هل تمهد الأزمة اللبنانية لعدوان إسرائيلي وشيك؟
15-11-2017

د. حنان أبوسكين
* أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
أعلن رئيس الحكومة اللبنانى، سعد الحريرى، استقالته بشكل مفاجئ فى 4 نوفمبر الجارى، فى أثناء وجوده فى السعودية، من خلال خطاب تليفزيونى هاجم فيه إيران وحزب الله. ووصف الحريري حزب الله، أحد أبرز شركائه فى الحكومة، بأنه "الذراع الإيرانية، ليس فى لبنان فحسب، بل فى البلدان العربية، وأنه خلال العقود الماضية استطاع حزب الله فرض أمر واقع فى لبنان بقوة سلاحه، والذى يزعم أنه سلاح مقاومة، وهو الموجه إلى صدور إخواننا السوريين واليمنيين، فضلا عن اللبنانيين".
على ضوء ذلك، تبرز عدة تساؤلات بشأن الموقف الإسرائيلى من الأزمة اللبنانية، ودوافعه؟، وكيف تتفاعل إسرائيل مع المشهد اللبنانى؟، وهل تمهد الأزمة لعدوان إسرائيلى وشيك على حزب الله؟.
أولاً - أبعاد الصراع  الإسرائيلى- اللبنانى:
تعرض لبنان مرات عديدة للهجوم الإسرائيلى عليها، فقد شكل لبنان ساحة للعمليات والعمليات المضادة بين إسرائيل والفلسطينيين. ففي عام 1978، قامت إسرائيل بحملة عسكرية على جنوب لبنان عرفت باسم عملية الليطانى احتلت خلالها الأراضى اللبنانية حتى نهر الليطانى، وأسفرت الحملة عن مقتل العديد من المواطنين اللبنانيين والفلسطينين وتهجير الآلاف. وفى عام 1982، غزت إسرائيل لبنان وحاصرت بيروت، وأنهت عمليًا الوجود المسلح لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.
 ولعل أبرز محطات العدوان الإسرائيلى كانت فى 12 يوليو عام 2006 على جنوب لبنان، حيث نجحت المقاومة اللبنانية فى تكبيد إسرائيل خسائر جمة أدت إلى انسحابها. ولم تستطع إسرائيل إنهاء القتال بسرعة، حيث استمر 33 يوماً، وفشلت فى احتلال أى أراضٍ لبنانية، والأهم من ذلك، تعرض الجبهة الداخلية المدنية الإسرائيلية، لأول مرة فى تاريخ الحروب الإسرائيلية العربية، لقصف مكثف بالصواريخ. 
ومن تداعيات تلك الحرب أن صار تحديث العقيدة الأمنية لإسرائيل الشاغل الرئيسى للقيادات الأمنية والسياسية. فقد فشل سلاح الجوّ الإسرائيلى في القضاء على قيادة حزب الله ومقاتليه، أو تدمير سلاحه الرئيسى (الصواريخ)، أو حتى حماية القوات البرية التى دخلت لبنان.
ثانياً- الموقف الإسرائيلى من الأزمة اللبنانية الراهنة:
حظت استقالة الحريرى باهتمام إسرائيلى بالغ، حيث وصف رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية الاستقالة بـ "صيحة تنبيه إزاء إيران"، وصرح فى بيان صدر عن مكتبه الإعلامى "إن استقالة رئيس الوزراء اللبنانى، سعد الحريرى، والتصريحات التي أدلى بها هي بمنزلة مكالمة إيقاظ بالنسبة للمجتمع الدولى، كي يتخذ إجراءات ضد العدوان الإيراني الذى يريد أن يحول سوريا إلى لبنان آخر". 
وذكر أيضا فى أثناء زيارته للندن فى نوفمبر الجارى أن" العدوان الإيرانى لا يشكل خطراً على إسرائيل فحسب، بل أيضاً على الشرق الأوسط برمته، ويجب على المجتمع الدولي أن يعد صفوفه لمواجهة هذا العدوان".
دارت تصريحات الوزراء الإسرائيليين فى الإطار نفسه. ففد رأى رئيس حزب "يش عتيد" عضو الكنيست، يائير لابيد، أن استقالة الحريرى تعد تعزيزاً لموقف إسرائيل، فيما وصفها وزير الاستخبارات، يسرائيل كاتس، بأنها " مفترق طرق، وآن الأوان للضغط على حزب الله وعزله لإضعافه ونزع سلاحه". أما أفجيدور ليبرمان، وزير الدفاع، فذكر أن " لبنان يعني إيران، وإيران خطر على العالم. الحريرى أثبت اليوم هذه النقطة. وأضاف أن الجيش الإسرائيلى جاهز للمواجهة، ولن نسمح لمحور إيران بتعزيز قوته على الحدود الشمالية". إن مضمون مختلف تصريحات الجانب الإسرائيلى أن استقالة الحريري فتحت المجال لهم لمواجهة حزب الله .
ثالثاً- سيناريوهات إسرائيل تجاه الأزمة اللبنانية:
تشير بعض التقديرات إلى سيناريوهين لكيفية تفاعل إسرائيل مع المشهد اللبنانى:
 شن حرب على حزب الله فى لبنان: يستند هذا السيناريو إلى أن توجيه الانتقادات والاتهامات لكل من إيران وحزب الله، وقرار إعلان الحريرى الاستقالة من منصبه، وهو فى السعودية، يُعد دليلاً دامغاً على تزايد النفوذ الإيرانى فى لبنان الذي بات خارج عن نطاق السيطرة، وهو ما يرجح نية إسرائيل فى القيام بحرب وشيكة على جنوب لبنان، للتخلص من هذا النفوذ.
ويعزز ذلك دعم الولايات المتحدة إسرائيل فى موقفها، وبحث فرض عقوبات جديدة على حزب الله، في إطار موقف أكثر تشددًا انتهجته حيال إيران وحلفائها، برز فى مناسبات متعددة، مثل تلميح ترامب لإمكانية إلغاء الاتفاق النووى مع إيران بعد رفضه الاقرار بامتثال طهران لالتزاماتها فى 16 أكتوبر الماضى.
يرحج سيناريو الحرب بعض الشواهد، منها تكرار الانتهاكات الإسرائيلية فى لبنان، إذ خرق زورقًا حربيًا إسرائيلياً المياه الإقليمية اللبنانية، مقابل رأس الناقورة لمسافة نحو 205 أمتار ولمدة 3 دقائق فى 9 نوفمبر الجارى، وتكرر فى اليوم التالى، قيام زورق مماثل بخرق البقعة المذكورة على مرحلتين لمسافة 280 متراً. ويدعم هذا السيناريو أيضاً إجراء الجيش الإسرائيلى، فى 5 سبتمبر 2017، مناورات غير مسبوقة امتدت لعشرة أيام على الحدود الشمالية، وتعد الأكبر والأهم منذ 19 عاما، وشهدت مشاركة ما يقرب من 20 فرقة عسكرية من جميع الألوية والأسلحة العسكرية بهدف التدريب على مواجهة حرب واسعة قد تندلع فى شمال إسرائيل ضد حزب الله اللبنانى.
من جانب آخر، هناك عدة أسباب لاستبعاد هذا السيناريو، حيث يرى بعض المحللين أن الغارات الجوية فوق لبنان اعتيادية، مثلما كانت قبل استقالة الحريرى، كما أن إسرائيل ترى أن وضع حزب الله بات أكثر تعقيدًا وحرجًا، فى ظل مشاركته في الحربين السورية واليمنية، وبالتالي فإنه الآن في مواجهة مع السعودية، وربما فى أزمة داخلية أيضًا. وعليه، فإن توجيه ضربة إليه الآن قد يشكل مخرجًا له من هذه الورطة واحتمال حدوث بعض التضامن العربى معه، بحسبانه رمزاً للمقاومة. أما الجيش الإسرائيلى، فيجرى عادة مناورات عسكرية مختلفة خلال العام بهدف التهيؤ لمواجهة اندلاع حرب فى جبهتي الشمال والجنوب.
إضعاف حزب الله دون مواجهة عسكرية مباشرة : يشير هذا السيناريو إلى أن إسرائيل لا تنوى محاربة حزب الله، فى ظل عدم الاستقرار السياسى الذي تشهده بيروت حاليًا. فالجيش الإسرائيلى لم يستنفر قواته سراً أو علانيةً، ولا توجد تعزيزات لقواته فى الشمال. فمع أنه يبدو من ظاهر الأمر أن الفرصة سانحة لإسرائيل للانقضاض على  حزب الله، إلا أنها تدرك عواقب هذا السيناريو، من خلال خبراتها السابقة مع المقاومة التى كبدتها خسائر فادحة فى عام 2006. وعلى الأرجح، فإن إسرائيل تستغل الحدث لإذكاء روح الطائفية والمذهبية، وتهديد الاستقرار الداخلى فى لبنان، وزيادة التوتر لإضعاف حزب الله، والهجوم على إيران فى المحافل الدولية، والزج بلبنان فى أتون الصراعات الإقليمية بالمنطقة لمصلحة إسرائيل.
قصارى القول إن الكلمة المفتاحية لتعاطى إسرائيل مع الأزمة هى "إيران وحزب الله". فهناك اقتناع متزايد لدى الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية بأن أمن إسرائيل بات فى خطر، وأن على تل أبيب التحرك على جميع الأصعدة لمواجهة الخطر الذى يشكله وجود قوات إيرانية أو قوات تابعة لها فى لبنان، إضافة إلى الخطر العسكرى الذي تمثله ترسانة حزب الله. 
ومن المرجح  تزايد توظيف إسرائيل خطاب الاستقالة، ضمن معركتها مع حزب الله، واستغلال نتنياهو الموقف بهدف عدم تسليط الأضواء على اتهامات تورطه فى قضايا فساد، أما الأخطر، فهو السعى الإسرائيلى لتأسيس حلف سنى يضم إسرائيل، فى مواجهة الحلف الشيعى.
 

رابط دائم: