وعد بلفور والربيع العربى
5-11-2017

معتزة أحمد مهابة
* خبيرة إعلامية مصرية
مئة عام مرت على وعد بلفور الذى صدر فى الثانى من نوفمبر ١٩١٧. لم يكن وعدا لإنشاء دولة إسرائيل فقط، بل كان وعدا لزرع الفتنة، وتدمير، وتقسيم الدول العربية، وقد كان. وعد مزق الوطن العربى بأكمله، فقد بدأ تقسيم المنطقة العربية بداية من معاهدة سايكس- بيكو فى عام ١٩١٦، انتهاء بوعد بلفور ١٩١٧، حيث قامت فرنسا بعدها بتسليم الموصل للبربطانيين لتصبح جزءا من العراق، بعد أن كانت تتبع تركيا، واحتلت فرنسا كلا من لبنان وسوريا، واحتلت بريطانيا فلسطين، وشرق الأردن، والعراق، وتم توزيع التركة العثمانية نهائياً، دون أن ننسى بالطبع الدول العربية التي تقع في شمال إفريقيا، التى كانت قد تقسمت ما بين إيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، قبل نهاية القرن التاسع عشر. وبالرجوع إلى الوثيقة الصادرة عن مؤتمر للدول الاستعمارية، عقد في العام 1907، والتي تسمّى بوثيقة "كامبل بزمان"، نجد أن الوثيقة ركزت على أن البحر المتوسط هو الشريان الذى يصل الشرق بالغرب والممر بين القارة الإفريقية و الآسيوية. باختصار هو نقطة التقاء العالم، بالإضافة إلى أنه مهد الحضارات والديانات، أى أن شعوبه لديها جذور ضاربة فى أعماق الأرض تهدد قوى الشر فى العالم. لذلك، خرج هذا المؤتمر بتوصيتين خبيثتين، أولاهما أن على الدول ذات المصالح المشتركة العمل على تأخير وتجهيل وتفريق شعوب هذه المنطقة. أما الثانية، التى كانت أكثر شرا، فهى ضرورة العمل على خلق جسم غريب وخبيث على الجسر الذي يربط آسيا بإفريقيا، ويربطهما معاً بالبحر المتوسط، أى على مقربة من قناة السويس، ويكون دوره هو إمراض وإضعاف شعوب المنطقة، والأهم العمل على تقسيمها. وظهر الورم الخبيث المسمى بإسرائيل. ومرت سنون طويلة مليئة بالحروب و الصراعات مع هذا الكيان الهدام، وتوغلت أذرعه فى المجتمعات العربية ما بين تنظيمات متأسلمة، ومجموعات تتلفح بأثواب الديمقراطية، والاشتراكية، والشيوعية، وما إلى ذلك. وعملت تلك المجموعات على تشويه التاريخ، وإلهاء الشعوب عن الخطر الحقيقى، وخداعهم بشعارات تحمل فى جوفها سموما قاتلة. وكان السلاح الأخطر هو إعلاما بلا ضمير، يخلق شعوبا بلا وعى. وأصبح همّ تلك الشعوب اللهث وراء المادة، والحلم بالعيش فى القصور، ونسوا أوطانهم. فكلما رمى لهم العدو جزرة، انقضوا عليها متصارعين متناسين وطنا ينزف ألما ووجعا، يتهدده كل يوم خطر جديد. وحدث المحظور، وتمت إعادة السيناريو القديم، ولكن حمل هذه المرة شعارا براقا كاذبا "الربيع العربى"، وهو لم يكن ربيعا، بل كان خريفا، أو جحيما، أو إعصارا. اختر ما شئت من مسميات، فالنتيجة واحدة: إرهاب ومزيد من التقسيم والطائفية. أضف إلى ذلك الانحلال الأخلاقى، وتدمير أكبر جيوش المنطقة. إننا للأسف أحجار على رقعة الشطرنج يحركوننا كيفما شاءوا، ساخرين من أمة أمرها الله بأن تقرأ، لكنها لا تقرأ. مئة عام على وعد بلفور، وسبع سنوات على الخريف العبرى، ولا نزال لم نستوعب الدرس. ولست أدرى هل بعد كل ما كان، ستقع الأجيال القادمة مرة أخرى فى الفخ؟ نسأل الله العلى العظيم أن يحفظ بلدنا، وينير بصيرة أهلها، لأن القادم أخطر من الطوفان.

رابط دائم: