مصر وفرنسا.. شراكة استراتيجية لحماية الأمن القومي
1-11-2017

جميل عفيفي
* مدير تحرير جريدة الأهرام
جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا لتحقق نجاحات جديدة لمصر على المستوى الدولي، خاصة في المجال الاستراتيجي والعسكري بين الدولتين. فقد استطاعت مصر، خلال السنوات الأربع الأخيرة، أن تعيد تسليح القوات المسلحة المصرية، وتحقق طفرات في هذا المجال، خاصة في المجالين البحري والجوي. ولم يتوقف الأمر عند شراء السلاح فقط، بل وصل الأمر إلى نقل التكنولوجيا، من خلال تصنيع مصر لعدد من القطع البحرية في الترسانة المسلحة بالتعاون مع فرنسا.
وقد حققت زيارة الرئيس المزيد من التقارب بين البلدين من خلال توقيع مجموعة جديدة من الأسلحة لتنضم إلى القوات المسلحة المصرية لتحدث نقلة نوعية في التسليح المصري في ظل التهديدات التي تحيط بالدولة المصرية، والتي ستؤثر بشكل مباشر فى دول المنطقة، ودول شمال المتوسط.
 
 وفى الوقت الذى حاولت فيه العديد من الدول الغربية تقويض ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو ضد الجماعة الفاشية، أدركت فرنسا أن مصر هى الدولة الأولى فى المنطقة التى استطاعت أن تقف فى وجه الفكر الإرهابي، وأنها القوة الوحيدة القادرة على محاربته فى منطقة الشرق الأوسط.
ومنذ تلك اللحظة، قررت فرنسا أن تكون حليفا استراتيجيا لمصر، وأن تحقق معها شراكة فى المجال العسكري، من خلال تزويد القوات المسلحة المصرية بأحدث ما توصل إليه الفكر العسكرى الفرنسي لتحقيق الأمن القومى المصرى، ومواجهة الخطر الحقيقى، وهو الإرهاب العابر للحدود.
إن الوقت الحالي هو من أصعب الأوقات على المنطقة، وعلى دول المتوسط، شماله وجنوبه. فقد تم تضييق الخناق على تنظيم "داعش" الإرهابي في كل من سوريا والعراق، بعد العمليات العسكرية التي تنفذها قوات البلدين، مما جعل قيادات التنظيم والدول الداعمة له تفكر في إعادة الانتشار مرة أخرى، ومحاولة الوصول الى ليبيا، باعتبارها أرضا خصبة للتمركز بها، وإعادة التأهيل والتدريب للعناصر الإرهابية لمحاولة اختراق الحدود المصرية، وتنفيذ عمليات إرهابية، والاشتباك مع عناصر  الجيش وقوات الأمن لمحاولة تكرار ما حدث في سوريا والعراق. 
لقد أدركت مصر هذا التهديد منذ فترة، ولذا قامت بالاستعداد جيدا لتلك العمليات، وكان نتاجها ما يعلن عنه من تدمير لسيارات دفع رباعي محملة بالذخيرة والأسلحة تسعى إلى اختراق الحدود المصرية من الاتجاه الاستراتيجي الغربي، وتقف لهم القوات المسلحة المصرية بالمرصاد. 
ومع إدراك مصر وفرنسا لخطورة التهديدات الجديدة، وأهمها الإرهاب العابر للحدود، وكذا الهجرة غير الشرعية التى بالتبعية تلقى بآثارها السلبية على فرنسا، وأهمها زيادة البطالة والتأثير فى الاقتصاد، علما بأن الهجرة غير الشرعية أصبحت وسيلة لتنقل الإرهابيين، ووصولهم من بلد الى آخر- نفذت مصر وفرنسا العديد من المناورات العسكرية المشتركة، التى تهدف فى المقام الأول إلى مكافحة الإرهاب، وأهمها المناورات البحرية «كليوباترا»، و«رمسيس»، بالتعاون مع القوات الجوية فى البلدين. وقد حققت التدريبات أهدافها كاملة فى التصدى لجماعات إرهابية، والحد من الهجرة للسيطرة على الوضع كاملا .
وقد استطاعت مصر، بفضل الإمكانات العسكرية الحديثة، خاصة في المجال البحري، الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية من سواحلها الإقليمية بشكل غير مسبوق.
والمعروف أن فرنسا تتعرض لموجة إرهابية تهدد الأمن والاستقرار داخل الدولة، وذلك نتاج الفكر الضال الذى انتشر خلال الفترة الأخيرة، بجانب احتواء بعض الدول الأوروبية عددا من المتطرفين الذين استطاعوا من بعدها نشر فكرهم، وتكوين مجموعات إرهابية، أصبحت تنفذ هجمات فى بعض الدول، وكان النصيب الأكبر منها لفرنسا. والخطر الحقيقى ممن يطلقون على أنفسهم مسمى «مجاهدين»، وانضموا إلى تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات فى سوريا، والعراق، وليبيا. ومن المؤكد أنهم سيعودون مرة أخرى إلى بلدانهم حاملين الفكر الإرهابي، إلى جانب أيضا تسلل إرهابيين بواسطة الهجرة غير الشرعية.
 لكل تلك المخاطر، التى تضعها فرنسا نصب عينها لحماية أمنها القومى من الإرهاب المنظم العابر للحدود، وبما تمتلكه مصر من خبرات حقيقية لمكافحة الإرهاب، وأنها الدولة القوية الوحيدة التى تمتلك قوات مسلحة قادرة على دحر الإرهاب، فإن هناك تعاونا استراتيجيا بين مصر وفرنسا للحد من تلك الظاهرة، والقضاء عليها فى القريب العاجل.
 
ومن المعروف أن مصر هى القوة العسكرية القوية المتماسكة فى جنوب المتوسط، والقادرة بالتعاون مع دول الشمال على الحد من تلك الظواهر التى تهدد الأمن والسلم فى تلك الدول وأهمها فرنسا. لذا، فهناك تطور حقيقى فى العلاقات العسكرية بين مصر وحلف شمال الأطلنطي. وقد نفذت العام الماضى للمرة الأولى تدريبات عسكرية مشتركة بين قوات الحلف والقوات المصرية، فى إطار التنسيق والتعاون بين دول شمال المتوسط ومصر من أجل توحيد المفاهيم العسكرية.
 
إن مصر وفرنسا أدركتا تماما أن التهديدات التى تحيط بالدولتين واحدة، وأن التنسيق والتعاون، والتشاور والتدريبات لمواجهة تلك التهديدات أصبحت أمرا ضروريا. كما أن الموقف فى دول المنطقة يؤثر بشكل مباشر فى الدولتين. فما يحدث فى ليبيا من تنامى ظاهرة الجماعات الإرهابية، ومحاولات تقسيم الدولة، وتزايد الجماعات الإرهابية فى الدول الإفريقية، مثل القاعدة، و"داعش"، و"بوكو حرام"، وغيرها من أصحاب الفكر الضال، كل ذلك يلقى بتبعات كارثية على الوضع فى المنطقة، وعلى الأمن القومى الفرنسي،.
 لذا، فإن مصر كان لها الدور المهم فى المصالحة الليبية من أجل القضاء على الإرهاب، والسيطرة على الوضع من خلال الجيش الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر. كما أن مصر استطاعت أن تحقق طفرات عديدة فى القارة الإفريقية من خلال "تجمع الساحل والصحراء"، لتشكيل قوات موحدة لمواجهة الإرهاب فى تلك الدول الذى سيؤثر بشكل مباشر فى الأمن القومى المصري. وبما أن فرنسا لها مصالحها فى أغلب الدول الإفريقية، فإن القضاء على الإرهاب من المنبع سيفيد كثيرا الأمن القومى الفرنسي.
 
إن التنسيق المصرى- الفرنسى، فى الوقت الحالى، سيحقق نتائج إيجابية عديدة للبلدين، خاصة فى مجال مكافحة الإرهاب العابر للحدود.

رابط دائم: