الجيش المصري.. نظرة من الداخل
1-11-2017

أحمد بديوي
* كاتب وصحفي مصري
فريقان أساسيان تشغلهما جاهزية القوات المسلحة المصرية، الأول: يتابع تنامي القوة الدفاعية- القتالية من منظور وطني، فيشعر بحالة من السعادة، ممزوجة بالرضا عما وصلت إليه خطط الإعداد والتجهيز ورفع الكفاءة الشاملة للمؤسسة العسكرية.
الفريق الثاني: يضم خصوم وأعداء الدولة المصرية، وهؤلاء يهتمون برصد وتحليل مستويات القوة والضعف، تتقاطع معهم قوى وتيارات محسوبة علينا بالجنسية فقط، يتنكرون لكل ما هو وطني، ويبحثون باجتهاد عن فرصة (صعبة المنال) للتشكيك فيما يتم ويُنجز.
حسابات الفريق الثاني (ومن يتقاطعون معه) تعتمد في الغالب على تقييم منظومات التسليح (متعددة الجنسيات).. يعجزون عن تحديد القدرات الفعلية للعناصر القتالية المؤهلة باحتراف للتعامل مع هذه المنظومات، وأساليب تطويعها لتنفيذ المهام الاستثنائية قبل التقليدية.
دون شك، ستستمر حالة الصعوبة التي يعيشها الأعداء (لأبعاد السرية)، ومن يتقاطعون معهم (لفقدان الروح الوطنية) عن تقييم حالة التعايش التي تصل إلى حد الاندماج بين الفرد المقاتل في القوات المسلحة، والمعدات التي يجرى تأهيله عليها، قبل استخدامها فعليًّا في الميدان.  
استشعرنا ذلك خلال "تفتيش حرب" الفرقة الـ 19 مشاة (التابعة لقيادة الجيش الثالث الميداني، ثاني أهم تشكيل قتالي- تعبوي في الشرق الأوسط)، وزيارات سابقة قمنا بها لتشكيلات قتالية في صحبة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والقائد العامّ للقوات المسلحة، الفريق صدقي صبحي.
تَواصل عمليات رفع الكفاءة القتالية له علاقة بتعدد مهامّ المؤسسة العسكرية على الأقل خلال السنوات الأخيرة.. لا فرق بين تأمين الحدود الاستراتيجية، وحماية الجبهة الداخلية (الأهداف الحيوية، والممتلكات العامة والخاصة) في مواجهة عمليات الإرهاب، والتخريب.
متطلبات مسرح العمليات كثيرة.. تقابلها القيادة العامة بتعزيز عمليات التدريب والتسليح، وبخطط أساسية واحتياطية، واهتمام بالقدرات الفنية والإدارية والقتالية. هناك اقتناع بأن المنطقة التي تعيش على برميل بارود، قابل للانفجار في أي لحظة، تتطلب الاستعداد الدائم.
حاولت مصر مد يد العون للأشقاء، من خلال مشروع "القوة العربية المشتركة"، الذي قوبل بترحيب مبدئى (تمثل في تشكيل فرق عمل فنية، وجلسات متعددة لبحث ملف المشروع)، لكن البروتوكول النهائي اصطدم بمصالح وتقاطعات أطراف إقليمية ودولية!!
ورغم محاور مبشرة تتعلق بـ"المهامّ، وأماكن التمركز، ومعايير وضوابط الكفاءة والاستعداد القتالي، التسليح والإمداد الإداري، وهيئة القيادة، وآلية اتخاذ القرار، ومصادر التمويل، والإطار القانوني اللازم لتشكيل وطلب إرسال واستخدام القوة"، تم تجميد المشروع.
لم تكن القوة العربية المشتركة موجهة ضد أي دولة، ولا تمثل محوراً، أو تحالفاً، أو تهديداً لأحد، بل حماية الأمن القومي العربي، لذا أكدت مصر للمعترضين أنه رغم كونها الأشد حرصًا على المشروع، فهي الأقل احتياجًا له بما تملكه من رصيد القوة.
تذكرت ذلك، ونحن في نطاق عمليات الجيش الثالث الميداني، تحديدا، عندما أكد القائد العامّ للقوات المسلحة، الفريق أول صدقي صبحي، أن مصر لديها "قوات مسلحة حديثة، وتتسلح بعوامل القوة للوفاء بمهامها دفاعاً وقتالاً"، لـ"حسم وردع أي محاولات لنشر الفوضى على الحدود، أو التخريب على أرض مصر".
هناك حالة من اليقين داخل المؤسسة العسكرية بأن إنجاز المهامّ بكفاءة لابد أن يعتمد على ترسيخ الثقافة الواسعة للعناصر القتالية، سواء فيما يتعلق بالتخصص، أو كل ما له علاقة بـ"معارك الأسلحة المشتركة"، التي برع فيها الجيش المصري، منذ حرب أكتوبر 1973، حتى الآن.
لا يقتصر هذا على كبار القادة والضباط، لكنه يشمل ضباط الصف والجنود، حتى لا تحدث فجوة بين المستويات القيادية.. خبرة المقاتل في التعامل مع المعدات العسكرية تعني سرعة الحسم، بينما التأهيل الشامل يحافظ على المعدات، ويقلل من التكلفة.
تعزز المؤسسة عناصرها بالمناورات المشتركة، وتعتبرها فرصة عملية لتبادل الخبرات بين المدارس العسكرية، من أجل صقل القدرات، وتتعدد المكاسب، وتسمح التدريبات الإقليمية والدولية بالوقوف على الإيجابيات والسلبيات، عبر مناقشات القيادات المشاركة في الفعاليات الميدانية.
خلال المناورات والمشروعات التدريبية يتمسك كل طرف بأسراره العسكرية، وبقدراته الدفاعية. هذه عقيدة عسكرية معروفة في كل جيوش العالم، غير أنها لا تمنع من اختبار جاهزية "الاستعداد القتالي"، و"تقييم المعركة"، و"معالجة العمليات"، من حيث "تحديد الأهداف، واتجاه القتال، وتقييم نجاح خطة العمليات، وتخصيص وتوجيه القوات للعمليات، وإجراء التقييم الدوري لعناصر الاستطلاع...".
دور هيئة تدريب القوات المسلحة واضح بقوة في تأهيل الضباط وضباط الصف.. تتحمل كلية القادة والأركان مسئولياتها في إعداد القادة، بحسب حاجة الأفرع والهيئات والإدارات..يتلقى طلاب الكليات العسكرية تدريبات متقدمة، من خلال الدفع بهم للميدان خلال الدراسة.
ليس سرًّا أن المنظومة الجديدة داخل القوات المسلحة تدعم مشاركة طلاب الكليات العسكرية في مشروعات التدريب لرفع كفاءة الفرد المقاتل، سواء فيما يتعلق بأساليب القتال والعلم العسكري، أو في فن الحرب (مهاريًّا، ومعنويًّا).
بات بمقدور طلاب الكليات دراسة التكتيك العامّ والخاصّ، واستعمال الأسلحة، وقراءة الخرائط، واستعمال أجهزة الاتصال وقواعد التخاطب، والاطلاع على فنون العمليات، والتعرف على قدرات العدو، مع ترسيخ الانضباط العسكري الشامل.
عنصر "الضبط والربط" يشكّل أحد الأهداف المحورية التي تركز عليها القوات المسلحة. يتضح هذا من خلال تقييم "الأداء الفني للخدمات والوظائف وتنفيذ المهامّ والواجبات، والسلوك الشخصي للأفراد، وحسن التصرف، وتنفيذ الأوامر والتعليمات العسكرية بكل دقة.
ندرك أن هذه المعطيات تعتمد على الفهم الصحيح للعقيدة العسكرية القتالية، والتفاني في الدفاع عن الوطن، والتدريب المستمر، مع العلم والمعرفة والقدرة على الإبداع، فضلًا عن معاقبة المخطئ بقدر الخطأ الذي وقع منه.
عن قرب، نحن شهود عيان على ما وصلت إليه القوات البحرية (الأولى في الشرق الأوسط وإفريقيا)، وصاحبة الترتيب السادس عالميًّا (من حيث القطع البحرية: غواصات، ومدمرات، وفرقاطات، ولنشات صواريخ، وكاسحات ألغام- ذات الأطقم المؤهلة).
التصنيفات تراعي معايير محددة، شديدة الصرامة، يتصدّرها الأداء الراقي تدريبًا، وتأهيلًا.. المناورات والمشروعات التدريبية توضح قدرة جميع العناصر المقاتلة، والتخصصية.. مواكبة التطور المتسارع في نظم وأساليب القتال يراعي طبيعة العدائيات والتهديدات.
الحال نفسه يظهر في إمكانات القوات الجوية، والدفاع الجوي. ترتكز هذه القدرات على محورين رئيسيين: التطوير الشامل للمعدات القتالية، بالإضافة إلى الاهتمام الأكبر بتأهيل الفرد المقاتل، من خلال استيعاب التكنولوجيا المتطورة، طبقًا لأسس علمية تتبعها القوات المسلحة.
تتحرك القوات المسلحة في مربع التطوير والتحديث، وهى تدرك جيدًا أن الحفاظ على مقدرات الدولة لا يعنى فقط "حجم القوات واستعدادها القتالي، أو كمّ ونوع الأسلحة، وتطورها التكنولوجي، والذخائر المتوافرة، والقدرة على التصنيع العسكري".
صانع القرار في مصر يرى أن تعزيز قدرات القوات المسلحة، هدفه الرئيسي مؤازرة إعادة بناء الاقتصاد الوطني، وحماية عملية التنمية، ويستهدف علاج الاختلالات المتراكمة التي تسببت في البطالة والفقر والتهميش، قبل أن تتحول تلك المعطيات الدرامية إلى إرهاب يهدد الأمن القومي، تواجهه الدولة بكل حسم.
 

رابط دائم: