مصر ومعركة إدارة السلام وليس إدارة الصراع
13-11-2017

معتزة أحمد مهابة
* خبيرة إعلامية مصرية
 
 انتهى منتدى الشباب العالمى، الذى أقيم فى مدينة شرم الشيخ، تاركا انطباعا مرضيا جدا لدى العالم الخارجى، و جدليا كالعادة لدى مجتمعنا الداخلى ما بين مؤيد وسعيد بصورة مشرفة قدمتها مصر للعالم، فى ظل تحديات تواجهها،  وبين معترض غاضب من ميزانية ضخمة خصصت لهذا الحدث العالمى، فى ظل ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلاد، وعدم اقتناع بجدوى انعقاد هذا المنتدى، فى ظل  التحديات السياسية والأمنية التى تواجهها مصر.
ولكن ماذا إذا اتخذنا زاوية أوسع، وكبرنا العدسة لنرى صورة أكثر وضوحا؟ تصور نفسك تقف فى دائرة تحيط النار بك من كل اتجاه، وتحاول حرقك وحرق ممتلكاتك، وأنت تحاول دفعها بكل ما تملك من قوة، وذكاء، وأدوات، حتى تنجو بنفسك. هذا هو حال مصر، تقف وسط دائرة مشتعلة بلهيب مستعر يأبى أن ينطفئ، ويحاول أن يأتى على ما تبقى من الأخضر واليابس. فالمنطقة، التى تشكل مصر رمانة ميزانها، لا تزال مشتعلة، بل تزداد نارها سعيرا.
لقد  نجت مصر من مؤامرة كارثية كانت تسعى لتقسيم البلاد، وإشعال الفتنة والحرب الأهلية فيها، لكن الله سلّم، ونجحت مصر فى النجاة من موت محقق. لكن المؤامرة مثل الفيروس المتحول، كلما وجدت له علاجا وقاومته، جدد من نفسه، وظهر فى شكل مختلف، وهاجم مرة أخرى جهاز المناعة. كذلك المؤامرة مستمرة، وتجدد من نفسها، وتحاول أن تطول منطقة الخليج الذى يمثل امتدادا للأمن القومى المصرى، وتحاول أن تشعل حربا ضروسا بين دول الخليج وإيران تحديدا. فلقد بدأ صوت طبول الحرب يعلو مع تصعيد خطير فى المشهد اللبنانى، حيث حذرت دول الخليج  رعاياها، قبل أيام، وطالبتهم بالرحيل من لبنان، أو عدم الذهاب إليه. ويرى العديد من الخبراء أن ما حدث هو مقدمات حرب، وأصبحت المواجهة مع إيران وحزب الله وشيكة، وقد تكون أرض المعركة هى منطقة الخليج. لقد جاء الصاروخ الباليستي الذي أطلقه الحوثيون على الرياض ليكشف عن حجم التحدي الخطير الذي تمر به المنطقة اليوم. ثم  جاءت تصريحات السعودية الرسمية لتؤكد أن إيران هي التي زودت الحوثيين بمثل هذه الصواريخ للاعتداء على المملكة، وأكدت حق السعودية في الرد على العدوان الإيراني. إذن هى مقدمات إعلان حرب ستجر المنطقة بأسرها إلى خراب محتوم، لن تقوم للمنطقة بعدها قائمة.
وإذا ما حدث ذلك، لا قدر الله، فسيحاولون جر مصر بما تملك من جيش قوى، هو الأقوى فى المنطقة، وهو الأكثر استهدافا من قوى عالمية، تحلم بأن تراه حطاما، ولكن هيهات بإذن الله. يريدون  استنزاف مصر فى حرب لا يعلم إلا الله مداها، لأن مصر تظل هى الجائزة الكبرى التى يريدون الحصول عليها، مهما يكن الثمن، ومهما يمر من زمن. لقد أرادت مصر، من خلال المنتدى العالمى للشباب، إرسال عدة رسائل تحمل فى طياتها تحذيرات، وتنبيهات، وقرارات. تحذر من أطراف تنفخ فى النار لتزداد المنطقة التهابا، وتنبه إلى خطر التهاون فى التعامل مع ملف الإرهاب، والتهاون مع الدول التى ترعاه، وقرارات  بأن مصر لن تنجر لحرب تسعى لمزيد من تدمير اقتصادها، وشبابها، ومستقبلها.
رسالة مصر للعالم أنها منهمكة فى بناء مستقبلها، لأنها دولة ذات سيادة، ذات رؤية للسلام، قادرة على خوض تحديات الإرهاب، والأزمات الاقتصادية.. دولة لن تستسلم للمؤامرات، بل ستتآمر عليها ببناء المستقبل بسواعد شبابها، وستكون قبلة لشباب العالم الباحث عن الحوار الهادف والسلام الآمن. تبقى الجبهة الداخلية هى التى يجب أن  تزداد ترابطا ووعيا بالمخاطر المحيطة بنا، وعلينا جميعا أن نحاول الخروج من دائرتنا الضيقة لنلقى نظرة أوسع وأشمل عما يدور حولنا، نتكاتف ونثق فى مؤسستنا، لأننا أكثر شعوب المنطقة إدراكا للحروب وويلاتها. لقد نجحنا، عبر سنين طويلة، بوعينا التاريخى المتراكم، فى أن نوئد مؤامرات عديدة، كان دائما هدفها واحدا، هو التقسيم والفتنة، وأقربها ما يسمى الربيع العربى الذى خلّف خرابا ودمارا فى المنطقة، ونجونا نحن منه. فلنقف كالبنيان المرصوص حائط صد لكل محاولة خسيسة وخبيثة تحاول النيل من وحدتنا، وتغييب وعينا، ولنوقظ هذا المقاتل الباسل القابع بداخل كل واحد منا، والذى يهبّ كالمارد مدافعا عن مصر عندما يستشعر الخطر.
مصر، التى قال عنها شاعر النيل حافظ إبراهيم فى رائعته "مصر تتحدث عن نفسها": أنا إن قدر الإله مماتي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي. لكن مصر باقية بمشيئة الله إلى يوم الدين فى رباط وأمان، وبوعى شعبها، لأنها الملجأ لكل لاجئ، والحانية على كل مضطهد، والمعطاءة لكل محتاج، مهما يمر بها من ظروف صعبة،  وتحديات كبرى، والتاريخ يشهد. 
 

رابط دائم: