الشركات الأمنية العسكرية
10-10-2017

محمد الألفي
* كاتب و صحفي مصري مقيم في فرنسا
لم تعد الشركات الأمنية الخاصة مجرد مؤسسات تقوم ببعض الأعمال الأمنية التقليدية، كما هو متعارف عليه، وإنما أصبحت شركات تقوم بأعمال عسكرية متعددة المهام، وتنفذ مخططات دول فى مناطق مختلفة من العالم. وتؤسس هذه الشركات حاليا بدعم مخابراتى غربى، وبتصريح مباشر للقيام بمهام متعددة، لذا يتم توفير الدعم لها من خلال عقود عمل خاصة.
ففى ظل ما يمر به العالم من حالة الكساد التى تعانيها بعض الاقتصادات الأوروبية التى تتزامن ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى الاستمرار فى قيادة العالم كقطب أوحد، وإصرارها على تدمير كل من يقف فى طريقها، تبرز رغبة القوى الغربية فى التدخل عسكريا لإعادة احتلال مستعمراتها القديمة، والاستيلاء على ثرواتها بشكل مباشر لكى تنقذ اقتصاداتها التى تترنح منذ عام ٢٠٠٦، ولكن دون التدخل المباشر من جانب جيوشها العسكرية، خاصة فى ظل رفض المجتمعات والقوى السياسية فى هذه الدول لمسألة التدخل العسكرى المباشر.
هنا، بدأ عمل الشركات الأمنية العسكرية فى التدخل بالوكالة فى مناطق مختلفة من العالم لتنفيذ مهام عسكرية،  أو تقديم دعم لوجيستى لعناصر متطرفة، وذلك لخلق حالة من الفوضى الممنهجة، حتى تتمكن القوى الغربية من صناعة عدو مباشر، وتصويره على أنه وحش كاسر يمكن أن يصل تهديده إلى مجتمعاتها، لكى تتم إخافة الشعوب، وبالتالى توافق البرلمانات على مقترحات ورؤى السياسيين بضرورة التدخل لإيقاف هذا التهديد خارج الحدود.
وحتى إذا لم توافق تلك الشركات على التدخل، فإنها على الأقل ستوافق على تمرير صفقات أسلحة، وبروتوكولات تجارية لقوى إقليمية لدعمها فى محاربة الإرهاب، مما يعنى استمرار عجلة دوران المصانع فى الإنتاج لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من فوائد تخرجها من أزمتها الاقتصادية. يضاف الى ذلك الرغبة فى الاستيلاء على الموارد الطبيعية فى بعض هذه الدول، كما حدث فى قطاع النفط العراقى والسورى، عندما استولى تنظيم "داعش" على مناطق استخراج النفط، ثم قام ببيعه إلى تركيا بمبلغ ١٥ دولاراً للبرميل، وقامت تركيا بإعادة بيعه إلى أسواق غربية وإلى إسرائيل بمبلغ ٢٥ دولاراً للبرميل فى الوقت الذى كان فيه سعر البرميل فى السوق العالمى يتجاوز ٨٥ دولاراً للبرميل، علماً بأن ذلك يصب فى مصلحة الاقتصاد الأمريكى. 
 فـ "داعش" صناعة أمريكا، وتوفر لها كل الإمكانيات المعلوماتية والدعم العسكرى والطبى من خلال مستشفيات فى تركيا وإسرائيل، وبالتالى ضرب أسعار النفط فى مقتل، لأن خفض كل دولار فى أسعار النفط يوفر لأمريكا ٤ مليارات دولار، نظراً لأنه يضع الدول النفطية فى مأزق انخفاض العوائد، مما يضطرها إلى استخدام الاحتياطيات النقدية فى بنوكها المركزية لحماية أمنها القومى، بما فى ذلك الأمن والسلم الاجتماعى، الأمر الذى يدفعها إلى القيام بعقد صفقات عسكرية وتجارية تنعش الاقتصادات الغربية وتمهد لإخضاع العديد من الدول للإرادة الغربية، وما يحدث فى اليمن، والعراق، وسوريا، وليبيا، وأوكرانيا ليس ببعيد عن هذا.
ومع اشتداد الصراع، أصبحت الشركات الأمنية العسكرية تتدخل فى القرار السياسى السيادى للعديد من دول العالم، وتهدد قادة الدول، وتسيطر على الموارد وتتحكم فى جهات الشراء بالسعر الذى ترغب به طبقا للتعليمات الصادرة لها من القيادات الغربية.
كذلك، أصبحت هذه الشركات تقوم بحروب مباشرة بالوكالة فى تقسيم الدول وتغذية الصراعات الطائفية فيها. ولن ننسى تقرير المخابرات الألمانية الذى نشرته مجلة دير شبيجل الألمانية فى بداية  الأزمة السورية، عندما ذكر أن أكثر من ٩٠٪ من المقاتلين على الأرض أجانب مدربون تدريبا عاليا ومتعدد المهام.
بإلقاء نظرة عامة على بعض الشركات العاملة فى هذا المجال، سوف نجد الآتى:
١- شركة  G4البريطانية موجودة فى أكثر من ١٠٠ دولة، ولديها أكثر من ٦٠٠ ألف موظف .
٢- شركة Securitas السويسرية ولها نشاط فى ٤٦ دولة، ولديها نحو ٣٠٠ ألف موظف.
٣- شركة Scapex الفرنسية، ولديها أكثر من ٢٠٠ ألف موظف فى 60 دولة.
٤- شركة Dyncorp الأمريكية، ولديها أكثر من ٦٠ ألف موظف، وتجاوزت عقودها حول العالم ٢٥٠ مليار دولار .
فيما بلغ إجمالى أعمال هذه الشركات رقم تقريبى يتجاوز ٦٠٠ مليار دولار حول العالم .
كما تجب الإشارة الى دور الأكاديمية الأوروبية للأمن والموجودة فى غرب بولندا، وهى إحدى أهم أكاديميات التدريب العسكري بالذخيرة الحية على نماذج أحياء ومدن تحاكى الأحياء العربية بكل مكوناتها وكذلك كل النماذج مكتوب عليها أسماء الأنشطة باللغة العربية فقط لتحاكى المهام القادمة للمتدربين وتحدد بوضوح تام الوجهة القادمة للمتدربين من كل دول العالم، الأمر الذى يشير الى أن هذه الشركات تقوم بحروب بالوكالة، فضلا عن كونها تمهد الأرض أمام التدخلات العسكرية الغربية.

رابط دائم: