الإعلام الأمريكي يلجأ لنظرية المؤامرة
27-10-2017

محمود بسيوني
* كاتب مصري، مدير تحرير موقع مبتدا
تسببت روسيا في لجوء الإعلام الأمريكي لنظرية المؤامرة من أجل التشكيك في نتيجة الانتخابات الأمريكية، ومحاصرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزعم تدخل روسيا في النتيجة.
وبدأ الإعلام الأمريكي بالترويج لنظرية الاختراق الروسي عن طريق فيديو مثير للجدل للنجم الأمريكي العالمي، مورجان فريمان، يتهم فيه روسيا بالتوغل داخل الولايات المتحدة، والتدخل فى الشأن الداخلي الأمريكي، قبيل الانتخابات الرئاسية مطلع العام الجاري، ثم وصفها بالعدو للشعب الأمريكي، والخطر المحدق بالديمقراطية الأمريكية، وربط بين انهيار الاتحاد السوفيتي والاختراق الذى يرعاه بوتين، انتقاما للدور الأمريكي في هذا الانهيار .
 لم يكتف مورجان فريمان في الفيديو الذى انتشر على وسائل التواصل بهذه الاتهامات فحسب، بل طالب ترامب بالاعتراف أمام الشعب الأمريكي بأن الولايات المتحدة تعرضت لهجوم ضارٍ من روسيا خلال إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، رغم أنه يعلم جيدا أن مثل هذا الاعتراف ينطوي على تشكيك فى شرعية ترامب نفسه .
الإعلام الروسي وجد الفرصة مناسبة أمامه للنيل من الإعلام الأمريكي، فخرج وزير الإعلام الروسي، ديمترى بيسكوف، ليقول إن فريمان منساق خلف عواطفه، ولا يُعمل عقله قبل الإدلاء بمثل هذه التصريحات.
وأضاف بيسكوف: إن الكثير من المبدعين يقعون فريسة لإدراكهم الخاطئ للأمور، مما يدفعهم للإدلاء بآراء غير مستندة إلى معلومات مؤكدة، مشيرًا أن أسلوب التلاعب العاطفي الذى تمارسه الولايات المتحدة سينتهى مع الوقت.
بالطبع، لم يخرج فريمان منساقاً وراء عواطفه، ولا أحد يعلم هل تدخلت الولايات المتحدة أم لا، لكن المؤكد أن الاستخبارات الأمريكية (CIA) غير راضية عن نتيجة الانتخابات، وهو أمر معروف منذ إعلان النتيجة، وهى صاحبة قصة الاختراق الروسي رغم أنه يدينها في المقام الأول لأنها لم تواجه أو تنهى الاختراق، بل ربما سمحت به، كما يظهر جهاز الاستخبارات الروسية متفوقا عليها، وربما تخوفها من ترامب وضعها في حالة ارتباك، مما جعلها تلجأ لتلك الخطة المفضوحة للتخلص منه، ولا مانع من المقامرة، لتحقيق ذلك الهدف الصعب، بشعبية نجم عالمي، مثل فريمان أو بمصداقية صحف، مثل نيويورك تايمز، أو النيوزويك، والتي نشرت تقارير تتحدث عن ذلك الموضوع بشكل مفصل. 
بالتأكيد ترامب ليس لقمة سائغة ولذلك قرر الرد على تحركات الاستخبارات الأمريكية بنكء واحد من جراحها القديمة، وهو اغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق، جون كيندي وهو أشهر رئيس أمريكي اصطدم بأجهزة الحكم العميقة في الولايات المتحدة، مثلما هو الحال مع ترامب، وربما قصد ترامب أن جهاز المخابرات المركزية يستهدفه كما استهدف كيندي، وأنهم يدبرون له مصيراً مماثلاً .
وبموجب القانون الذي اعتمده الكونجرس في عام 1992، صنفت جميع مواد التحقيق في اغتيال الرئيس كيندي كمعلومات سرية لمدة 25 عاما، على أن يتم نقلها إلى الأرشيف الوطني الأمريكي. 
 
ومن المتوقع أن ينشر الأرشيف الوطني تلك الوثائق، في 26 من أكتوبر الجاري، إذ إن مدة السرية المفروضة عليها ستنتهي في أواخر شهر أكتوبر. لقد ألمح ترامب إلى أنه سيوافق على نشر كل المواد السرية في تحقيقات هذه القضية، ويتوقع ان يكون من بينها معلومات تضر بعمل المخابرات المركزية.
ورغم أن الكثير من المحللين توقعوا أن تكون وكالة الاستخبارات المركزية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي قد تخلصا منذ فترة طويلة من أخطر الشهادات التي تثبت تورط الأجهزة الأمنية الأمريكية في اغتيال كيندي في 22 نوفمبر من عام 1963 في مدينة دالاس بولاية تكساس، وأن نشر حزمة جديدة من الوثائق السرية قد لا يضيف جديدا عن مقتل كيندي. في المقابل، فإن آخرين توقعوا أن الوثائق قد تحل ألغاز تتعلق بالقضية وتعزز الاقتناع الشعبي بأن أجهزة المخابرات الأمريكية هي من دبر هذه الجريمة.
فيما يتخوف بعض المسئولين أن تتضمن الوثائق التي تم تجميعها في التسعينيات معلومات عن عمليات الاستخبارات الحديثة، وقد تدمر الرواية الرسمية للقضية والتى امتد التحقيق فيها لنحو عشرة أشهر، وأشرف عليه قاضي المحكمة العليا، إيرل وارين، إلا أن أوزوالد -وهو عنصر سابق في قوات "المارينز" عاش في الاتحاد السوفيتي- تصرف بمفرده، عندما أطلق النار على موكب كيندي، وأصاب الرئيس بطلقتين في ظهره ورأسه. وقتل أوزوالد، الذي ألقي القبض عليه، بعد يومين من الحادث، في أثناء نقله من سجن المدينة، ولكن لجنة تحقيق خاصة تابعة لمجلس النواب خلصت عام 1979 إلى أن كيندي "اغتيل على الأرجح نتيجة مؤامرة"، مرجحة أن شخصين أطلقا النار عليه.
ترامب استغل خلال الانتخابات الرئاسية الهوس الشعبي بقضية كيندي، واتهم والد غريمه في الانتخابات، تيد كروز، بالضلوع في القضية، وهو ما نفته حملة كروز. ترامب يدرك جيدا أنه يضع يده على جرح غائر للمخابرات المركزية، فيما تحاول الوكالة إيقافه بنظرية المؤامرة،  بالتعاون مع عدد من الصحف الأمريكية ونجوم هوليود التي كثيراً ما اتهمت وسائل الإعلام المصرية بتغذيتها في بعض الأحيان .
في كل الأحوال، إنه بنشر مذكرات كيندي، وتصاعد حملة وكالة الاستخبارات المركزية ستتأثر السياسة الخارجية الأمريكية، وتشهد مزيداً من التضارب كما هو الحال في الأزمة القطرية وغيرها من الملفات الإقليمية والدولية التي لن تعود إليها الولايات المتحدة قبل حسم صراع الديناصورات لمصلحة أحدهم في واشنطن .
 

رابط دائم: