فشل أمن الأنظمة:|مؤتمر مركز الأهرام للدراسات يناقش علاقة الثورات العربية بالأمن غير التقليدي
31-7-2011

أحمد كامل البحيري
* باحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

 غاب مفهوم الأمن غير التقليدي عن الأدبيات والدراسات الأمنية العربية لعقود، لقصرها مفهوم الأمن علي بعده العسكري دون سواه. ولكن التطورات الحادثة عالميا من أزمات دولية ليست ذات طابع عسكري، لكنها تشكل تهديدا لأمن الدول والمجتمع الدولي، كتغير المناخ والفيضانات والتهديدات الاقتصادية كغسل الأموال وغيرها، مما دفع الباحثين والمتخصصين في الدراسات الأمنية لإعادة النظر في تعريفات مفهوم الأمن، وعدم قصرها علي التهديدات العسكرية والبعد العسكري للمفهوم، وإيلاء أهمية لمفاهيم أمنية غير عسكرية كالأمن الإنساني، وأمن الطاقة، والأمن الغذائي ... الخ، والتي بدأت تتصدر المشهد السياسي والأجندة البحثية الغربية، متخطية ما عداها من مفاهيم أمنية تقليدية ركزت عليها المدرسة الواقعية بتنوعاتها.

وفي إطار اهتمام الباحثين العرب بالمفاهيم الأمنية غير التقليدية، عقد مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مؤتمر "عصر الأمن غير التقليدي في المنطقة العربية" في 14 يونيو 2010، كمحاولة لدراسة مقارنة لأبعاد مفهوم الأمن غير التقليدي بين التطبيق في المنطقة العربية و"مدرسة كوبنهاجن" كنموذج في دراسات الأمن.

وهدف المؤتمر لإرساء مفهوم "الأمن غير التقليدي" ضمن المفاهيم المطروحة للنقاش العام حول الأمن في المنطقة العربية، وإلي لفت الانتباه لتحول مشكلات تقليدية إلي تهديدات حادة تمارس تأثيراتها في الأمن القومي والأمن الإقليمي في المنطقة العربية، وإلي أن هذه المصادر ذاتها قد بدأت في التحول نحو أشكال جديدة أكثر تعقيدا علي العكس المتوقع.

لايزال مفهوم الأمن التقليدي هو المتحكم في الاستراتيجية الأمنية كمدخل رئيسي في فهم وتحليل الأزمات في المنطقة العربية. ولهذا، سعت جلسات المؤتمر إلي دراسة بعض المفاهيم الأمنية الجديدة المستخدمة في تحليلات الدراسات الأمنية في عصر ما بعد البنيوية   والتي تقدم تفسيرات ملائمة لمفهوم أمن الدول.

وأدي ذلك لتبني مفهوم أوسع للأمن أخذ مسميات متعددة كالأمن المتكامل بحيث يتضمن كل أشكال التهديد، والشراكة الأمنية ، والأمن المتبادل ، إذ يتم التخلي نسبيا عن نزوع الدول منفردة إلي تعظيم أمنها علي حساب الدول الأخري، والأمن التعاوني القائم علي تقاسم الأعباء الأمنية لاحتواء التهديدات، الأمر الذي يتطلب تبني مداخل إضافية لمفهوم الأمن للتمكن من تحليل مشكلات الأمن غير التقليدية التي تواجه الدول العربية، والمتصاعد مع مرور الوقت.

بدأت تظهر بعض التهديدات لأشكال الأمن غير التقليدي في المنطقة العربية. وكانت السمات الرئيسية لتلك النوعية من التهديدات هي أن مصدرها ليس الدول، وأنها ليست عسكرية، وأنها عابرة للحدود، وأن التعامل معها يتطلب في معظم الأحيان "تعاونا متعدد الأطراف"، كالتغيرات المناخية، والكوارث الطبيعية "سيول جدة"، والأمراض الوبائية "أنفلونزا الطيور والخنازير"، والتحركات السكانية، والاتجار بالبشر، وأمن المعلومات، وصراعات الموارد، وظهور مشكلات علي غرار الانفلات الأمني، والتوتر الطائفي، والعنف القبلي، وما يثار بشأن "ثورة الجياع"، وغيرها بمستوي لم يكن متصورا.

وقد كانت الدول علي وعي بتلك التهديدات طوال الوقت، وكانت هناك مهام محددة لبعض المؤسسات العسكرية أو هياكل الأمن الداخلي، في التعامل معها، لكنها لم تمثل بالنسبة لتلك المؤسسات سوي مهام إضافية أو وظائف معتادة، قبل أن تبدأ في التحول إلي "تهديدات رئيسية" تتطلب تفكيرا مختلفا، وموارد أكبر، وربما هياكل جديدة، كما بدأ كثير منها يتسبب في إرهاق الدول.

بدأت التهديدات غير التقليدية للأمن تشهد تحولات في المنطقة العربية، جعلتها تمثل الملمح الرئيسي للتهديد في المرحلة الحالية. وتشير عملية الرصد والتحليل لمسار تطور المفهوم إلي السجال الفكري في حقل الدراسات الأمنية حول طبيعة ومكونات مفهوم الأمن، وهو ما انصب بالأساس علي محاولة توسيع مفهومه التقليدي، الذي لم يتعد حدود ضمان بقاء الدولة في مواجهة أي تهديد خارجي، كونها فاعلا عقلانيا ومحركا للعلاقات الأمنية، ليشمل قضايا الاقتصاد والبيئة والمجتمع ... إلخ.

ورصد المؤتمر التحديات التي تواجهه مفهوم الأمن غير التقليدي كتحديات منهجية، والتي بلورها في أربعة تحديات رئيسية، أولها أن مفهوم الأمن التقليدي واضح ومبسط، ولكن المفهوم غير التقليدي للأمن غير واضح المعالم ومتوسع ومتداخل مع مفاهيم وحقول معرفية أخري. ثانيها أن مفهوم الأمن التقليدي يقوم علي أمن الحدود للدول، ولكن المفهوم غير التقليدي للأمن يقوم علي مفاهيم من الصعب تحققها. في حين تمثل ثالثها في أن المفهوم التقليدي للأمن يقوم علي الأساس المجتمعي، ولكنه ينظر للمجتمع نظرة انتقائية، فلا يهتم بأمن الجماعات المهشمة، وهذه الجماعات هي جوهر اهتمام المفهوم غير التقليدي للأمن. وآخر تلك التحديات هو إمكانية إساءة استخدام مفهوم الأمن غير التقليدي لتحقيق أهداف دول بدلا من تحقيق الأمن الإنساني، كما يحدث في التدخلات العسكرية لدول كبري تحت غطاء حقوق الإنسان وحماية المدنيين.

الثورات العربية ومفهوم الأمن

نجحت الثورات العربية في تأكيد مفهوم الأمن غير التقليدي وأهميته منذ اللحظة الأولي. فكانت شعارات ثورة الشعوب العربية "كرامة - حرية - عدالة اجتماعية" الموضوعات التي يقوم بتأكيدها مفهوم الأمن غير التقليدي، والذي  يري في الأمن الإنساني ركيزته الأساسية، في ظل عجز مفهوم الأمن التقليدي المتبع من قبل النظم العربية الحاكمة العربية عن تحقيق الاستقرار والأمن للأفراد، وذلك للعديد من الأسباب، أهمها تركز مفهوم الأمن التقليدي علي أمن النظام وليس أمن الدولة.

وبالتالي، أصبح في بعض الأحيان يتعارض مع المعني الأساسي للمفهوم التقليدي للأمن، بل وصل إلي حد اختزال مفهوم الأمن في أمن الرئيس والأسرة الحاكمة ومعاونيهما، فضلا عن صعوبة فصل أمن الدولة عن أمن المجتمع. فالركيزة الأساسية للأمن غير التقليدي ليست أمن السلطة السياسية الحاكمة، ولكن أمن المجتمع بقواعده المختلفة.


رابط دائم: