نوفمبر 2017، ينص علي أن "معاهدة باريس للسلام عام 1947، حظرت كل أنواع التدريبات العسكرية في رودوس، التي تخلت عنها إيطاليا لصالح اليونان، بشرط نزع السلاح منها"، واتهمت أثينا بالعمل على زيادة حدة التوتر في بحر إيجة.
وعقب انتهاء المناورات المصرية اليونانية، بدأت أنقرة مناورات شرق البحر المتوسط لعام 2017 الخاصة بالقوات البحرية التركية في الموقع نفسه، وبمشاركة القوات البحرية (الأمريكية، والبلغارية، والإنجليزية، والرومانية). وتلك الاعتراضات التركية العلنية  تدل على استيائها وتخوفها من نجاح التعاون الثلاثي، بحسبانه يهدد مصالحها في شبة جزيرة قبرص، وشرق المتوسط، وداخل الاتحاد الأوروبي، كما أنه يعزز المكانة الإقليمية لثلاث دول محل خلاف معها. 
 
وختاما، فإن نجاح آلية التعاون الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص، بحسبانها آلية فعالة للتعاون الإقليمي، واستمرار انعقادها بصفة دورية سيدشن تحالفًا استراتيجيًا للتعاون الإقليمي شرق المتوسط، كما أنه أصبح نموذجًا فعالًا ومتميزًا للتعاون الإقليمى يحتذى به، ويمكن أن تنضم له دول أخرى لها نفس الاهتمام، ومنها (لبنان، وفلسطين، والأردن)، وهي دول تمتلك اكتشافات للغاز الطبيعي شرق المتوسط. وسيذكر التاريخ للرئيس السيسي أنه من دعا وأسس لتلك الآلية الناجعة لتعزيز التعاون بين الدول الثلاث علي جميع الأصعدة، ولحل المشكلات الإقليمية الراهنة، مما يعزز مكانة مصر إقليميًا ودوليًا بحسبانها دولة رائدة وفاعلة في الدائرة المتوسطية.
 

رابط دائم: